محمد الرحبي
محمد الرحبي
أعمدة

فكّروا .. ولو داخل الصندوق

18 أبريل 2021
18 أبريل 2021

محمد بن سيف الرحبي

تشيع مقولة صار يصحّ وصفها «بالخالدة» على ألسن محاضري «التنمية البشرية»، سواء أكانوا من منظّريها الحقيقيين أو تجّارها (....)، وقد تشابهت علينا أصواتهم، وكلّهم يدعوننا للتفكير خارج الصندوق، وعلينا أن نؤمن بقدراتنا لتمطرنا السماء ذهبا وفضّة، فلا الذهب اقترب كما حلمنا، إذ انفضّت من بين أيدينا أحلامنا، وعرفها الذين يؤمنون بقدرة المحسوبية على إحداث الفرق!

ما ذنب البعض إن كان لا يعرف حدود صندوقه ليفكر خارجه، ولم يحاول التفكير حتى داخله، أو أنه لا يملك صندوقًا لدرجة أنه لا يعرف أين يفكّر، فصواميل «مخّه» تساقطت على وقع الكساد وأسعار النفط وكآبات التداعيات على وقع عاصفة كورونا، وهي تعصف بالأشجار الصغيرة فتكسّر أغصانها، أما الكبيرة فإنها كلما سقطت ورقة منها نبت مكانها غصنا؟!.

ومنذ أمد بعيد، مؤكدا أنه قبل أن أكمل نصف قرن على هذه المعمورة، أوقفت التساؤل عن هذه الميزة، كما شرحها لي المنظّرون والتجّار على قوائم المطالبين بمعرفتنا لقدراتنا والضوء داخلنا وغير ذلك من الجمل المعلّبة، الصالحة لكل زمان ومكان، ونسيت أمر الصندوق تماما، مبتعدا عن التفكير، لا داخله ولا خارجه، ففي عمقي يقيم رجل جبان لا يقوى على مواجهة الأسئلة «من أين لك هذا؟!» وأظن أن بين القراء من يضحك، حيث إن هذا السؤال يعدّ أبرز الغائبين في حياتنا، ولا يسألك إياه إلا جيرانك أو أصحابك، الذين ينصدمون من حسابك القادر على شراء سيارة جديدة أو تغيير مكيفات البيت، وقد أصابها من اجتهادات «الآسيويين» ما أصابها وهم يدّعون «الإصلاح» فابتغيت وقف المدفوع للصيانة شهريا، وكأنك لا تؤمن بقدراتك، ولم تجرّب إصلاحها ولو بمساعدة «العم جوجل»، مقيما في صندوقك العتيد، وهو الاتصال بمن تعرف أنه (يخرفك) في كل مرة، ليتأكد ما أصاب هذا الاختراع العجيب من وهن، وقد أوهنك بيتك بالحرارة العالية والرطوبة الأعلى.

مرة أجالس أحد المسؤولين الذي أصبح خارج كرسيّه الوظيفي، وتأملنا مقولة هذا الصندوق، وكيف يمكن إطلاق أفكار إبداعية في الحياة حولنا، لإبعاد التكرار عنها، فحتى «المولات» تتشابه، والمقاهي تتناسخ تحت راية «الكرك»، وصولًا إلى باعة المشاكيك، وكأن بضاعة الجميع تمّ اقتناؤها من الصندوق نفسه.

الرجل يشير إلى قوة ضاغطة من الأعلى، ومن الأسفل.. أي قاعدة الهرم المكوّنة من شرائح المجتمع، فيؤثر الأكثرية السلامة، والمضي في المطلوب قدر المستطاع، «بدل صدعة الرأس»، فلا من هم أعلاك «راضون» عمّا أحدثته في هذا الصندوق العجيب، وقد خرجت من أفكاره المعلبة، ولا الناس تقتنع، ففيهم التقليدي والحداثي، متفاوت كبير في درجة الوعي وتقبّل الجديد.. أو انتظار زلّتك، لإقناعك بالقناعة.. في التفكير!.

نحتاج إلى منح مساحة أكبر لحاملي الصناديق الجديدة، عبر الإعلان عن فرص أمام المبادرات الشبابية لتقديم أفكارها بما يعزز شبابية مدننا، ويجعلها معبّرة عن الحياة أكثر، فيشعرون بأنهم منتمون إلى هذه الأرض بمشاركتهم في صنع الجمال، وتسهيل أمور الحياة، كونهم أبناء الحاضر والمستقبل، والأعرف باحتياجات دروب اليوم والغد، أكثر من الذين عاشوا نصف قرن أو أكثر، ويتمسكون بصناديقهم القديمة، حتى وإن لم ينظروا إلى ما بداخلها يوما!.