23 (2)
23 (2)
الملف السياسي

ما هي حقيقة هزيمة تنظيم داعش.. وأين يوجد.. وكيف يعاود الظهور..؟

15 أبريل 2021
15 أبريل 2021

دمشق - عمان - بسام جميدة -

ذاكرة السوريين حبلى بالمآسي خلال العقد الأخير من حياتهم التي تراكم فيها الشقاء بكل أشكاله، ولعل الذكريات الأكثر قسوة يحملها أهالي المدن والقرى التي مر بها «الدواعش»، وحتى أهالي المدن التي لم يمروا فيها لأنهم سمعوا وشاهدوا عبر وسائل الإعلام ما حصل لغيرهم، والبعض منهم ربما فقد ابنا أو قريبا له هناك لأنه كان يؤدي الخدمة العسكرية.

مؤلمة تلك الحكايا وأنت تستمع لتفاصيل الرعب فيها وكأنك تشاهد أحد أفلام «هيتشكوك أو من هوليود» قتل وذبح وتنكيل، واغتصاب، وفرض شرائع لا تمت للدين بصلة وبطرق شتى، ومجازر كثيرة في أرياف دير الزور والحسكة والرقة، وحلب وتدمر وغيرها من المدن، وتجنيد الأطفال وسبي النساء.

بشير العاني الذي قتلوا ابنه أمامه قبل أن يقتلوه لأنه شاعر، و«حارس تدمر» كما يلقب، مدير الآثار في تدمر خالد الأسعد «82عاما» نحروه بسبب عمله، عمليات خطف كثيرة، ومجازر ذهب فيها الآف الأبرياء بتهم باطلة، أفلام بثت، ومقاطع سُربت لعمليات إعدام جماعية وفردية.

قصص لا تنتهي سمعتها من أشخاص خرجوا من قبضة داعش عندما كانت مسيطرة على تلك المدن، كلها تستحق أن تروى وتوثق، ولا يتسع المكان لذكرها هنا.

ظهور داعش

لن أتحدت بالتفصيل عن تاريخ داعش وظهوره على مسرح الأحداث منذ عام 2004 في العراق، بل سأتناول باقتضاب فترة ظهوره في سوريا وذلك منذ 8 أبريل 2013، تحت اسم «الدولة الإسلامية في العراق والشام»، وأُطلق عليه اسم «داعش» اختصارًا، وسبق ذلك ومنذ بداية الأزمة الإعلان عن تابعية جبهة النصرة بقيادة الجولاني إلى تنظيم داعش في العراق وأعلنت تسميتها للمدن السورية قبل السيطرة عليها إلى، ولاية الرقة وولاية الخير (أجزاء من ريف الميادين) و ولاية حلب وولاية دمشق (حي الحجر الأسود، 35% من مخيم اليرموك) وولاية حمص وولاية حماة وولاية البادية وولاية الفرات (البوكمال)، لكنه سيطر فعليا على بعض المناطق في محافظات الرقة ودير الزور وحمص وحماة والحسكة وحلب، ومن حينها بدأت الحكايا، واستمرت تفاصيلها التالية إلى حين الإعلان عن اندحاره في غالبية المناطق السورية، وعودته مجددا عبر الخلايا المتواجدة في الصحراء ما بين تدمر ودير الزور، وعبر الفارين من المخيمات مثل مخيم الهول.

«عُمان» التقت الدكتور بكري عاروب الباحث السياسي المتخصص في الشؤون الإسلامية والتركية ليحدثنا عن حقيقة القضاء على تنظيم داعش بقوله: «في إطار المتابعة العلمية الواقعية لتنظيم (داعش) تم اعتبار معركة الباغوز ضربة نهائية ونوعية في التقييمات الإعلامية والسياسية وتم اعتبار أن احتجاز عدد كبير من المقاتلين المنتسبين للتنظيم قد أنهي بشكل واسع وشبه ساحق الحيز الجغرافي للتنظيم وبالتالي الوجود الرسمي لدولة التنظيم.

