89 (3)
89 (3)
روضة الصائم

النفس المطمئنة «٢-٢»

22 أبريل 2021
22 أبريل 2021

عماد بن سعيد الرواحي -

تطوفنا في الجزء الأول من مقال النفس المطمئنة حول بيان معنى النفس المطمئنة وأضدادها من الأنفس مع بيان صفات صاحب النفس المطمئنة لأجل أن يتصف بها كل من تملّك لبّه نداءُ الله عز وجل: (يَا أَيَّتُهَا النَّفْسُ الْمُطْمَئِنَّةُ ارْجِعِي إِلَى رَبِّكِ رَاضِيَةً مَرْضِيَّةً فَادْخُلِي فِي عِبَادِي وَادْخُلِي جَنَّتِي).

واليوم نتدارس معا صفات الاضطراب ومرض التذبذب الذي يغتال النفس فيسلبها الطمأنينة ويورثها خصلة من النفاق أو يهوي بها في وحل النفاق إن تعاظم وتراكم عليها ولم يسارع صاحبها للتزكية والتوبة، وهذا من باب بيان الشيء بضده فبعدما اتضحت معالم النفس المطمئنة وصفات المتحقق بها فإنه يجدر بنا أن نتذاكر صفات أصحاب الأنفس الدنية لنتفاداها، ولكن بما أن بغيتنا الإيجاز ولأن صفات الأنفس غير المطمئنة هي نقيض كل صفة من صفات النفس المطمئنة المذكورة فإنني أتجاوز ذكرها هنا لأذكر صفات خفية هي أسبابٌ موصلة إلى صفات الأنفس الدنيئة قل من ينتبه لها:

1- المراقبة: وأعني بها صفة الالتفات بحرص على ما عند الناس من نعم، فيجد صاحب هذه الخصلة الذميمة نفسه مراقبة لما يزيد عند الآخرين وما ينقص منهم بحرص وتدقيق، ولا يلزم أن يكون صاحب هذه الخصلة حاسدا أو حاقدا ولكنه فضول وخسة وجهل قد تودي به بعد حين إلى تلك الكبائر المحققة؛ لذا قلت إنها أسباب خفية، ولم أبالغ في وصفي له بالجهل والخسة لأن صاحبها يجهل عواقب هذا الفضول منه وأن مداومة مده عينه إلى ما متع الله به غيره تورثه التعب النفسي ومرض الروح والجسد.

ينهى الله نبيه- صلى عليه وسلم- من أن يمد عينيه إلى ما عند المناوئين له الكافرين بدعوته فكيف بأخيك المؤمن: ( لَا تَمُدَّنَّ عَيْنَيْكَ إِلَى مَا مَتَّعْنَا بِهِ أَزْوَاجًا مِّنْهُمْ وَلَا تَحْزَنْ عَلَيْهِمْ وَاخْفِضْ جَنَاحَكَ لِلْمُؤْمِنِينَ).

2- تأنيب الضمير والقسوة على النفس: وأقصد بهذا المبالغة في التأنيب والإفراط في جلد الذات، فإنه لا يستقيم معنى الطمأنينة معه، وقد يكون التأنيب والندم مطلوبا في مرحلة الانتقال من الذنب إلى الطاعة (عند الإقلاع) وفي مجابهة تزيين الباطل (مراحل النفس اللوامة) ولكن لا يصلح أن يكون مقاما بل هو دواء مر يصير إليه عند الحاجة ولا يقيم عليه؛ لأنه يفضي إلى القنوط واليأس من روح الله تعالى من وجهة نظري.

3- التعامل السلبي مع الموت: عدم التعامل مع حقيقة الموت كما أراد لنا القرآن ونهج النبي- صلى الله عليه وسلم- أيضا يوصل إلى القنوط أو المرض النفسي أو سوء الخلق أو الضعف والوسوسة وكلها لا تستقيم مع الطمأنينة. وهذه تحتاج إلى مقال خاص بها.

4- مخالفة المعتقدات والمبادئ: لا يمكن أن يستقر الإنسان أو يطمئن وهو مخالف في يومه وليله ما يعتقد صوابه وأنه قيمة عليا أو معتقد راسخ لا يشك في صدقه. هذه قاعدة تصدق على كل معتقد ولو كان خطأً؛ لأن سلوك الإنسان إفراز معتقده وقيمه العليا في ذاته، فمهما خالف سلوكه معتقدَه حصل التضارب فنتج من التضارب الاضطراب وعدمت الطمأنينة. فكيف بمن يخالف معتقده الشرعي الحق بعد ما آمن به وصدقه؟! فإنه يصطدم مع ذاته -لما تقدم- ويصطدم مع الفطرة والكون بعدما انسجم معه وشاهد برهانه. لذا ضرب الله مثلا للمنافقين التذبذب والاضطراب للسبب المتقدم: (مثلهم كمثل الذي استوقد نارا فلما أضاءت ما حوله ذهب الله بنورهم وتركهم في ظلمات لا يبصرون صم بكم عمي فهم لا يرجعون) وتدخل في هذا كافة الكبائر التي تصدر من المسلم من حيث حصول الاضطراب وانتفاء الطمأنينة وهو النفاق العملي.

5- مجالسة السلبيين: وهذه لا تحتاج لتفصيل ولكن قل من ينتبه لها!. لا يصدر منهم إلا ما يزعزع الطمأنينة (فأعرض عن من تولى عن ذكرنا ولم يرد إلا الحياة الدنيا).

6- الخوف من المستقبل أو التحسر على الماضي والحزن الشديد في المصائب، كل ذلك لأنه مناف للتوكل، والتوكل هو السبب الأول لحصول الطمأنينة بعد الإيمان بالله عز وجل، وهو علامة التصديق بالله والإيقان بجلاله وجماله وكبريائه.

« الَّذِينَ إِذَا أَصَابَتْهُمْ مُصِيبَةٌ قَالُوا إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ * أُولَئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَوَاتٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَرَحْمَةٌ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُهْتَدُونَ» المتوكل متزن في إظهار مشاعره السلبية والإيجابية وقد تقدم شرحها.