حكاية أطفال الشوارع.. في محاولة لبناء حياتهم من مخلفات الآخرين
الاحد / 16 / ذو القعدة / 1442 هـ - 19:45 - الاحد 27 يونيو 2021 19:45
1678861
ضمن أحداث الفيلم التركي «حياة من ورق»..
كتبت :شذى البلوشية -
حين تمتلئ الحياة بالبؤس والحرمان، لا يمكن معرفة واقعيتها من الخيال، يمتزجان معا في قالب واحد، كأطفال الشوارع، يعيشون وهم يحلمون، والحلم ليس أقصى من رغبة في العيش فقط، حتى وإن كانت حياتهم أشبه بالحياة على الورق، هكذا ضمن الفيلم التركي «حياة من ورق» قصته التي بدأت بالبؤس وانتهت به.
قدم الفيلم إهداء لكل أطفال الشوارع، لكل طفل نشأ وحده، ولم يجد إلا رصيف الشارع مأوى له، وتوغل الفيلم في تلك الأزقة التي عاش فيها كُثُر، لوحدهم دون عائلة، بملابس رثة، وشح في الطعام، وانعدام للصحة. محمد بطل الفلم يعاني من فشل كلوي، ينقل إلى المستشفى في أول مشهد للفلم بعد أداء عمله في جمع النفايات التي يمكن إعادة تدويرها، وجني المال من بيعها، وهو العمل المنهك للجسد، ومحمد صحته توشك أن تؤدي به إلى الهلاك، يدخر المال فقط ليكون جاهزا لشراء الكِلية حين يجد المتبرع، وهو الأمل الوحيد المتبقي له لاستمرار الحياة، يلتقي صدفة بطفل يدعى «علي»، واكتشف أن والدته رمته في صندوق القمامة، نتيجة الأذى والضرب المبرح الذي يتلقاه من زوج والدته، مخلفا في جسده الصغير والهزيل الكثير من الجروح والكدمات، فيقرر محمد الاعتناء به حتى يستطيع تخليصه من حياة البؤس التي يعيشها، ولكن يبدو أن علي كان أقصى أمنياته أن يجمع المال لتأمين حياة كريمة لأمه، وإخراجها من منزل زوجها الظالم.
تمر الكثير من الأحداث، حيث يرتبط محمد بعلي، ويسعى ليعيش برفقته حياة سعيدة، رغم أن ذلك ينقلب سلبا على محمد، فقد كان لحدث إجبار الأطفال المشردين عليا على استنشاق الغراء أثره القوي في تدهور حالة محمد، كان خائفا أن يفقد علي، وخاف أكثر حين لم يستطع علي أن يميز محمد، ويحاول الابتعاد عنه ظنا منه بأنه زوج والدته، يبكي محمد كثيرا في تلك اللحظة، ليوضح أن ذلك يفطر قلبه، «غونزي» الذي أشبه بأخ لمحمد يتعجب من تعلق محمد الشديد بالطفل علي، ويحاول جزافا أن يهدئ من حال «محمد».
وفي محاولة محمد أن يسمح لعلي برؤية أمه المشتاق لها، يدخل في عراك مع بعض الصبية، معتقدا أنهم قد ضربوا عليّا أثناء محاولته هو اللحاق بزوج والدته ليتحدث معه، ويفقد محمد علي بعد أن أدى العراك إلى فقدانه الوعي ونقله إلى المشفى. ولكن سرعان ما يخرج محمد منه، متجاهلا أنه في حالة صحية حرجة، ليعود إلى المنزل ويأخذ المال الذي ادخره للعلاج، والتوجه إلى منزل والدة علي، في محاولة لاستعادة علي وإبعاده ووالدته من أذى زوجها ومعاملته القاسية لهما، وهناك تحدث المفارقة.. ذاك المنزل هو ذاته الذي عاشت فيه والدة محمد، وهو أيضا عاش فيه، بمجرد دخوله إلى إحدى الغرف يتذكر كل حياة العنف التي عاشها، يتحدث إليه أصحاب المنزل بكل هدوء، بأنه يجب أن يكتفي من الحضور إلى منزلهم، وأن والديه قد انتقلا من المنزل منذ سنوات مضت.
