37
37
روضة الصائم

فتاوى يجيب عنها فضيلة مساعد المفتي العام للسلطنة

21 أبريل 2021
21 أبريل 2021

الدكتور كهلان بن نبهان الخروصي -

  • موضوع التوكل على الله وقول أحدنا توكلت على الله وعليك أو لولا الله وفلان فهل يصح هذا؟

    فإن في مثل هذه الألفاظ لا بد أن يتأدب المتكلم، لأن معاني هذه الألفاظ قد تمس ما يتصل بعقيدته وإيمانه بالله تبارك وتعالى. هناك ألفاظ من الواسع أن يأتي بها المسلم وهناك ألفاظ وجمل ينبغي له أن يجتنبها.

    بيان هذا أن رسول الله صلى الله عليه وسلم جاءه رجل فقال: ما شاء الله عز وجل وشئت، فأنكر عليه ذلك وقال: (أجعلتني لله ندا) وفي رواية (أجعلتني لله عدلا؟! قل ما شاء الله وحده) وهناك روايات تدور حول هذا المعنى تلقّاها علماء الإسلام بالقبول، بعض هذه الآثار لا تقوم به حجة ولكن البعض الآخر كروايات عند النسائي وعند بعض أصحاب السنن والمسانيد مقبولة يحتج بها، وقد تلقاها أئمة الإسلام بالقبول، في بعضها أن الإمام البخاري على سبيل المثال لم يذكر هذه الرواية وإنما ذكر في رواية الثلاثة الأقرع والأعمى الأبرص ورد فيها على لسان الملك أنه قال (بالله ثم بك) بالله عز وجل ثم بك، وعنون بالباب بكراهة قول ما شاء الله وشئت، صنع ذلك الإمام البخاري، وذهب بعض أهل العلم إلى تحريم العطف بحرف العطف الواو في مثل هذه الألفاظ، في مثل هذه الجمل في المشيئة لأنها وردت به.

    وفي قول الرجل: توكلت على الله وعليك أيضا ذهبوا إلى التحريم، ومنهم من ذهب إلى الكراهة الشديدة ومنهم من عدّ ذلك من الشرك اللفظي أي الشرك بالألفاظ.

    الآن لنحرر المسألة أكثر فنحن نجد في كتاب الله عز وجل آيات قرآنية جاء فيها العطف بحرف العطف بالواو في مواضع مختلفة، فالله سبحانه وتعالى يقول (أَنِ اشْكُرْ لِي وَلِوَالِدَيْكَ إِلَيَّ الْمَصِيرُ) ويقول (وَمَا نَقَمُوا إِلا أَنْ أَغْنَاهُمُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ مِنْ فَضْلِهِ) في هاتين الآيتين نجد العطف بين لفظ الجلالة وبين نبيه ورسوله الخاتم محمد صلى الله عليه وسلم والعاطف هو حرف الواو، ومثل هذا يقال في قوله تبارك وتعالى (وَإِذْ تَقُولُ لِلَّذِي أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِ وَأَنْعَمْتَ عَلَيْهِ أَمْسِكْ عَلَيْكَ زَوْجَكَ) فلم يأت بحرف العطف ثم وإنما جاء بالواو عند من يرى في هذه الآيات القرآنية تشريعًا لغويًا فإنه يتسامح في أمثال هذه الألفاظ، ولكن اعترض المانعون بأن ذلك منسوخ نسخته السنة بالأحاديث المتقدمة، وفعل ذك الطحاوي فقال بالنسخ، لكن رد عليه بأنه لا دليل على النسخ.

