روضة الصائم

زكاة الفطر

عماد بن سعيد الرواحي
 
عماد بن سعيد الرواحي
يحط المسافر في مختتم رحلة الصوم المباركة في الشهر المبارك على روضة خضراء منعشة يشتم من أزاهيرها عبيرا ينسيه تعب الطريق ويتطهر من ماء بركتها الناصع ليغتسل مما قد علق به من ملمات الطريق ويقتطف من أفنانها لنفسه ولغيره ممن شاركوه المسير وقصرت أياديهم عن توفير الزاد الذي سيدخلون به على أهليهم عند ختام الرحلة.

إنها روضة زكاة الفطر. عن ابن عباس قال: (فرض رسول الله صلى الله عليه وسلم زكاة الفطر طهرة للصائم من اللغو والرفث وطعمة للمساكين).

وإليك حول هذه الدوحة الخضراء وقفات قصيرة نافعة نستحضرها من حديث النبي الأكرم -صلى الله عليه وسلم- المتقدم.

أولا: هي زكاة الفطر لأنها تجب بسبب الفطر من رمضان، وتسمى زكاة الأبدان أيضًا وذلك لأنها حق في البدن لا في الذمة المالية. وهي زكاة لأنها طهرة للصائم يزكو بها ويتطهر من الصغائر التي لحقته في صيامه مما لا يسلم منه غالب الناس، وكذلك هي طعمة للمساكين الذين شاركوه الصيام ولا يجدون ما يتوسعون به على أنفسهم وعيالهم أيام العيد، فهي طعمة لا تخرج عن ثوب الطهرة، يتطهر بها المزكي من دنس الشح والبخل والأثرة والغفلة كما تطهر من اللغو والرفث.

ثانيا: حكمها الشرعي مختلف فيه بين أهل النظر فمنهم من قال بوجوبها ومنهم من قال بأنها سنة والصحيح أنها واجبة من طريق سنة النبي صلى الله عليه وسلم، فعَنْ ابْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا قَالَ: (فَرَضَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ زَكَاةَ الْفِطْرِ صَاعًا مِنْ تَمْرٍ أَوْ صَاعًا مِنْ شَعِيرٍ عَلَى الْعَبْدِ وَالْحُرِّ وَالذَّكَرِ وَالأنْثَى وَالصَّغِيرِ وَالْكَبِيرِ مِنْ الْمُسْلِمِينَ).

ثالثا: وقت إخراجها الشرعي هو من بعد غروب آخر شمس من رمضان وذلك برؤية هلال شوال أو بغروب شمس اليوم الثلاثين من شهر رمضان إلى ما قبل تأدية صلاة العيد، ومن أخرجها بعد ذلك فهي صدقة من الصدقات كما في الأثر، وأما إخراجها قبل وقتها فيرخص فيه عند الحاجة إليه بيوم أو يومين وهي مدة كافية للوصول إلى المستحق.

وهذه الرخصة في الإخراج أي في التنفيذ بتسليمها المستحق قبل وقتها، أما ما يقصده كثير من الناس اليوم وهو تسليم الزكاة للفرق الخيرية أو اللجان الزكوية فهو توكيل لهم بالإخراج وليس إخراجا، وهو غير داخل في الحكم المتقدم بمعنى أنه يجوز أن يعطيها لهم في الوقت الذي يحددونه ولو من اليوم الأول من رمضان، لأنه توكيل لهم ليخرجوها عنه في وقتها الشرعي.

رابعا: على من تجب زكاة الفطر؟ ولمن تعطى؟

تجب على الصائم الراشد عنه وعن من يجب عليه عوله متى ما قدر على أعبائها من غير تكلف في العيش بعدها أو استدانة.

كما يجوز أن يخرجها عن من لا يجب عليه عوله إذا استأذنه وأراد أن يتطوع عنه كالعمال الذين يعملون معه أو الأقارب والأصدقاء.

خامسا: المقدار المخرج هو صاع من الطعام، من بر أو شعير أو تمر أو زبيب أو ذرة أو أقط، كما نص على ذلك الحديث الذي يفهم منه أنها مما يقتات به أهل الزمان كالأرز معنا، لذا ينبغي أن يكون المخرج من جنس ما يقتات به المخرج وأهل زمانه غالبًا.

سادسا: حكم إخراج زكاة الفطر نقدًا لا يحبه غالب أهل العلم وذلك لأنه لم يؤثر عن النبي -صلى الله عليه وسلم- أنه أخرجها نقدًا، لكن قال به جملة من أهل العلم تخفيفا على المخرج وتوسعة على الفقير.