ريادة الأعمال .. والمشروعات الصغيرة والمتوسطة
الاثنين / 13 / رمضان / 1442 هـ - 23:04 - الاثنين 26 أبريل 2021 23:04
يعرّف الاقتصاديون ريادة الأعمال entrepreneurship بأنها الأسلوب الذي يتم به تحويل الأفكار إلى مشروعات تجارية، أخذا بعين الاعتبار المخاطر التي قد تعترض تحقيق ذلك. أو هي تصميم وإطلاق وإدارة مشروعات تجارية جديدة، أو هي القدرة والرغبة في إنشاء أو تنظيم أو إدارة مشروع تجاري بهدف تحقيق ربح، مع تقدير وتحمل المخاطر التي قد تعترض ذلك.
وقد كان الاقتصادي النمساوي جوزيف شومبيتر JOSEPH SCHUMPETER أول الاقتصاديين الذي كتبوا عن دور رواد الأعمال entrepreneurs في النمو الاقتصادي. ووصف شومبيتر رائد الأعمال بأنه «قبطان الصناعة الذي يسعى بشغف إلى الابتكار».
ويرى شومبيتر أن ريادة الأعمال ليست وظيفة أو مهنة دائمة، كما يرى أن الموظفين والرؤساء التنفيذيين وملاك الشركات ليسوا بالضرورة هم من رواد أعمال.
وأكد شومبيتر أن ريادة الأعمال مرتبطة بالابتكار innovation وأنها عنصر أساسي «لتشغيل آلة النمو الاقتصادي». وحدد خمسة أنواع من الابتكارات تنبثق من ريادة الأعمال، وهي: ابتكار منتجات جديدة، استنباط طرق جديدة للإنتاج، فتح أسواق جديدة، الوصول إلى مصادر جديدة للمواد الخام أو المنتجات الوسيطة، إيجاد منظمات أو شركات جديدة للصناعة، سواء بإيجاد قوة احتكارية للشركة المنتجة أو بكسر قوة احتكارية منافسة لها.
وهكذا فإن رائد الأعمال entrepreneur يتميز عن صاحب الأعمال، كالتاجر والمقاول، وعن صاحب المهنة كالطبيب والمهندس، حيث إن رائد الأعمال مبتكر أو صاحب فكرة ويستطيع تحويلها إلى مشروع تجاري رابح، أي أنه لا يكرر مشروعات قائمة، إلا إذا أدخل عليها فكرة جديدة أو ابتكارا، سواء كان ذلك في صورة منتج جديد أو في مجال مدخلات الإنتاج أو التسويق.
اهتمت السلطنة كغيرها من الدول بريادة الأعمال فشرعت لها القوانين وأنشأت المؤسسات التي تقوم على رعايتها، ومنها «هيئة تنمية المؤسسات الصغيرة والمتوسطة». وقد استحدثت الهيئة نظاما أسمته «ريادة» وذلك لتسهيل حصول المسجلين فيه والذين يحملون «بطاقة ريادة» على بعض الخدمات من الجهات الحكومية المعنية، ومن ذلك على سبيل المثال تسهيل استقدام قوى عاملة من الخارج أو الحصول على معاملة تفضيلية في المشتريات الحكومية. كما أنشأت الحكومة صندوقا تحت مسمى «رفد» لتمويل المشروعات الصغيرة والمتوسطة، عمل إلى جانب البرامج الأخرى الحكومية والخاصة التي بدأت في تمويل مثل تلك المشروعات منذ فترة طويلة، وتم مؤخرا دمج محفظة «رفد» في بنك التنمية العماني.
بلغ عدد المسجلين في الهيئة أكثر من 52 ألف مستثمر، منهم أكثر من 19 ألفا يحملون بطاقة «ريادة»، كما بلغ حجم التمويل الذي حصل عليه هذا القطاع حوالي 100 مليون ريال عماني.