الفيلم فيه الكثير من المأساوية، ويثير العاطفة لكل من يشاهده، حيث يحكي «غونزي» في ختامه حياة محمد التي باتت قائمة على الوهم، كان معاناته أشد من كل التوقعات، دون أن نعلم هل سبب تلك الحالة النفسية هي عنف زوج والدته، أم حياة الشارع التي عاشها، فكل مأساة أشد من الأخرى، وهي ما أفقدت شابا في مقتبل العمر عقله، وجعلت الوهم مسيطرا عليه حد عيشه برفقة نفسه وهو صغير، في محاولة منه لتعويض ذاته عن حياة البؤس التي عاشها. يقول غونزي: محمد كان مختلفا، كان يفقد صوابه أحيانا، ولكنه لاحقا فقد القدرة على التفريق بين الواقع والخيال، جُل ما أراده هو لم شمل طفولته المفقودة مع والدته».
حكاية حياة ليست ككل الحيوات، يعيشها طفل بل عدد من الأطفال في مختلف بقاع الأرض، يصارعون الوحدة من جهة، وقسوة الحياة التي لا ترحم من جهة أخرى، تنتهي حياتهم سريعا ولا يمكن ألا نقول إن اليأس هو السبب، إضافة إلى الجوع والمرض والبرد، ولكن المميز في «حياة من ورق» طريقة سرد هذه المأساة بقصة قد تكون أشبه بالخيال، تثير كل ما فيك من تعاطف، وتأخذك إلى نهايتها المأساوية بكل حسرة.
المميز في الفيلم القدرة العجيبة على التشويق في تصاعد مستمر لأحداث الفيلم، وتقف مذهولا أحيانا من حدة تصرفات البطل، وعصبيته المفرطة، لتعتقد أنها مبالغة، ولكن سرعان ما تكتشف أنه يعيش صراعا نفسيا داخليا، هو ما يتسبب بتلك التصرفات الغريبة.
اختيار الحي.. المأوى.. الملابس كلها كانت موفقة، والتقاطات المشاهد من مختلف زوايا التصوير كان جميلا، للحد الذي يجعل المشاهد قادرا على التوغل في تفاصيل حياة أبناء الشارع، ورغم مأساوية النهاية إلا أنها واقعية.
كتبت :شذى البلوشية -
حين تمتلئ الحياة بالبؤس والحرمان، لا يمكن معرفة واقعيتها من الخيال، يمتزجان معا في قالب واحد، كأطفال الشوارع، يعيشون وهم يحلمون، والحلم ليس أقصى من رغبة في العيش فقط، حتى وإن كانت حياتهم أشبه بالحياة على الورق، هكذا ضمن الفيلم التركي «حياة من ورق» قصته التي بدأت بالبؤس وانتهت به.
قدم الفيلم إهداء لكل أطفال الشوارع، لكل طفل نشأ وحده، ولم يجد إلا رصيف الشارع مأوى له، وتوغل الفيلم في تلك الأزقة التي عاش فيها كُثُر، لوحدهم دون عائلة، بملابس رثة، وشح في الطعام، وانعدام للصحة. محمد بطل الفلم يعاني من فشل كلوي، ينقل إلى المستشفى في أول مشهد للفلم بعد أداء عمله في جمع النفايات التي يمكن إعادة تدويرها، وجني المال من بيعها، وهو العمل المنهك للجسد، ومحمد صحته توشك أن تؤدي به إلى الهلاك، يدخر المال فقط ليكون جاهزا لشراء الكِلية حين يجد المتبرع، وهو الأمل الوحيد المتبقي له لاستمرار الحياة، يلتقي صدفة بطفل يدعى «علي»، واكتشف أن والدته رمته في صندوق القمامة، نتيجة الأذى والضرب المبرح الذي يتلقاه من زوج والدته، مخلفا في جسده الصغير والهزيل الكثير من الجروح والكدمات، فيقرر محمد الاعتناء به حتى يستطيع تخليصه من حياة البؤس التي يعيشها، ولكن يبدو أن علي كان أقصى أمنياته أن يجمع المال لتأمين حياة كريمة لأمه، وإخراجها من منزل زوجها الظالم.
