23
23
روضة الصائم

رمضان في ظـل الجائحة

21 أبريل 2021
21 أبريل 2021

د. أحمد الكعبي -

(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِن قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ) سورة البقرة: 183.

ها نحن نعيش في ظلال الشهرِ الفضيلِ، ولقد عِشْنَا آنفا في ظلالِ رمضانَ الذي مضى، وها نحن بين طرفة عينٍ وانتباهتِها يحلُّ علينا رمضانُ الذي نتعايش مع بركاته، ونلتمس فيض نفحاته، فما أشبه الليلةَ بالبارحة، فكما تمرُّ الأعوام سراعا، وتنتهي الأوقات تباعا فإن أعمارنا كذلك ما بين طرفة عين وانتباهتها نجد أنفسنا قد انتهت الآجال، وانقضت الأعمار، فالكيِّسُ من استثمر ذلك الشهرَ الفضيل ليبدأَ مع ربه سبحانه وتعالى صفحة بيضاءَ نقيةً مليئةً بالطاعات مشحونةً بالقُرُبَات (وَفِي ذَٰلِكَ فَلْيَتَنَافَسِ الْمُتَنَافِسُونَ).

لقد جاء رمضان والعالم كان ولا يزال يكافح هذا الوباء، ويعاني من ذلك الداء، إنه البلاء الذي أقضَّ مضاجعَ بني البشر وكدر صفوهم، وعبث بأمنهم واستقرارهم، وبدَّلَ أمنهم خوفا، فكان دعوةً ليرجع الناس إلى ربهم، ويلوذوا بحماه، ويتطلعوا إلى عفوه ورضاه (وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا إِلَىٰ أُمَمٍ مِّن قَبْلِكَ فَأَخَذْنَاهُم بِالْبَأْسَاءِ وَالضَّرَّاءِ لَعَلَّهُمْ يَتَضَرَّعُونَ) سورة الأنعام: 42.

والناس إذا ما ذكروا رمضان في مجتمعاتنا الإسلامية فإنما يذكرون عبادة الصيام، ويعايشون في المساجد شعيرة القيام، ويشاهدون موائد إطعام الطعام، وغير ذلك من التجمعات الرمضانية واللقاءات العائلية إلا أننا مع هذا الوباء الذي أكدَ الأطباءُ والمعنيون على أنه ينتقلُ عبرَ التقارب والمخالطة، وينتشر بالتصافح والمعانقة، وهذا يوجبُ علينا أن نتدارس الإجراءاتِ والتدابيرَ التي وضعها الإسلام كفكفةً لمثل هذه الأمراض والأوبئة انطلاقا من الحديث الشريف الذي أصبح قاعدةً فقهيةً عامةً وركنا من أركان الشريعة الغراء حيث يقول فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم (لا ضَرَرَ ولا ضِرَارَ) وهو من جوامع الكلم حيث يؤكد أنه لا يجوز للإنسان أن يكون مصدر ضرر وإيذاء لنفسه ولا لغيره.

من هنا على المؤمن أن يبتعد عن كل إجراء من شأنه أن يكون مُحْتَمِلًا لانتشار المرض والوباء، فعليه أن يؤدي فريضة الصلاة في الجوامع والمساجد متبعًا الإجراءات الاحترازية ومتخذًا السبل الوقائية التي من شأنها أن تكون وقايةً له وللآخرين من انتشار الآفات، ثم يرجع إلى بيته ليؤدي شعيرة القيام مع أهله وأولاده معمِّرا بيته بالطاعات، مُعَلمًِّا لأهله أحكام العبادات، يقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: (لا تجعلوا بيوتَكم قبورًا ولا تجعلوا قبرِي عيدًا وصلُّوا عليَّ فإن صلاتَكم تبلغُني حيثُما كنتم).

يمكن لأهل البر والسخاء الذين يتطلعون إلى إفطار الصائمين، وإعانةِ المساكين أن يقوموا بتجهيز وجباتِ طعامٍ يمنحونَها لأولئك الفقراءِ والمحتاجينَ، وغيرِهم من بسطاء العاملينَ وأبناء السبيل ليأخذوها فيناولوها بين أهلهم وذويهم بعيدين عن التجمعات التي بسببها تنتقل الأمراض والآفات.

على المسلم في رمضان أن يجعل من محنةِ الوباءِ منحةً ربانيةً يناجي من خلالها مولاه في ساعات فيضِ ونقاء، ويهرعُ إلى ساحةِ الله في أوقات تجلٍ وعطاء عسى أن يصلَ بإيمانه إلى ذلك الرقي الإيمانيِّ والمددِ الإلهيِّ (ورَجُلٌ ذَكَرَ اللَّهَ خَالِيًا، فَفَاضَتْ عَيْنَاهُ).

فما أحوج الأمة وهي تستقبل ذلك الشهرَ الفضيلَ إلى فقهٍ عمليٍّ صحيٍّ، وفَهْمٍ إيمانيٍّ تتمكنُ من خلاله من محاصرةِ ذلك الوباءِ حتى ينعمَ الناسُ جميعا في ظلِّ وطنٍ يتمتع أهلهُ بالصحة والعافية، والأرزاق الموفورة الكافية، فيرددون بلسان الحال والمقال ذلك البيانَ الربانيَّ، والنصَّ القرآنيَّ (... كُلُوا مِن رِّزْقِ رَبِّكُمْ وَاشْكُرُوا لَهُ ۚ بَلْدَةٌ طَيِّبَةٌ وَرَبٌّ غَفُورٌ) سورة سبأ: 15