في ذلك الوقت بالتحديد صدر بيان عن التنظيم لم يفطن إليه الكثيرون ولم يعط ذلك الاهتمام الكافي علميا وإعلاميا والذي تضمن تهديدا من التنظيم بالظهور مجددا في الصين، البعض حاول إلصاق التهديد بعناصر من الأقلية الإيغورية المعارضة في تركستان الشرقية داخل الصين فيما يعرف إقليم شينغبيانج ولكن واقع داعش يؤكد أن أي بيان يخص داعش ولا يخص أفراد محددين في التنظيم وأن الممثل الجهادي للتركستان في الصين هو الحزب الإسلامي التركستاني الذي أسسه حسن مخدوم».

خلايا نائمة

عقب الإعلان عن هزيمة تنظيم «داعش» في شهر مارس من العام 2019، ظهر التنظيم من خلال الهجمات التي شنها على قوات الحكومية وقوات سوريا الديمقراطية كلٌ في مناطق نفوذه، وتصدت له القوات الحكومية بالتعاون مع القوات الروسية في البادية السورية مما يدلل على زيف ادعاءات قيادة التحالف الدولي التي زعمت دحر التنظيم ومحاربته ويؤكد العاروب ذلك بقوله: «الإعلام الأمريكي والعالمي نَسب محاربة الإرهاب الداعشي للجانب الأمريكي وحلفاؤه في قسد متناسيا دور الجيش السوري وحلفائه والحشد الشعبي والجيش العراقي في العراق في التصدي للتنظيم مرارا وتكرارا، وهنا أقول من خلال تقييم الواقع العملي بعد «الباغوز» نجد أن الحيز الجغرافي انتقل من حال التواصل المباشر للبقعة الجغرافية

إلى حال الجزر الجغرافية وانتقل التنظيم إلى حال أخرى من ترتيب العمليات ونوعيتها والاعتماد على الخلايا النائمة والعمليات النوعية الإعلامية التي أفرزتها آلية التعامل مع التنظيم بعد «الباغوز» والسجناء واستيعاب المركب العشائري في منطقة دير الزور السورية والأنبار العراقية لكثير من كوادر التنظيم التي تم استيعابها عشائريا وعائليا داخل قسد في التكوينات القتالية العشائرية، وكذلك في تنظيم حراس الدين الذي لعب ويلعب دورا أساسيا في استيعاب كوادر داعش عبر العالم وخصوصا في سوريا والعراق ويحاول أن يكون في حال استمراره النواة الصلبة لكوادر التنظيم ليتم استعادة الدور المأمول لتنظيم الدولة لاحقا بعد إعادة الهيكلة مرة أخرى، وخصوصا أن تنظيم حراس الدين يؤمن بقتال العدو القريب والبعيد كما يؤمن به تنظيم الحزب الإسلامي التركستاني الذي تحول بعد استقطابه لعدد من السوريين في تنظيم الأنصار وعدد من الألبان والمالديف وغيرهم إلى حالة عالمية لتنفيذ عمليات نوعية تثبت قوة التنظيم وثباته وامتداده مستغلا تواجده في العراق وسوريا والمنطقة عموما إضافة إلى تواجده في أفريقيا من سيناء إلى نيجيريا، والاستفادة من واقع السجون السياسية بشكل عام وسجون قسد والعراق المختصة بداعش ومخيم

الهول وغيرها من مواقع احتجاز أعضاء التنظيم والأسر الداعشية لإعادة إطلاق دفعة نوعية أشد تطرفا من الكوادر المتشددة واستغلال تخلي بعض الدول عن المحاسبة القانونية والاستيعاب الاجتماعي، وابتعاد الأجهزة الدولية المختلفة عن التعاون مع الدولتين السورية والعراقية والأجهزة الوطنية الأقدر على محاصرة مختلف هذه التنظيمات وتقييمها ومتابعة أنشطتها وكوادرها والمعالجة الأمنية والقانونية لها».