    وبعض الروايات يبعد أن تُقبل من نحو روايات أن يهوديًا أتى إلى رسول صلى الله عليه وسلم وذكر له: أنكم تشركون، تحلفون بالكعبة وتقولون ما شاء الله وشئت، فنهى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم عن ذلك، لكن هذا يصعب قبوله، ولذلك قلت بأن بعض الآثار لا تقوم بها حجة وإنما العبرة بالآثار الصحيحة المقبولة، وإنما يمكن أن يعترض على ما ورد في هذه الآيات الكريمة من دلالة العطف بالواو دون ثم أنها من قول الله عز وجل فهو لا يحكيها على لسان أحد من البشر لا من أنبيائه ورسله ولا من المخاطبين المكلفين، وإنما هي من قوله (أَنِ اشْكُرْ لِي وَلِوَالِدَيْكَ) فهو أمر منه تبارك وتعالى، وأيضا يمهد في قوله في قصة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم مع زيد في شأن امرأته (وَإِذْ تَقُولُ لِلَّذِي أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِ وَأَنْعَمْتَ عَلَيْهِ) فليس هناك قول مقول، وكذا الحال في معاتبته للمنافقين (وَمَا نَقَمُوا إِلا أَنْ أَغْنَاهُمُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ مِنْ فَضْلِهِ) لكننا نجد أن بعض الآيات فيها حكاية قول فالله تبارك وتعالى يقول: (وَلَوْ أَنَّهُمْ رَضُوا مَا آتَاهُمُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَقَالُوا حَسْبُنَا اللَّهُ سَيُؤْتِينَا اللَّهُ مِن فَضْلِهِ وَرَسُولُهُ إِنَّا إِلَى اللَّهِ رَاغِبُونَ) هنا صدر الآية يقول (وَلَوْ أَنَّهُمْ رَضُوا مَا آتَاهُمُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ) ثم قال (وَقَالُوا حَسْبُنَا اللَّهُ سَيُؤْتِينَا اللَّهُ مِن فَضْلِهِ وَرَسُولُهُ) فهي حكاية قول إرشادًا لهم لما كان ينبغي لهم أن يقولوه، فهذه الآية الكريمة مع ما تقدم من آيات إذا أردنا أن نجمع بينها وبين الروايات الناهية فإن خير ما يقال أن الكراهة هنا كراهة تأدب وينبغي في مثل هذه الألفاظ أن يكون العطف بحرف العطف (ثم) ويزداد الأمر تأكيدا، وقد يصل إلى الحرمة كما قال عدد من أهل العلم في الأفعال التي يستأثر بها رب العزة والجلال، ففيما يتعلق بأفعاله الخاصة به سبحانه وتعالى كالمشيئة والإرادة والتقدير فإن هذه من أفعال الربوبية الخاصة التي استأثر بها رب العزة والجلال ولا يتصور فيها مشاركة أحد من خلقه فيها، فالله تعالى يقول: (وَمَا تَشَاءُونَ إِلَّا أَن يَشَاءَ اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ) فهذه يزداد النهي فيها تأكيدًا وكذلك الحال في السياق الذي يدل على التسوية إذا كان المتكلم مستحضرا في حال من الأحوال التسوية بين الخالق سبحانه وتعالى وأحد من خلقه فهذا النهي فيه متأكد بشدة، أما إذا لم يكن الفعل من الأفعال الخاصة بالخالق سبحانه وتعالى، أي ليس من أفعال الربوبية الخاصة به سبحانه ولم يقصد المتحدث التسوية ففي هذه الحال يقال إن غاية ما في الأمر هو التأدب في الألفاظ والحذر من الوقوع فيما هو منهي عنه، لكن لا يصل الأمر إلى الكراهة فضلًا عن الحرمة من نحو الشكر ومن نحو في هذه الآية (وَإِذْ تَقُولُ لِلَّذِي أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِ وَأَنْعَمْتَ عَلَيْهِ أَمْسِكْ عَلَيْكَ زَوْجَكَ) وفي قوله (وَلَوْ أَنَّهُمْ رَضُوا مَا آَتَاهُمُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَقَالُوا حَسْبُنَا اللَّهُ سَيُؤْتِينَا اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ) - ليس الاشتراك هنا في الفضل فالفضل من الله عز وجل وإنما (سَيُؤْتِينَا) في الإيتاء (سَيُؤْتِينَا اللَّهُ مِن فَضْلِهِ وَرَسُولُهُ إِنَّا إِلَى اللَّهِ رَاغِبُونَ) فهذه فيها سعة وبهذا يجمع بين شتات الأدلة. والله تعالى أعلم.