ثقافة

محاضرة تعريفية باللغة الكمزارية.. وتطرق لأصولها التاريخية وتطوراتها اللفظية

بين كونها خليط متجانس.. وإهمال بعض مفرداتها

مكية الكمزارية متحدثة في المحاضرة
 
مكية الكمزارية متحدثة في المحاضرة
أقيمت مساء أمس الأول عبر فضاءات العالم الافتراضي محاضرة بعنوان "اللغة الكمزارية بين الماضي والحاضر"، بتنظيم من النادي الثقافي، قدمتها مكية بنت حسن الكمزارية، لتغوص في بحار تلك اللغة، وتحلق عاليا بالجمهور المهتم والمتتبع للغات المختلفة التي يتحدثها العرب في الوطن العربي.

بدأت مكية المحاضرة بالرجوع إلى أصول اللغة الكمزارية والتي يتحدثها بعض أهالي محافظة مسندم شمال عمان، وقالت مكية إن أكثر مصطلح يمكن أن تطلق عليه اللغة الكمزارية أنها لغة نينائية، بمعنى أنها خليط ومزيج ونسيج من مروا وعبروا على ذاك الميناء، حيث كان يوجد بئر ماء عذب كان يمر به البحارة يستقوا ويأخذوا حاجتهم من الماء، ونتيجة ذلك صار المزيج الذي خلف وراءه نشأة هذه اللغة.

الكمزارية لهجة أم لغة؟

وتطرقت الكمزارية في محاضرتها لوضع توضيح وتفريق بين اللغة واللهجة عودة إلى المراجع والمصادر المختلفة، حيث إن اللغة حسب تعريف ابن خلدون هي أصوات يعبر بها كل قوم عن أغراضهم، وعرف ابن خلدون اللغة على أنها عبارة المتكلم عن مقصود حديثه، يهدف لإفادة الكلام، ومنشأه العضو الفاعل وهو اللسان، في كل أمة حسب حاجتها، وهو ما ينطبق على الكمزارية، وأضافت الكمزارية: "قال علماؤنا: اللهجة هي منوعة بفعل اللسان، وهي تمثل فرعا ... اللهجة هي شكل من أشكال الأصل (اللغة) التي ينتمي إليها، وجزء من طرائق لغة واحدة".

وأشارت مكية في حديثها إلى تأكيد أن الكمزارية هي لغة وذلك بالعودة إلى تعريفات علماء اللغة، حيث ينطبق عليها لفظ "الأسرة العامة" التي تندرج منها لهجات قد لا ينتبه لها أشخاص من خارج المتحدثين بهذه اللغة.

مؤثرات خارجية ..

وتحدث كذلك مكية الكمزارية في محاضرتها على المؤثرات التي تأثرت بها اللغة الكمزارية، لا سيما المؤثر البيئي حيث إن من اللغات التي تعد خليطا متجانسا كونها بيئة بحرية ويتوافد إليها الأشخاص من مختلف الطوائف والوفود، فالتكوين الجغرافي الذي امتازت به كمزار هو المسبب الأساسي لتشكل هذه اللغة المتجانسة.

وطرحت مكية عددا من الأمثلة، حيث استدلت بحديث الرسول عليه الصلاة والسلام حين قال: "ما من ذي لهجة أصدق من أبي ذر"، بمعنى أنها طريق ومسلك في الأداء اللغوي، ومن الدلائل أيضا بأن بعض العرب كانوا يكشكشون في اللغة أي يقلبون الكاف شينا، وجاءت قراءة ذلك في أحد الروايات لسورة مريم: "وهزي إليك بجذع النخلة تساقط عليك رطبا جنيا" حيث انقلبت الكاف شينا في القراءة.

وقالت مكية في ورقتها أن اللغة نظام ويقابلها دارجة عامية، وبالعودة إلى اللغة العربية أكدت مكية على أننا وجدنا العربية مكتوبة ومتعارف عليها وهو ما تسبب في حفظ هذه اللغة، ولعلّ القرآن هو أهم وأبرز مرجع حفظ اللغة العربية من الاندثار، إضافة إلى أقوال العرب المحفوظة كتابيا في كتب التاريخ، لا سيما المعلقات والنثريات وغيرها من أشكال الأدب التي رسخت وجود اللغة العربية إلى يومنا هذا، وأضافت: "اللغة تتأثر بالكتابة وهذا ما يسهل على دارسها وجود مرجعياتها".

وتطرقت الكمزارية للحديث عن التقارب في اللغات، حيث أكدت أن اللغة الآتشومية هي اللغة الأقرب إلى الكمزارية، ويعود ذلك للتقارب الجغرافي، واستعرضت عددا من الكلمات والمفردات التي تتطابق نوعا ما بين اللغتين، أو ربما تتقاربان في النطق والمعنى.

تطور وإهمال ..

وبالحديث عن تطور اللغات، أشارت الكمزارية على أن الباحثين يؤكدون على أن اللغة هي كائن حي (تتطور، وتنضج، وتكبر، وتهرم). وأبرز أوجه التطور في اللغة هو التطور المعجمي، وذلك من خلال دخول كلمات جديدة إلى معجم اللغة، وهو ما حدث مع اللغة الكمزارية أيضا، حيث استعرضت مكية عددا من الأمثلة لتطور اللغة الكمزارية، سواء أكان الأكثر تطورا معجميا، وإضافة كلمات جديدة، وتطور صوتي وهو ما يتعلق بنطق الحروف.

وعرجت مكية في المحاضرة لبعض الألفاظ المهملة في الكمزارية، حيث ذكرت عددا من المفردات التي لم تعد تستخدم من قبل متحدثي اللغة الكمزارية، وربما حتى الأجيال الحديثة لا تعرف هذه الكلمات نتيجة إهمال استعمالها، ومازال كبار السن هم المحافظون على تلك الألفاظ، وأكدت مكية أنه يمكن إنشاء المئات بل الألوف من الكلمات الجديدة سواء عن طريق الانشقاق أو التعريب أو التوليد أو المجاز، وهذا هو أحد الطرق لتطور اللغة.

وأجابت مكية الكمزارية في محاضرتها عن سؤال الجمهور عما إذا كان تتوافر قنوات أو كتب لتعلم اللغة الكمزارية، حيث قالت: "نعم هناك قنوات عبر مواقع التواصل الاجتماعي، إضافة إلى دورات مبسطة لتعلم اللغة الكمزارية، ويتواجد لدينا فريق ناضج لغويا لتوصيل اللغة لمن أراد التعرف عليها".