ويتابع عاروب توضيح آلية بناء تنظيم داعش من جديد بقوله «يحاول داعش الاستفادة من الكوادر النوعية في المجال التدريبي واللوجستي لديه لاختراق الفصائل المتشددة الأخرى وتحويلها إلى خزان بشري يمده بأسباب البقاء والاستمرار وإعادة بناء قاعدة جغرافية أساسية له حيث نرى أن اغلب الكوادر التدريبية هي من عناصر داعش سابقا أو من القاعدة.

ومن المهم جدا الاعتراف الواقعي بأن قضية عمل الذئاب المنفردة قضية وهمية إيحائية من قبل بعض الأجهزة مع التأكيد أن واقع وجود خلايا نائمة للتنظيم بحماية حراس الدين وهيئة تحرير الشام والقاعدة عموما أمر واقع يجب التعامل معه بكل جدية وفي مختلف قارات العالم. والإقرار بحقيقة كبرى وهي استغلال الدول العظمى والأجهزة العالمية واقع قسد غير المستقل عن حليفها، وتهريب عدد كبير من الدواعش وكثير منهم مع أسرهم إلى بادية الشام وإدلب، وعملية قتل البغدادي في ريف إدلب الشمالي وقتل أبو الحارث (يوسف نومان) وسامي محمد عبدالله الجبوري (لقبه حجي حامد أو سامي العجوز) وهما مسؤولان عن عمليات التنسيق بين سوريا و العراق في ريف إدلب الغربي، تجعلنا نتساءل، كيف تمكن كل هؤلاء مع عدد كبير من القياديين من الانتقال من العراق ودير الزور إلى إدلب والتحرك في منطقة سيطرة الأمن التركي والفصائل

المتعاونة معه بشكل تام، وكيف تصل كوادر داعش من السجون الأمريكية وسجون قسد إلى مناطق سيطرة الجيش السوري وغيرها من المواقع».

أسئلة مقلقة

«كيف تم تهريب هؤلاء ولماذا وكيف يمكن الدمج بين محاربة داعش وإمدادها بأسباب البقاء والحماية، وكيف يصل السلاح إلى مخيم الهول، وكيف يمكن أن يكون هناك مكاتب للحوالات المالية والتبرعات لتصل من دول بعيدة إلى أسر وكوادر داعش في المخيم، ثم فجأة نجد كوادر من المخيم والسجون في إدلب في بادية تدمر أو حتى في سيناء المصرية، كيف خرج هؤلاء وكيف تم التنسيق لحركتهم وعبورهم الأراضي التركية أو غيرها دون تنسيق، بل كيف يمكن تفسير انخفاض أعداد المتواجدين في مخيمات قسد الخاصة بداعش وخروج عشرات الآلاف من هذه المعتقلات والذين يتم نقلهم إلى قاعدة الشدادي ثم نجدهم في مسارح مختلفة وعلى جبهات قتال مختلفة، كيف يمكن تفسير خروجهم وتواجدهم، وحتى الاستهداف الأخير للكوادر العراقية هو للتغطية على خروج عدد كبير من جنسيات مختلفة لإعادة تدويرهم هنا وهناك»، يتساءل العاروب وغيره كثر.