وبغض النظر عن التعريف الأكاديمي أو العلمي لمصطلح «ريادة الأعمال» و«رواد الأعمال»، فإن مما لا شك فيه أن وجود نظام ومؤسسات تُعنى بقطاع الأعمال الصغيرة والمتوسطة أمر مهم لتنمية هذا القطاع وتطويره من أجل الإسهام في التنويع الاقتصادي ولإيجاد مزيد من فرص العمل، لكن هشاشة هذا القطاع تجعله عرضة لعدد من الصعوبات شبيهة بالتي يتعرض لها ما يعرف بالصناعات الوليدة أو الناشئة infant industries، والتي كانت الدول تقوم بحمايتها من المنافسة الخارجية بفرض رسوم جمركية على الواردات المنافسة لها، أو بإجراءات حمائية أخرى، وهو أمر قد يمكن تطبيقه على الأعمال الصغيرة والمتوسطة لكن التوسع في تطبيقه وطول فترة الحماية سيضر بالمستهلكين وبالاقتصاد عامة.
ومع أن التعثر والفشل في قطاع الأعمال الصغيرة والمتوسطة أمر وارد باستمرار، إلا أن الملاحظ تزايد تلك الحالات في الفترة الأخيرة، الأمر الذي نتج عنه عدم قدرة العديد من تلك المشروعات على سداد القروض التي تم تقديمها لها ووقوع بعض العاجزين عن سداد قروضهم تحت طائلة القانون والمحاكمة. ونظرًا لما لتزايد حالات التعثر وعدم القدرة على سداد القروض من آثار سلبية على الاقتصاد وعلى المجتمع، فإني أطرح هنا بعض النقاط أو التساؤلات، وذلك لاستدراج النقاش والبحث والدراسة حولها، سواء على المستوى الأكاديمي أو على المستوى التنفيذي في الجهات المعنية بتنظيم المؤسسات الصغيرة والمتوسطة والجهات المعنية بتمويلها، وذلك بما يؤدي إلى تطوير العمل في هذا الجانب وتجنب تكرار أخطاء ربما تكون قد حدثت، سواء من قبل أصحاب المشروعات والمستثمرين أو من قِبل جهات التنظيم والتمويل.
ومن تلك النقاط: أولا: هل كل الذين يحملون بطاقة «ريادة» والذين حصلوا على قروض لتمويل إنشاء أو تشغيل مشروعات هم من رواد الأعمال، حسب التعريف الاقتصادي الذي ربط بين ريادة الأعمال والابتكار أم أنهم من أصحاب الأعمال والمهن أو من الباحثين عن عمل، الذين وجدوا الفرصة متاحة للحصول على تمويل رخيص cheap money يقدم من خلال عدد من البرامج الحكومية والخاصة فقرروا المخاطرة؟
ثانيًا: هل تم عند الترخيص لتلك المشروعات وتقديم التمويل لها مراعاة التكامل بينها، وعدم دخولها في منافسة ضارة بين بعضها البعض أم أن السوق يتسع للجميع؟
ثالثًا: أرى أن فرص نجاح الأعمال الصغيرة والمتوسطة هي أكثر في الأسواق الكبيرة مما هي في الأسواق الصغيرة، فهل تمت مراعاة حجم السوق في عمان، خاصة من حيث توفر مدخلات إنتاج رخيصة أو من حيث سهولة تسويق المنتجات، أي وجود مؤسسات مغذية لها بالمدخلات وأخرى تستهلك أو تشتري ما تنتجه تلك المشروعات، وذلك عند الترخيص بإنشائها؟
رابعًا: اعتبر عالم الاقتصاد جوزيف شومبيتر في نظريته أن رواد الأعمال هم عنصر مهم في «تشغيل آلة النمو الاقتصادي»، ومن المسلم به أن هناك مؤسسات كثيرة في العالم بدأت صغيرة ومتوسطة ثم كبرت، فهل تجربة «ريادة» في السلطنة أكدت نظرية شومبيتر، وأسهمت في النمو الاقتصادي أم أن أكثر المؤسسات والأعمال المسجلة فيها أصبحت «عالة» على مؤسسات وبرامج التمويل؟
خامسًا: ريادة الأعمال ترتبط من الناحية النظرية بالابتكار، وكنت قد أشرت في مقال سابق نشرته في «جريدة عمان» إلى أن إلحاق الابتكار بوزارة التعليم العالي والبحث العلمي والابتكار، موضوع جديد ويستحق الوقوف معه، فهل أظهرت تلك التجربة حتى الآن نتائج يمكن قياسها في هذا الجانب؟ تلك كانت مجرد تساؤلات، لم يتبلور لدي رأي جازم حولها أو إجابات عنها، وإنما أطرحها هنا لعلنا نسمع أو نقرأ رأيًا مفيدًا أو ردًا ناقدًا أو مغايرًا لها، بما يخدم قطاع الأعمال الصغيرة والمتوسطة ويرتقي بالخدمات المقدمة له.
