الصين vs أمريكا على بايدن تغيير المسار
كيشور محبوباني- الفاينانشال تايمز -
ترجمة قاسم مكي -
في ولاية ألاسكا الأمريكية الشهر الماضي، وبَّخ انطوني بلينكن وزير خارجية الولايات المتحدة وجيك سوليفان مستشار الأمن القومي بالبيت الأبيض علنا وعلى رؤوس الأشهاد المسؤولَين الكبيرين عن السياسة الخارجية بالصين يانغ جيشي، أرفع مسؤول في الحزب الشيوعي الحاكم عن الدبلوماسية ووانغ يي، وزير الخارجية لموقفهما (حسب اعتقاد الأمريكيين) من الديمقراطية وحقوق الإنسان.
فعل المسؤولان الأمريكيان ذلك عن إيمان وطيد بأن الولايات المتحدة تعرف كيف تنتصر ببطء وصبر على خصمٍ شيوعي.
لكن رغم انتصار الولايات المتحدة في الحرب الباردة إلا أن الصين تدرك على نحو أفضل لماذا فشلت الشيوعية السوفييتية. وهي عازمة على ألا ترتكب نفس الأخطاء. تحليل الصين يماثل تحليل جورج كونان، المخطط الإستراتيجي الأمريكي الكبير (مهندس الحرب الباردة عن عمر ناهز 101 عام- المترجم) والذي تنبأ بأن الحرب الباردة ستحسمها قدرة واشنطن على إيجاد انطباع عنها لدى شعوب العالم عموما «كبلد يعرف ماذا يريد ويتعامل بنجاح مع مشكلة حياته الداخلية ومسؤولياته كقوة عالمية».
هاهنا مقارنة صادمة. كانت الولايات المتحدة في مواجهة الاتحاد السوفييتي متقدمة في هذه الجوانب الثلاثة (تعرف ماذا تريد وتنجح في حل مشاكلها الداخلية وتتعامل بنجاح مع مسؤولياتها على الصعيد الدولي - المترجم). أما مع الصين فلم تكن كذلك.
أول مؤشر على إنهيار السوفييت تمثل في الاتجاهات السلبية لمؤشرات الرخاء الاجتماعي ومعدل العمر ووفيات الأطفال وحالات الانتحار وإدمان الأفيون (أو الكحول).
لكن أداء الولايات المتحدة اليوم سيء. فهي بالمقارنة مع المجتمعات المتقدمة تشهد تدهورا في معدل العمر. وتتخلف المستويات التعليمية للأمريكيين في الشباب الباكر (في سن المراهقة) مقارنة بالعديد من البلدان الصناعية المتقدمة.
وإذا كان كينان حيَّا اليوم، سيُصدَم وهو يرى الولايات المتحدة تنفق 5 تريليونات دولار على حروب غير ضرورية فما بقيَت دخول نصف الأمريكيين (50%) ممن هم في أدنى السلم الاقتصادي راكدة لعدة عقود. فهناك «بحر من اليأس» وسط الطبقات العاملة البيضاء.
أما أداء الصين فعلى العكس من أداء الاتحاد السوفييتي السابق. وهي تعتقد أن القادة السوفييت فشلوا لأنهم فقدوا الصلة بشعبهم وتجاهلوا رفاهيته وانخرطوا في حروب خارجية. لكن الصين لم تدخل في حرب كبرى خلال 40 عاما. وهي، خلافا للاتحاد السوفييتي، تسيطر على النفقات العسكرية.
لم ينجح بلد آخر في تحسين رفاهية شعبه بقدر ما فعلت الصين. وفيما يخص التنمية البشرية كانت الأربعون سنة الماضية أفضل أربعة عقود على مدى 4000 عام من تاريخ الصين.
نعم تواجه الصين العديد من المشاكل الداخلية. والنجاح ليس مضمونا. لكن على خلفية قرن أو أكثر من الإذلال والمعاناة لم تكن حياة الشعب الصيني أفضل في أي وقت مضى مما هي عليه الآن. لذلك استراتيجية الحرب الباردة الأمريكية لن تنجح (مع الصين مثلما نجحت مع الاتحاد السوفييتي).
ترتكب إدارة بايدن خطأ استراتيجيا بالاستمرار في سياسات دونالد ترامب تجاه الصين. وللغرابة أن بايدن نفسه كان قد أعلن في عام 2019 فشل حرب ترامب التجارية في مساعدة العمال الأمريكيين.
تؤيد البيانات تقييم بايدن هذا. ففي عام 2009 كان حجم سوق الصين لسلع التجزئة 1.4 تريليون دولار مقارنة بحوالي 4 تريليونات دولار للسوق الأمريكية. وبحلول عام 2019 وبعد ثلاثة أعوام من الحرب التجارية التي شنها ترامب كانت السوق الصينية تقترب من 6 تريليونات دولار وتفوق السوق الأمريكية التي بلغت 5.5 تريليون دولار.
وحتى إذا رغبت إدارة بايدن في تغيير المسار تجاه الصين فإنها مقيَّدة بتصاعد مزاجِ مُعَادٍ لها في الجسم السياسي الأمريكي. ولا تزال الخطوات غير الحكيمة التي اتخذت في عهد ترامب قائمة مثل إغلاق قنصلية الصين في هيوستن والقيود المفروضة على الصحفيين الصينيين وإنهاء برامج فيلق السلام وفولبرايت للمنح التعليمية التطوعية في الصين.
من الواضح أن مسؤولي إدارة بايدن يخشون من اعتبارهم «لطفاء» تجاه الصين. لكنهم، إذا أرادوا، يمكنهم المرافعة بقوة عن ضرورة نقض سياسات ترامب. فهم في مقدورهم الإشارة إلى حقيقة أن إدارة ترامب عززت في الواقع من قوة الصين ورئيسها شي جينبينج. كيف؟
الشعب الصيني يمكنه أن يرى حكومته وهي تقدم له حماية جيدة في أثناء جائحة كوفيد-19 الطارئة. لكن في المقابل، تخبطت إدارة ترامب. ونتج عن ذلك موت أكثر من نصف مليون أمريكي.
وعندما قذف نائب رئيس الولايات المتحدة مايك بينس ووزير خارجيتها مايك بومبيو في وجه الصين بالإساءات لم يفعلا شيئا سوى تعزيز مكانة الحكومة الصينية.
وعلى نحو مماثل اعتقد معظم الصينيين أن واضعي سياساتهم كسبوا المناظرة العلنية (مع المسؤولين الأمريكيين) في ولاية ألاسكا الأمريكية. وهذا أيضا اعتقاد العديد من الآسيويين الآخرين.
كل هذا يشير إلى مسار أكثر حكمة يمكن لإدارة بايدن أن تمضي فيه. عليها أن تعلن كما فعل بايدن في وقت سابق أن ترامب كان مخطئا في سياسته تجاه الصين. ثم عليها بعد ذلك الضغط على تجميد السجال الجيوسياسي الأمريكي الصيني وتقييم قدرة واشنطن على صياغة استراتيجية أفضل ضد هذا المنافس الشديد البأس.
إنهاء الحرب التجارية مع الصين سيعزز النمو الاقتصادي في الولايات المتحدة ويساعد بايدن في انتخابات نصف الفترة البرلمانية عام 2022. وسيهلِّل معظم العالم إذا جمَّدت إدارة بايدن النزاعَ بين البلدين، خصوصا في أثناء احتدام جائحة كوفيد- 19.
الكاتب زميل متميز بجامعة سنغافورة الوطنية ومؤلف كتاب «هل فازت الصين؟»