نوافذ :آلهة المفاتيح
الأربعاء / 13 / شوال / 1442 هـ - 19:58 - الأربعاء 26 مايو 2021 19:58
..-----------01
كان للرومان إله لكل شيء، فكانت فينوس آلهة الحب والجمال، وكيوبيد إله الحب، أما مارس فهو إله الحرب، بينما كان ميركيوري إله الحرامية والتجارة والمسافرين، وعلى غير مبعدة منهم كان يقف إله شبه مغمور يدعى يانوس.
ويانوس عند الرومان، هو إله الشمس، وهو إله كل جديد، وهو الإله الذي اشتق من اسمه اسم يناير، أول شهور السنة، وكان إله طريف بشكل من الأشكال، فهو الوحيد الذي كان له وجهان، ينظر كل واحد منهما في اتجاه معاكس للآخر، فبينما كان واحد منهما ينظر إلى الماضي كان الآخر ينظر إلى المستقبل، وهكذا صار رب للبدايات ورب للنهايات في الوقت نفسه، وهذا بالضرورة يستلزم أن يكون حكيما فأصبح يانوس إلها للحكمة أيضا، فبعد كل شيء أليست الحكمة هي أن تتجدد دائما؟ مثل الشمس، ومثل الثورة.
ويانوس هو أيضا رب الأبواب، ولأن له وجهين فهو رب المداخل والمخارج، وهكذا كان يانوس يعمل بالإضافة لوظيفته كإله روماني بوابا شديد الانتباه للداخل والخارج، والعمل كبواب يستلزم الاحتفاظ بحزمة من المفاتيح، فلا يوجد باب في الدنيا ولا حتى في الآخرة بلا مفتاح، وربما لهذا السبب عينه اضطر المسيح في إنجيل متّى أن يهب لبطرس مفتاحا للجنة.
حيث ورد أن الرب يسوع قال لبطرس: «وأعطيك مفاتيح ملكوت السماوات، فكل ما تربطه على الأرض يكون مربوطا في السماوات. وكل ما تحله على الأرض يكون محلولا في السماوات».
ولأن المفاتيح مهمة للغاية، كانت بعض الأقوام تدفن موتاها مع مفاتيحهم، حتى لا يجدوا بوابات العوالم السفلية مغلقة فيضطروا للعودة للحياة لا سمح الله.
أما في الأحلام فالمفاتيح في العادة- وبحسب ابن سيرين- هي دلالات على امتلاك الجاه والمال والسلطان.
ولا يختلف الأمر كثيرا في شرق آسيا، إذ يرمز المفتاح للحظ الحسن، وتعمد العرائس إلى تعليق المفاتيح كتميمة حول الرقبة، لضمان فتح كل الأبواب، ورفع كل الحواجز، المادية والمعرفية أو حتى الروحية، مستجلبة للوفرة والثروة، التي تمنحها الطبيعة السخية، للمؤمنين ولغيرهم دون تمييز، فالطبيعة عادلة، لا تعرف المحاباة ولم يتسلل الفساد لروحها.
وفي لندن التي لم تعد عاصمة للضباب، وعند الساعة التاسعة وثلاث وخمسين دقيقة، وعلى مدار السبعمائة عام الماضية، يبدأ رئيس حراس حصن برج لندن مراسم تسليم المفاتيح، على أن تنتهي عند تمام العاشرة، وإلا فالملك إدورد الثالث سيتقلب في قبره.
وبريطانيا العظمى التي تحب البروتوكولات والمراسم، سلمت مفاتيح فلسطين للصهاينة، عندما منحتهم وعد بلفور لإقامة وطن لهم، فقامت بتسهيل هجرة اليهود إلى فلسطين، وساهمت في تزويدهم بالأسلحة، بينما كانت تصادرها بكل أنواعها من الفلسطينيين، فأضحوا عزلا أمام عصابات البالماخ والهجاناه والأرجون.