______________
** باحث في الاقتصاد السياسي وقضايا التنمية
وقد كان الاقتصادي النمساوي جوزيف شومبيتر JOSEPH SCHUMPETER أول الاقتصاديين الذي كتبوا عن دور رواد الأعمال entrepreneurs في النمو الاقتصادي. ووصف شومبيتر رائد الأعمال بأنه «قبطان الصناعة الذي يسعى بشغف إلى الابتكار».
ويرى شومبيتر أن ريادة الأعمال ليست وظيفة أو مهنة دائمة، كما يرى أن الموظفين والرؤساء التنفيذيين وملاك الشركات ليسوا بالضرورة هم من رواد أعمال.
وأكد شومبيتر أن ريادة الأعمال مرتبطة بالابتكار innovation وأنها عنصر أساسي «لتشغيل آلة النمو الاقتصادي». وحدد خمسة أنواع من الابتكارات تنبثق من ريادة الأعمال، وهي: ابتكار منتجات جديدة، استنباط طرق جديدة للإنتاج، فتح أسواق جديدة، الوصول إلى مصادر جديدة للمواد الخام أو المنتجات الوسيطة، إيجاد منظمات أو شركات جديدة للصناعة، سواء بإيجاد قوة احتكارية للشركة المنتجة أو بكسر قوة احتكارية منافسة لها.
وهكذا فإن رائد الأعمال entrepreneur يتميز عن صاحب الأعمال، كالتاجر والمقاول، وعن صاحب المهنة كالطبيب والمهندس، حيث إن رائد الأعمال مبتكر أو صاحب فكرة ويستطيع تحويلها إلى مشروع تجاري رابح، أي أنه لا يكرر مشروعات قائمة، إلا إذا أدخل عليها فكرة جديدة أو ابتكارا، سواء كان ذلك في صورة منتج جديد أو في مجال مدخلات الإنتاج أو التسويق.
اهتمت السلطنة كغيرها من الدول بريادة الأعمال فشرعت لها القوانين وأنشأت المؤسسات التي تقوم على رعايتها، ومنها «هيئة تنمية المؤسسات الصغيرة والمتوسطة». وقد استحدثت الهيئة نظاما أسمته «ريادة» وذلك لتسهيل حصول المسجلين فيه والذين يحملون «بطاقة ريادة» على بعض الخدمات من الجهات الحكومية المعنية، ومن ذلك على سبيل المثال تسهيل استقدام قوى عاملة من الخارج أو الحصول على معاملة تفضيلية في المشتريات الحكومية. كما أنشأت الحكومة صندوقا تحت مسمى «رفد» لتمويل المشروعات الصغيرة والمتوسطة، عمل إلى جانب البرامج الأخرى الحكومية والخاصة التي بدأت في تمويل مثل تلك المشروعات منذ فترة طويلة، وتم مؤخرا دمج محفظة «رفد» في بنك التنمية العماني.
بلغ عدد المسجلين في الهيئة أكثر من 52 ألف مستثمر، منهم أكثر من 19 ألفا يحملون بطاقة «ريادة»، كما بلغ حجم التمويل الذي حصل عليه هذا القطاع حوالي 100 مليون ريال عماني.
وبغض النظر عن التعريف الأكاديمي أو العلمي لمصطلح «ريادة الأعمال» و«رواد الأعمال»، فإن مما لا شك فيه أن وجود نظام ومؤسسات تُعنى بقطاع الأعمال الصغيرة والمتوسطة أمر مهم لتنمية هذا القطاع وتطويره من أجل الإسهام في التنويع الاقتصادي ولإيجاد مزيد من فرص العمل، لكن هشاشة هذا القطاع تجعله عرضة لعدد من الصعوبات شبيهة بالتي يتعرض لها ما يعرف بالصناعات الوليدة أو الناشئة infant industries، والتي كانت الدول تقوم بحمايتها من المنافسة الخارجية بفرض رسوم جمركية على الواردات المنافسة لها، أو بإجراءات حمائية أخرى، وهو أمر قد يمكن تطبيقه على الأعمال الصغيرة والمتوسطة لكن التوسع في تطبيقه وطول فترة الحماية سيضر بالمستهلكين وبالاقتصاد عامة.