تمر الكثير من الأحداث، حيث يرتبط محمد بعلي، ويسعى ليعيش برفقته حياة سعيدة، رغم أن ذلك ينقلب سلبا على محمد، فقد كان لحدث إجبار الأطفال المشردين عليا على استنشاق الغراء أثره القوي في تدهور حالة محمد، كان خائفا أن يفقد علي، وخاف أكثر حين لم يستطع علي أن يميز محمد، ويحاول الابتعاد عنه ظنا منه بأنه زوج والدته، يبكي محمد كثيرا في تلك اللحظة، ليوضح أن ذلك يفطر قلبه، «غونزي» الذي أشبه بأخ لمحمد يتعجب من تعلق محمد الشديد بالطفل علي، ويحاول جزافا أن يهدئ من حال «محمد».
وفي محاولة محمد أن يسمح لعلي برؤية أمه المشتاق لها، يدخل في عراك مع بعض الصبية، معتقدا أنهم قد ضربوا عليّا أثناء محاولته هو اللحاق بزوج والدته ليتحدث معه، ويفقد محمد علي بعد أن أدى العراك إلى فقدانه الوعي ونقله إلى المشفى. ولكن سرعان ما يخرج محمد منه، متجاهلا أنه في حالة صحية حرجة، ليعود إلى المنزل ويأخذ المال الذي ادخره للعلاج، والتوجه إلى منزل والدة علي، في محاولة لاستعادة علي وإبعاده ووالدته من أذى زوجها ومعاملته القاسية لهما، وهناك تحدث المفارقة.. ذاك المنزل هو ذاته الذي عاشت فيه والدة محمد، وهو أيضا عاش فيه، بمجرد دخوله إلى إحدى الغرف يتذكر كل حياة العنف التي عاشها، يتحدث إليه أصحاب المنزل بكل هدوء، بأنه يجب أن يكتفي من الحضور إلى منزلهم، وأن والديه قد انتقلا من المنزل منذ سنوات مضت.
الفيلم فيه الكثير من المأساوية، ويثير العاطفة لكل من يشاهده، حيث يحكي «غونزي» في ختامه حياة محمد التي باتت قائمة على الوهم، كان معاناته أشد من كل التوقعات، دون أن نعلم هل سبب تلك الحالة النفسية هي عنف زوج والدته، أم حياة الشارع التي عاشها، فكل مأساة أشد من الأخرى، وهي ما أفقدت شابا في مقتبل العمر عقله، وجعلت الوهم مسيطرا عليه حد عيشه برفقة نفسه وهو صغير، في محاولة منه لتعويض ذاته عن حياة البؤس التي عاشها. يقول غونزي: محمد كان مختلفا، كان يفقد صوابه أحيانا، ولكنه لاحقا فقد القدرة على التفريق بين الواقع والخيال، جُل ما أراده هو لم شمل طفولته المفقودة مع والدته».
حكاية حياة ليست ككل الحيوات، يعيشها طفل بل عدد من الأطفال في مختلف بقاع الأرض، يصارعون الوحدة من جهة، وقسوة الحياة التي لا ترحم من جهة أخرى، تنتهي حياتهم سريعا ولا يمكن ألا نقول إن اليأس هو السبب، إضافة إلى الجوع والمرض والبرد، ولكن المميز في «حياة من ورق» طريقة سرد هذه المأساة بقصة قد تكون أشبه بالخيال، تثير كل ما فيك من تعاطف، وتأخذك إلى نهايتها المأساوية بكل حسرة.
المميز في الفيلم القدرة العجيبة على التشويق في تصاعد مستمر لأحداث الفيلم، وتقف مذهولا أحيانا من حدة تصرفات البطل، وعصبيته المفرطة، لتعتقد أنها مبالغة، ولكن سرعان ما تكتشف أنه يعيش صراعا نفسيا داخليا، هو ما يتسبب بتلك التصرفات الغريبة.
اختيار الحي.. المأوى.. الملابس كلها كانت موفقة، والتقاطات المشاهد من مختلف زوايا التصوير كان جميلا، للحد الذي يجعل المشاهد قادرا على التوغل في تفاصيل حياة أبناء الشارع، ورغم مأساوية النهاية إلا أنها واقعية.