وحتى ينفذ وعد بلفور على أتم وجه، شكلت بريطانيا لجنة لتقسيم فلسطين بين أهلها؛ أصحاب الأرض الشرعيين، والصهاينة المستجلبين من مختلف بقاع العالم، ثم وفي ١٩٤٨ انسلت كالشعرة من العجين وتركت أهل البلاد عزلا في وجه عدو حاقد وخطير ومسلح، وأطلقت يديه ليرتكب المذابح في بلدة الشيخ، ودير ياسين، وقرية أبو شوشة، والطنطورة، مرغمين من تبقى من أهالي هذه القرى، وغيرها من البلدات والمدن الفلسطينية لترك بيوتهم، والفرار بأقل القليل، ليجدوا لأنفسهم ملجأ في بلدات وقرى أخرى، أو كي يعبروا الحدود للأردن ولبنان، والعيش في مخيمات للاجئين.
خرج الفلسطينيون من بيوتهم وأخذوا معهم صكوك ملكيات بيوتهم ومفاتيحهم، تلك المفاتيح المقدسة، التي لم يكونوا يريدون بها فتح أبواب جديدة، فهم لم يكونوا في حالة طمع لمال أو سلطان أو جاه، ولم يكونوا معنيين بمفاتيح الجنة أو مرضاة حراس المعابر السفلية، بل لأنهم ما تركوا بيوتهم إلا ليعودوا لها ثانية، تركوها وكل ما يطمحون إليه هو العودة إلى بيت يعرفونه ويعرفهم، ولأجل هذا البيت حملوا مفاتيحهم منذ ١٩٤٨، واحتفظوا بها حتى الآن.
اليوم تطالعنا في جوجل الكثير من الصور، لوجوه شاخت ولمفاتيح صدأت بين أصابع من حلم وانتظار، لكن العيون والابتسامات تقول بأن التاريخ سيتم دورته الكاملة، ثم سيعيد لهم حقهم، وإن استلزم ذلك ألف سنة ومليون شهيد.
سيعود التاريخ بلا شك، كي يقدم لمفاتيحهم الأبواب التي تركوها مرغمين، لأنهم ببساطة متناهية، يدركون ألا نهايات هناك، هناك فقط بدايات جديدة وثورات جديدة.
ويانوس عند الرومان، هو إله الشمس، وهو إله كل جديد، وهو الإله الذي اشتق من اسمه اسم يناير، أول شهور السنة، وكان إله طريف بشكل من الأشكال، فهو الوحيد الذي كان له وجهان، ينظر كل واحد منهما في اتجاه معاكس للآخر، فبينما كان واحد منهما ينظر إلى الماضي كان الآخر ينظر إلى المستقبل، وهكذا صار رب للبدايات ورب للنهايات في الوقت نفسه، وهذا بالضرورة يستلزم أن يكون حكيما فأصبح يانوس إلها للحكمة أيضا، فبعد كل شيء أليست الحكمة هي أن تتجدد دائما؟ مثل الشمس، ومثل الثورة.
ويانوس هو أيضا رب الأبواب، ولأن له وجهين فهو رب المداخل والمخارج، وهكذا كان يانوس يعمل بالإضافة لوظيفته كإله روماني بوابا شديد الانتباه للداخل والخارج، والعمل كبواب يستلزم الاحتفاظ بحزمة من المفاتيح، فلا يوجد باب في الدنيا ولا حتى في الآخرة بلا مفتاح، وربما لهذا السبب عينه اضطر المسيح في إنجيل متّى أن يهب لبطرس مفتاحا للجنة.
حيث ورد أن الرب يسوع قال لبطرس: «وأعطيك مفاتيح ملكوت السماوات، فكل ما تربطه على الأرض يكون مربوطا في السماوات. وكل ما تحله على الأرض يكون محلولا في السماوات».
ولأن المفاتيح مهمة للغاية، كانت بعض الأقوام تدفن موتاها مع مفاتيحهم، حتى لا يجدوا بوابات العوالم السفلية مغلقة فيضطروا للعودة للحياة لا سمح الله.
