أفكار وآراء

المرجعية السياسية الحاكمة لصياغة قانون الحماية الاجتماعية الجديد

14 أبريل 2021
14 أبريل 2021

د. عبدالله باحجاج -

كان الأسبوع الماضي، أسبوعا متخصصا في المجال الاجتماعي. والمجال الاجتماعي هو الشغل الشاغل الذي ينبغي التركيز عليه الآن بعد أكثر من عام على تطبيق سياسات مالية واقتصادية مؤلمة اجتماعيا، وأخرى في الطريق. وعليه، فإن معالجة تداعياتها على المجتمع وإيجاد حلول دائمة لها، هي أولى الأولويات الوطنية؛ لأنه بقدر حرصنا على الاستدامة المالية، فإن الحفاظ على الاستقرار المجتمعي وعلى قوة المجتمع وعلى ثوابته لها الأولوية ذاتها، وتكتسب الآن التركيز السياسي.

وقد كشف الأسبوع الماضي عن مسارين أحدهما يعالج مجالات اجتماعية محددة وظرفية والآخر يفتح الفكر والنقاشات الوطنية لإيجاد حل مستدام للتداعيات. الأول يتجلى في استدراك تأثيرات فئوية وذلك من خلال إطلاق مجموعة مبادرات اجتماعية يستفيد منها أصحاب المرتبات «350» ريالا، وكذلك توسيع قائمة السلع الغذائية للمجتمع المعفاة من ضريبة «5%»، والثاني تجلى في إصدار مرسوم سلطاني سامٍ، استحدث صندوقين، الأول يتعلق بأنظمة التقاعد، والثاني بالحماية الاجتماعية، وهناك علاقة وثيقة بين الصندوقين، لأن مجالهما المجال الاجتماعي، لذلك فقد احتواهما مرسوم واحد، وأوكل للجنة جديدة واحدة مشكلة من مجلس الوزراء، كلفت بوضع الضوابط اللازمة للصندوقين، وإعداد مشروع قانون للحماية الاجتماعية.

وإعداد مشروع قانون للحماية الاجتماعية هو الذي يعنينا في مقالنا اليوم، وبالتالي نهدف هنا إلى إثراء النقاشات العمومية التي ستنطلق قريبا برؤى تصب في جوهر المصلحة الوطنية التي بسببها تم إصدار المرسوم السلطاني سالف الذكر، من هنا، ينبغي أن تشبع مرحلتنا الوطنية الراهنة، نقاشا وتحليلا حتى يكون قانون الحماية الاجتماعية الجديد بمثابة الضمانة التي تعول عليه البلاد للحفاظ على استقرار المجتمع من جهة، وعدم المساس بقوته الناعمة لمواجهة تحديات داخلية وإقليمية من جهة ثانية، والتحديات المقبلة أكبر، ومتعددة.

ومثل تلكم الهواجس الوطنية، لابد أن تكون حاضرة أثناء صناعة هذا القانون، من هنا نرى، أن مهمة الصياغة ليست قانونية صرفة، بل هي كذلك سياسية واجتماعية وأمنية من منظور الأمن الشامل لعصر داخلي جديد يتأسس على الضرائب بسرعة فائقة لظروف يعلمها الجميع، مما أصبح مجتمعنا يشهد متغيرات كبرى في أوضاعه التاريخية. ومن هذه الحيثيات المختصرة، تبرز الأهمية الوطنية في حاضرها ومستقبلها لنظام حماية اجتماعية جديد، فعّال ومتفاعل مع التداعيات.

وهنا، نطرح تساؤلا افتراضيا مزدوجا لدواعي التحليل الموضوعي، وهو، كيف يمكن من خلال القانون الجديد للحماية الاجتماعية أن يؤسس نظاما وطنيا مستداما في عصر الضرائب؟ لكن ، هل هناك من مرجعية سياسية تحكم صياغات قانون الحماية الاجتماعية الجديد، سواء كانت قانونية أو سياسية أو اجتماعية أو أمنية؟

بحثنا عن هذه المرجعية، ووجدناها قد صدرت في أكتوبر عام 2020، ضمن سياق بالغ الدلالة، وقطعية الغاية، وصريح الأهداف، وصدورها ضمن سياق مالي، يجعلها حاكمة لتداعيات هذا السياق، وحاكمة لفكر وجهود صياغة مشروع قانون الحماية الاجتماعية الجديد، فلا مجال للاجتهاد في وجود هذه المرجعية السياسية التي ترشد وتوجه نحو غايات اجتماعية شاملة وكاملة وتحت المظلة الوطنية.