من أجل المواجهة

مواجهة تنظيم داعش كما يقول د. عاروب «تتطلب العمل الجدي والصادق من قبل الأطراف المختلفة والدولية في انسجام تام لمعالجة ومكافحة التنظيم مع الأجهزة الوطنية السورية والعراقية المهتمة بإنهاء الحالة الداعشية وعدم استغلال الموارد الوطنية السورية لتمويل داعش بشكل مباشر أو غير مباشر عبر الصناديق السوداء في الأوساط العشائرية المستوعبة للحالة الداعشية أو الفصائل المقربة من داعش وخصوصا حراس الدين وأنصار الدين والحزب الإسلامي التركستاني الذي تحول إلى حالة تنظيم متشدد عالمي يمكن استغلاله من قبل دول كبرى، والقاعدة لتحقيق هجمات نوعية دول أخرى، كما يجب إقامة مركز دولي معتمد وبرنامج دولي واحد لتفكيك العنف بعيدا عن الابتزاز السياسي للدول الوطنية كما يحدث في سوريا وغيرها، والعمل الجدي لإنهاء الحالة الإرهابية في إدلب السورية وأرياف حلب واللاذقية وعفرين وجرابلس بصفتها مركز للمتشددين أو منطقة عبور للكوادر الإرهابية، والاستفادة من التجربة السورية في مكافحة الإرهاب والعمل العدلي السوري ومحكمة الإرهاب في طرح مستويات قانونية عصرية ومتنوعة عادلة ومنصفة، والابتعاد عن قضية الحالة الثأرية السلطوية التي تعزز الإرهاب وإقامة مجال اجتماعي لاستمراره، هذه العناوين اعتبرها هي المسارات الأكثر واقعية لمعالجة ملف داعش الذي يشكل خطرا كبيرا على مختلف دول العالم».

قلق مستمر

سواء انتهى التنظيم أم لم ينته، فثمة واقع على الأرض يوحي بوجود الإرهاب والعمليات الداعشية، ولا زالت المجازر تعلن عن نفسها كلما انقشعت غبار المعركة عن هذه المنطقة أو تلك، كما لا زال البعض يستفيد من الحالة الداعشية ليستعملها كفزاعة للضغط والابتزاز والترهيب، ولا زالت العمليات العسكرية على أراضي البادية السورية تشير لوجود داعش، ولا زال الأمر مقلقا بل مروعا للأهالي الذين ذاقوا مرارة الحرب وتواجد هذه التنظيمات بمختلف الرايات في مناطق نفوذ قسد.

ولعل الأرقام التي نشرها المرصد السوري لحقوق الإنسان «المعارض» عن عدد الضحايا من جميع الأطراف يشير إلى حالة القلق من تواجد داعش وارتباط بقية التنظيمات به، فيما لا زالت هناك مئات الضحايا من المخطوفين لدى التنظيم لا يعرف مصيرهم ومنهم شخصيات دينية وعلمية وأدبية وإعلامية، كما لا يزال ملف الجرائم التي ارتكبها عناصر التنظيم مفتوحا إلى جانب ملفات أخرى قامت بها الفصائل المتصارعة على

الأراضي السورية تدلل على فظاعة الحرب التي حفرت في قلوب السوريين جرحا لا يمكن أن يندمل بهذه السهولة، فيما يطرح السؤال الأهم حول مصير النساء والأطفال الذين خلفهم التنظيم وراءه دون نسب، وكيف سينشأ جيل الحرب من الأطفال والشباب وأي أفكار سيحملون، وأي دور إصلاح ومؤسسات اجتماعية وإنسانية يمكن أن تعيد لهم حياتهم الطبيعية بعد الذي عايشوه وشاهدوه..؟

ومن ذا الذي سيمحي من ذاكرة السوريين صور تلك الجرائم التي جرت أمامهم، ومن سيعيد لأم ثكلى أولادها أو زوجها المقتولين أو المفقودين..؟

ومن ذا الذي يمكن أن يحصي تلك الجرائم التي ارتكبت بحق الوطن الذي تناوبوا على نهب ثرواته ما خفي منها وما ظهر، وترك الشعب السوري اليوم أسيرا للفقر والجوع والتشرد والنزوح والمرض..؟، وأي محاكم عادلة يمكن أن تعيد للوطن هيبته وللشعب كرامته التي هُدرت على مرأى ومسامع الإنسانية جمعاء.