أما في الأحلام فالمفاتيح في العادة- وبحسب ابن سيرين- هي دلالات على امتلاك الجاه والمال والسلطان.
ولا يختلف الأمر كثيرا في شرق آسيا، إذ يرمز المفتاح للحظ الحسن، وتعمد العرائس إلى تعليق المفاتيح كتميمة حول الرقبة، لضمان فتح كل الأبواب، ورفع كل الحواجز، المادية والمعرفية أو حتى الروحية، مستجلبة للوفرة والثروة، التي تمنحها الطبيعة السخية، للمؤمنين ولغيرهم دون تمييز، فالطبيعة عادلة، لا تعرف المحاباة ولم يتسلل الفساد لروحها.
وفي لندن التي لم تعد عاصمة للضباب، وعند الساعة التاسعة وثلاث وخمسين دقيقة، وعلى مدار السبعمائة عام الماضية، يبدأ رئيس حراس حصن برج لندن مراسم تسليم المفاتيح، على أن تنتهي عند تمام العاشرة، وإلا فالملك إدورد الثالث سيتقلب في قبره.
وبريطانيا العظمى التي تحب البروتوكولات والمراسم، سلمت مفاتيح فلسطين للصهاينة، عندما منحتهم وعد بلفور لإقامة وطن لهم، فقامت بتسهيل هجرة اليهود إلى فلسطين، وساهمت في تزويدهم بالأسلحة، بينما كانت تصادرها بكل أنواعها من الفلسطينيين، فأضحوا عزلا أمام عصابات البالماخ والهجاناه والأرجون.
وحتى ينفذ وعد بلفور على أتم وجه، شكلت بريطانيا لجنة لتقسيم فلسطين بين أهلها؛ أصحاب الأرض الشرعيين، والصهاينة المستجلبين من مختلف بقاع العالم، ثم وفي ١٩٤٨ انسلت كالشعرة من العجين وتركت أهل البلاد عزلا في وجه عدو حاقد وخطير ومسلح، وأطلقت يديه ليرتكب المذابح في بلدة الشيخ، ودير ياسين، وقرية أبو شوشة، والطنطورة، مرغمين من تبقى من أهالي هذه القرى، وغيرها من البلدات والمدن الفلسطينية لترك بيوتهم، والفرار بأقل القليل، ليجدوا لأنفسهم ملجأ في بلدات وقرى أخرى، أو كي يعبروا الحدود للأردن ولبنان، والعيش في مخيمات للاجئين.
خرج الفلسطينيون من بيوتهم وأخذوا معهم صكوك ملكيات بيوتهم ومفاتيحهم، تلك المفاتيح المقدسة، التي لم يكونوا يريدون بها فتح أبواب جديدة، فهم لم يكونوا في حالة طمع لمال أو سلطان أو جاه، ولم يكونوا معنيين بمفاتيح الجنة أو مرضاة حراس المعابر السفلية، بل لأنهم ما تركوا بيوتهم إلا ليعودوا لها ثانية، تركوها وكل ما يطمحون إليه هو العودة إلى بيت يعرفونه ويعرفهم، ولأجل هذا البيت حملوا مفاتيحهم منذ ١٩٤٨، واحتفظوا بها حتى الآن.
اليوم تطالعنا في جوجل الكثير من الصور، لوجوه شاخت ولمفاتيح صدأت بين أصابع من حلم وانتظار، لكن العيون والابتسامات تقول بأن التاريخ سيتم دورته الكاملة، ثم سيعيد لهم حقهم، وإن استلزم ذلك ألف سنة ومليون شهيد.
سيعود التاريخ بلا شك، كي يقدم لمفاتيحهم الأبواب التي تركوها مرغمين، لأنهم ببساطة متناهية، يدركون ألا نهايات هناك، هناك فقط بدايات جديدة وثورات جديدة.