am5556555
am5556555
أعمدة

فراغ الكاتب وضمور الفعاليات الكبرى

14 أبريل 2021
14 أبريل 2021

محمود الرحبي -

نلاحظ في الفترة الأخيرة فتورا يسود مناحي الحياة، ويجب التذكير أنه يوم أمس تم نشر خبر رسمي يتعلق بدراسة تم تمويلها من قبل مركز البحث العلمي التابع لوزارة التعليم العالي والبحث العلمي والابتكار، حيث أجري مسح عربي حول الآثار النفسية لجائحة كورونا، نتج عنه إصابة 57 في المائة من الناس بحالات اكتئاب بسبب الجائحة وهو رقم قابل للتزايد.

كما نلاحظ في صفحات الفيس بوك مضاعفات هذه الحالة من خلال تراشقات الكتاب أنفسهم، حتى في الحديث عن أعمال أدبية، من الطبيعي ( والصحي) الاختلاف حولها.

وهذا يدعونا إلى الحديث عن الضمور الحاصل في الفعاليات الثقافية والفراغ الذي يمكن أن ينتج عنه الاهتمام بسفاسف الأمور وتضخيمها. ولا أتحدث هنا عن الندوات التي شهدت تزايدا بسبب سهولة تفعيلها» عن بعد» إنما أتحدث عن فعاليات ميدانية كبرى يمكنها أن تملأ هذا الفراغ وتردم مثل هذا الشعور على المدى البعيد. مثل تفعيل مهرجانات ثقافية نوعية، وتفعيل المسرح والدراما العمانية وتمويل أفلام سينمائية يمكنها أن تشارك في مختلف المهرجانات، كما حدث أخيرا مع الفيلم السوداني «ستموت في العشرين» الذي فاجأ الجميع وأدهشهم ومازال يدخل في منافسات عربية ودولية.

ولكن لن يتم كل ذلك دون رفع الرقابة عن المصنفات الفنية، وفتح الطريق للإبداع الحر، فلا يمكن مثلا لفيلم «ستموت في العشرين» السوداني أن ينتج لو كان هناك رقيب يركز على الفاصلة والضمة، ناهيك عن تأويلاته الخاصة والمفتوحة على عواهنها حتى على الفكرة. أتذكر في هذا السياق أن الصديق المخرج محبوب موسى، وهو من خريجي المدرسة السينمائية المصرية العريقة، حيث تعاون مع مخرجين كبار مثل خيري بشارة ومحمد خان؛ قرأ عملا روائيا حمل عنوان «درب المسحورة» وأتذكر أنه من شدة تحمسه لتحويله إلى فيلم أن قرأه أربع مرات متوالية وشرع في كتابة سيناريو له، وكان يتصل بي في مكالمات طويلة. ولكنه حين عرض الفيلم على المعنيين بتمويله جوبه بعذر غريب من نوعه، وهو أن فكرة الفيلم تتحدث عن السحر، وهو رأي يضرب عرض الحائط بالإرث الميثلوجي العماني، ناهيك عن المواد المحكية الكثيرة في هذا السياق. كما أنه في اليوتيوب يمكن أن ترى وصلة تمثيلية بطلاها سعود الدرمكي وصالح زعل، تشخص قصة تتحدث عن صديقين يشقان طريقهما في الليل فيصادفان رجلا مسحورا وتنمو أحداث التمثيلية انطلاقا من هذا الحدث. فإذا سمح بهذه الوصلة فلماذا يرفض بشبيه لها في فترة أخرى؟! خاصة وأن من يشاهد الفقرة لن يذهب بعيدا في ظنه بأن التمثيلية تنقل صورة سيئة عن المجتمع، كما يخشى الرقيب عادة. بل الأمر يصب في سياق الاستثمار الفني للتنوع الثقافي والبيئي عن طريق حكاية قديمة كانت في الأساس قصيدة شعرية متداولة ومحفوظة بل سجلت في أشرطة سمعية قديمة. كما عكست القصيدة حين حولت إلى متن سردي- جانبا من تفاصيل الصحراء ومفردات الحياة البدوية العمانية. وهذا مجرد مثال وددت ذكره، ولا بد أن ثمة أمثلة عديدة في هذا السياق لا أعرف عن تفاصيلها.

كما أن وجود مسرح ومهرجانات ثقافية من الأهمية بمكان لملء وتفعيل هذا الفراغ الكبير الذي نعيشه. ولا بد أن جائحة كورونا قد حالت دون تنفيذ الكثير من الطموحات، والتي أعرب عنها في أمسية بالنادي الثقافي وكيل الثقافة. ولكن ما أن يتبدد غمام الجائحة، سيكون الأمل معقودا بعد ذلك على تحريك ودعم وتفعيل هذا الجانب، بالاستعانة بأهم الكوادر الثقافية والفنية المحلية (الذين يشكلون بيوت خبرة) وفي مختلف المجالات التي من شأنها أن تفعل الاستثمار البنفسجي، وهو استثمار لا ينتظر منه عائد مباشر بالضرورة، وذلك لأن عوائده الثقافية والحضارية لا يمكن أن تقدر بثمن.

وبالعودة إلى الدراما العمانية، فنحن نتذكر كيف أن لها تاريخا جميلا وبدايات مهمة لو أنها استثمرت منذ ذلك الحين ولم تلق في طريقها العراقيل، فلو كانت شقت طريقها بحرية لأصبح لدينا الآن دراما عربية متميزة ومنافسة، حين تصاهرت في الثمانينيات والتسعينيات طاقات الممثل العماني مع ممثلين كبار، أثبت فيها أنه لا يقل مهارةً وموهبةً عن أقرانه العرب، حين كان التلفزيون العُماني في الثمانينيات والتسعينيات يدعوهم إلى مسقط للعب أدوار مع ممثلين عُمانيين، ومنهم أحمد مظهر وأحمد مرعي وشكري سرحان ويوسف شعبان وروحي الصفدي ومنى واصف وأسعد فضة ومحمود أبو غريب وسعيد صالح وعبير عيسى وحسن حسني ورشيد عساف وعبد المجيد مجذوب وجوليت عواد وأبو بكر عزت وآخرون.

الفن (والثقافة عموما) صمام أمان للمجتمع ضد أوجه الغلو والتشدد، وعلى الدولة رعايته من دون انتظار نتائج ربحية مباشرة، لأنه رأس مال رمزي مهم، يساهم في تهذيب النفوس، ويمتص التوترات، ويدمج المجتمع في نسيج متجانس يذوب فيه التنافر ويتقلص التباعد، كما قال نابليون يوما: «أعطني مسرحا أعطك مجتمعا راقيا».