ومع أن التعثر والفشل في قطاع الأعمال الصغيرة والمتوسطة أمر وارد باستمرار، إلا أن الملاحظ تزايد تلك الحالات في الفترة الأخيرة، الأمر الذي نتج عنه عدم قدرة العديد من تلك المشروعات على سداد القروض التي تم تقديمها لها ووقوع بعض العاجزين عن سداد قروضهم تحت طائلة القانون والمحاكمة. ونظرًا لما لتزايد حالات التعثر وعدم القدرة على سداد القروض من آثار سلبية على الاقتصاد وعلى المجتمع، فإني أطرح هنا بعض النقاط أو التساؤلات، وذلك لاستدراج النقاش والبحث والدراسة حولها، سواء على المستوى الأكاديمي أو على المستوى التنفيذي في الجهات المعنية بتنظيم المؤسسات الصغيرة والمتوسطة والجهات المعنية بتمويلها، وذلك بما يؤدي إلى تطوير العمل في هذا الجانب وتجنب تكرار أخطاء ربما تكون قد حدثت، سواء من قبل أصحاب المشروعات والمستثمرين أو من قِبل جهات التنظيم والتمويل.
ومن تلك النقاط: أولا: هل كل الذين يحملون بطاقة «ريادة» والذين حصلوا على قروض لتمويل إنشاء أو تشغيل مشروعات هم من رواد الأعمال، حسب التعريف الاقتصادي الذي ربط بين ريادة الأعمال والابتكار أم أنهم من أصحاب الأعمال والمهن أو من الباحثين عن عمل، الذين وجدوا الفرصة متاحة للحصول على تمويل رخيص cheap money يقدم من خلال عدد من البرامج الحكومية والخاصة فقرروا المخاطرة؟
ثانيًا: هل تم عند الترخيص لتلك المشروعات وتقديم التمويل لها مراعاة التكامل بينها، وعدم دخولها في منافسة ضارة بين بعضها البعض أم أن السوق يتسع للجميع؟
ثالثًا: أرى أن فرص نجاح الأعمال الصغيرة والمتوسطة هي أكثر في الأسواق الكبيرة مما هي في الأسواق الصغيرة، فهل تمت مراعاة حجم السوق في عمان، خاصة من حيث توفر مدخلات إنتاج رخيصة أو من حيث سهولة تسويق المنتجات، أي وجود مؤسسات مغذية لها بالمدخلات وأخرى تستهلك أو تشتري ما تنتجه تلك المشروعات، وذلك عند الترخيص بإنشائها؟
رابعًا: اعتبر عالم الاقتصاد جوزيف شومبيتر في نظريته أن رواد الأعمال هم عنصر مهم في «تشغيل آلة النمو الاقتصادي»، ومن المسلم به أن هناك مؤسسات كثيرة في العالم بدأت صغيرة ومتوسطة ثم كبرت، فهل تجربة «ريادة» في السلطنة أكدت نظرية شومبيتر، وأسهمت في النمو الاقتصادي أم أن أكثر المؤسسات والأعمال المسجلة فيها أصبحت «عالة» على مؤسسات وبرامج التمويل؟
خامسًا: ريادة الأعمال ترتبط من الناحية النظرية بالابتكار، وكنت قد أشرت في مقال سابق نشرته في «جريدة عمان» إلى أن إلحاق الابتكار بوزارة التعليم العالي والبحث العلمي والابتكار، موضوع جديد ويستحق الوقوف معه، فهل أظهرت تلك التجربة حتى الآن نتائج يمكن قياسها في هذا الجانب؟ تلك كانت مجرد تساؤلات، لم يتبلور لدي رأي جازم حولها أو إجابات عنها، وإنما أطرحها هنا لعلنا نسمع أو نقرأ رأيًا مفيدًا أو ردًا ناقدًا أو مغايرًا لها، بما يخدم قطاع الأعمال الصغيرة والمتوسطة ويرتقي بالخدمات المقدمة له.
______________
** باحث في الاقتصاد السياسي وقضايا التنمية