السباق النووي في الشرق الأوسط عنوان المرحلة
عوض بن سعيد باقوير - صحفي ومحلل سياسي -
الذي يحدث في منطقة الشرق الأوسط خلال العقود الأخيرة هو سباق تسلح نووي أكان عسكريا أو سلميا، ولعل نموذج الكيان الإسرائيلي هو أحد النماذج الصارخة من خلال امتلاكها قنابل نووية منذ عقد الستينيات من خلال الدعم الفني الغربي خاصة من فرنسا وكان الهدف الإسرائيلي من امتلاك القوه النووية هو الهيمنة العسكرية والاقتصادية والعلمية على منطقة تحوي ملايين البشر واستغلال تلك القدرة للسيطرة على منابع المياه خاصة في الأردن وسوريا ولبنان وشق قناة بديلة عن قناة السويس.
وقد كانت هناك جهود عربية لامتلاك التقنية النووية قبل عقود خاصة من مصر خلال عهد الرئيس جمال عبد الناصر ولكن المشروع المصري لم يكتمل، تلاه المشروع العراقي الذي دمرته إسرائيل في عقد الثمانينات وهناك برامج أخرى لم تكتمل في الجزائر وربما في سوريا. ومن هنا كان حرص إسرائيل على أن تبقى القوة النووية الوحيدة في منطقة الشرق الأوسط وهذا يفسر صراعها المرير مع إيران حول برنامج طهران النووي والحوادث المتكررة للقضاء على ذلك البرنامج.
ومن هنا فإن المنطقة تشهد صراعا واضحا على التقنية النووية سلمية كانت أم عسكرية، وللأسف فإن العرب ليس لهم مشروع للدفاع عن أنفسهم على الأقل بل هناك مرحلة تتسم بالهرولة للتطبيع مع الكيان الصهيوني الغاصب للأراضي العربية المحتلة في فلسطين ولبنان وسوريا وحتى غور الأردن أو جزء منه على الأقل علاوة على سرقة المياه العربية في الليطاني ونهر الأردن ومياه الضفة الغربية وقطاع غزة. ومن هنا يأتي التهديد الحقيقي لمستقبل الأمن القومي العربي ومساره المستقبلي الحرب المعلنة ما حدث من هجوم سيبراني أو زرع قنبلة في مفاعل نطنز في إيران هو هجوم علني على البرنامج النووي الإيراني وهو يهدف إلى تحقيق أهداف سياسية واستراتيجية منها تخريب المفاوضات حول العودة للاتفاق النووي الإيراني خاصة وأن حوار فيينا حقق تقدما إيجابيا، وثانيا خلق حالة من التصعيد مع إيران وجرها إلى مجابهة سواء على صعيد حرب السفن في الخليج العربي والبحر الأحمر وأخيرا توجيه رسالة إلى الداخل الإسرائيلي من قبل نتنياهو لأسباب انتخابية وأن تل أبيب قادرة على إفشال أي مخطط نووي في منطقة الشرق الأوسط. ومن هنا فإن حادث نطنز هو على جانب كبير من الخطورة وقد يفتح المجال نحو تصعيد نووي من قبل الطرفين. نتنياهو يتحدث بلغة الغرور بأن إسرائيل هي القوة العالمية الجديدة في الشرق الأوسط وهذا يعني أن أي تحد من أي دولة في المنطقة لن تسمح به إسرائيل ولعل الرسالة موجهة إلى إيران باعتبارها القوة الوحيدة التي يمكن أن تنجح نوويا سلميا أو عسكريا.
وعلى ضوء ذلك بدأ الصراع الخفي والمعلن وفي تصوري أن إيران لن تنجرف إلى مجابهة مع الكيان الصهيوني ولكن سوف تستخدم المسار الدبلوماسي من ناحية والمناوشة للسفن الإسرائيلية كما حدث مؤخرا وهذه المناوشة أقل تكلفة ولكن تأثيرها النفسي كبير.
مسار المفاوضات
في تصوري أن تركيز إيران على مفاوضات الملف النووي الإيراني مع القوى الدولية بما فيها الولايات المتحدة الأمريكية هو المسار الصحيح لأن ذلك يحقق لإيران عدة أهداف منها رفع العقوبات الاقتصادية القاسية وإفشال المخطط الإسرائيلي وتطوير البرنامج النووي لأغراض سلمية في مجال الكهرباء والتنمية الشاملة وبإشراف وكالة الطاقة الذرية وأيضا إيجاد مناخ إيجابي يسمح بفتح حوار مع دول مجلس التعاون لدول الخليج العربية حول حل عدد من الملفات المعقدة في المنطقة ومنها وقف حرب اليمن وتحسين العلاقات خاصة بين طهران والرياض. ومن هنا فإن إسرائيل لها نوايا خبيثة في تأجيج الصراعات في المنطقة لا شك أن حادث نطنز هو عمل تخريبي للموساد الإسرائيلي ومع ذلك فإن الحكمة تقتضي التعامل مع هذا التطور بتكتيك ومسار يحقق الأهداف الوطنية لإيران خاصة على صعيد عودة الملف النووي الإيراني الذي تم توقيعه عام ٢٠١٥ ومن خلال جهود كبيرة بذلتها الدبلوماسية العمانية على مدى سنوات حتى هذا الإنجاز الحيوي التاريخي في إطار العلاقات الدولية وبعد خصام معقد بين واشنطن وطهران استمر لأربعة عقود.
الجهود العمانية متواصلة
ومن خلال نظرة فاحصة على مجمل الصراعات في المنطقة، فإن الطرف الأهم الذي يمكن أن يلعب الدور الأساسي لحلحلة تلك الملفات هي الدبلوماسية العمانية التي تتمتع بمصداقية وثوابت راسخة من الإيمان بتحقيق السلام وأن آلية الحوار هي الخيار الوحيد لتحقيق الأمن والاستقرار في المنطقة.
ومن هنا فإن ملف المفاوضات النووية والحرب في اليمن والعلاقات بين طهران ودول مجلس التعاون الخليجي هي ملفات أساسية في رؤية السياسة الخارجية للسلطنة وهناك حراك سياسي متواصل يدور في عاصمة الوطن مسقط لإيجاد مخارج تسوية موضوعية لتلك الصراعات والحروب من خلال حرص القيادة السياسية للسلطان هيثم بن طارق-حفظه الله ورعاه- على تواصل تلك الجهود العمانية المخلصة لما فيه خير المنطقة وشعوبها وهو ما كان محل تقدير دولي وأمريكي وعربي.
إن الصراع النووي بين طهران والكيان الإسرائيلي قد يفتح المجال نحو سباق تسلح نووي في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا ومن هنا فإن وكالة الطاقة الذرية لابد أن تدعو إلى نزع السلاح النووي وعلى رأسها إسرائيل التي تمتلك عشرات القنابل النووية في مفاعلات ديمونة في صحراء النقب ومواقع أخرى وهي تهدد المنطقة ومصالح شعوبها وان بقاء إسرائيل كقوة نووية وحيدة في منطقة الشرق الأوسط هو وضع خطير خاصة للعالم العربي في ظل نوايا الكيان الصهيوني التوسعية ومطامع إسرائيل في المنطقة. ومن هنا فإن خطوة التطبيع مع عدد من الدول العربية هو فخ كبير سوف تكون له نتائج كارثية في المستقبل على الصعيد الأمني والاقتصادي والاجتماعي وهوية الأوطان.