يتجلى السياق المالي في خطة التوازن المالي المتوسطة الأجل – 2020 ، 2024، فعندما بارك عاهل البلاد حفظه الله ورعاه في أكتوبر 2020 الخطة المالية، أصدر -حفظه الله- توجيهات «بالإسراع في بناء نظام وطني متكامل للحماية الاجتماعية» ولو حللنا المفردات التي وردت في التوجيهات السامية والتي وضعناها بين مزدوجتين، سنرى أن كل واحدة منها تعني مسارا محددا بعينه، وسنرى أن كل المسارات تلتقي في النهاية عند مفهوم جامع للحماية الاجتماعية.

وكفى بهذا التزامن الزمني «مباركة جلالته حفظه الله خطة التوازن المالي، وفي الوقت نفسه، إصدار توجيهات بإقامة نظام وطني متكامل للحماية الاجتماعية» من معنى ومغزى، فهذا التزامن يعني أن هناك علاقة «وجودية وترابطية وغائية» بين الخطة المالية وبين حتمية إيجاد حلول لتداعياتها الاجتماعية، لكن، ما طبيعة هذه الحلول من جهة وما هي نطاقاتها الاجتماعية؟

الإجابة، نجدها فيما تحمله مفردات التوجيهات من معانٍ واضحة، وهى «الإسراع في بناء نظام وطني، متكامل للحماية الاجتماعية» والسرعة مرتبطة بالتداعيات، من هنا تفهم وجود وعي سياسي مسبق بالتأثير السلبي للخطة المالية على المجتمع، وعليه يحمل الجهات التنفيذية مسؤولية الإسراع في إقامة نظام للحماية الاجتماعية وفق محددين أساسيين هما: المفهوم الوطني ويعني الحفاظ على مشاعر الولاء والانتماء في نظام الحماية الاجتماعية لمواجهة تحديات عصر الضرائب، وقد جاءت مفردة «متكامل» لتفضي على الصبغة الوطنية العمومية والشمولية.

فماذا ينبغي أن يعني ذلك لجهود التنفيذ؟ نلاحظ في المرجعية السياسية سالفة الذكر، عنصر إلزام زمني، صحيح غير محدد، لكنه معلوم بذاته، فورود عبارة «الإسراع» يعني الاستعجال بإقامة قانون الحماية الاجتماعية، وهنا تنفي عبارات التأخير أو التأجيل أو أية عبارات مرادفة لها، وهذا العنصر الزمني الملزم، له ما يبرره، وهو يتعلق بالبعد السلبي المترتب على تطبيق خطة التوازن المالي.

ومن ثم أعقبت بما هو أهم، ولنقل بما يدلل على حالة الاستعجال، وهو إقامة نظام للحماية الاجتماعية من مفهومين أساسيين ينبغي أن يكونا حاكمين لنظام الحماية، وهما مفهوم الوطنية، والآخر، مفهوم الشمولية والعموم، فالوطنية في جوهرها ذات حمولات عاطفية، وهنا محدد سياسي مهم لنظام الحماية الاجتماعية، وهو أن يعبر عن الولاء والانتماء للمجتمع العماني.

بينما ينصرف مفهوم التكامل إلى شمولية حماية كل المواطنين بصرف النظر عن تصنيف المواطنين بسبب تأثرهم بمرحلة الانتقال إلى عصر الضرائب الأكثر تضررا أو الأقل تضررا.. لأن مفهومي الوطنية والتكامل يتجاوزان التقسيمات الاجتماعية، ويكون هدفها الاستراتيجي الحفاظ على السلام الاجتماعي بولاءاته وانتماءاته الفوقية والتحتية.

ويعلم الكل مدى الضرر الاجتماعي من إصلاح سوق العمل الذي بموجبه خفضت المرتبات، وتراجعت مستويات دخل الأسر، وانخفض الاستهلاك المحلي، وهو في تصاعد.. وقد تزامن ذلك مع سياسات مالية مثل ضرائب ورسوم ورفع الدعم الحكومي.. بسبب جائحة كورونا وانخفاض أسعار النفط، ومن هذه السياقات التاريخية، تأتي التوجيهات السامية بإقامة نظام وطني متكامل للحماية الاجتماعية، وما إقامة صندوق للحماية الاجتماعية بالمرسوم السلطاني سالف الذكر، إلا خطوة عملية تمهد نحو صياغة النظام الوطني للحماية الاجتماعية المتكاملة التي تشمل كل المتضررين، وتعيد الآمال الاجتماعية إلى آفاقها الوطنية الرحبة.

وهذا ممكن إذا ما تشاركت الأفكار القانونية والسياسية والاجتماعية والأمنية في صياغة هذا النظام الوطني، وهذه المشاركة تفرضها حاجتنا الوطنية للحفاظ على تماسك وترابط وقوة المجتمع، وقد كانت المرجعية السياسية الموجه لهذا النظام، واعية بمركزية المجتمع ـ التاريخية والمعاصرة ـ في الدولة العمانية، وتظل التطلعات معلقة على نوع منظومة الحماية الاجتماعية الوطنية المرتقبة.