أفكار وآراء

سُلّم وليس شبكة أمان اجتماعي

12 أبريل 2021
12 أبريل 2021

د. عبدالملك بن عبدالله الهِنائي -

يبدو لأول وهلة أن مصطلح «شبكات الأمان الاجتماعي social safety nets» مصطلح جميل وجذاب، لما يحمله من معاني الرعاية والطمأنينة والشُمول للناس عامة. لكن المتفحص لدور تلك الشبكات سيجد أنها لا تؤدي إلى الطمأنينة والرفاه، وإنما هي فقط تخفف من المعاناة التي تتعرض لها بعض فئات المجتمع جراء بعض السياسات التي تتخذها الحكومات، أو لمواجهة حالات طارئة في بعض المجتمعات لا يوجد تعريف موحد للمقصود بشبكات الأمان الاجتماعي، لكن أكثر التعريفات انتشارا هو ما يستخدمه خبراء البنك الدولي وصندوق البنك الدولي والمؤسسات المرتبطة بهما، وهم يعنون بها برامج وأنظمة المساعدات والإعانات التي يتم تقديمها إلى الأسر المهمشة والمعرضة للعوز، أو إلى الأفراد الذين يعانون من الفقر المدقع، وذلك لتحسين مستوى معيشتهم والتخفيف عنهم من الآثار الجانبية الناتجة عن بعض السياسات التي تتخذها الحكومات من أجل إعادة هيكلة الاقتصاد، أو نتيجة لأزمات طارئة يمر بها بلد ما.

وتتضمن برامج الحماية أو الأمان الاجتماعي مزيجا من المساعدات النقدية والعينية، وقد تشمل أيضا التدريب على بعض المهارات وتسهيل الحصول على التمويل والمساعدة في التسويق. وقد أدرج كثير من الدول برامج الحماية أو الأمان الاجتماعي كجزء من برامج التنمية المستدامة فيها. ويقوم البنك الدولي بتقديم العون والمشورة للدول لإنشاء «شبكات nets» تخفف من الآثار السلبية لبرامج إعادة الهيكلة الاقتصادية. وفي إطار التعريف بتلك الشبكات، عقد البنك قبل بضع سنوات حلقة نقاشية عنها في مسقط، شارك فيها عدد من الجهات المعنية.

لكن هناك من ينتقد دور شبكات الأمان الاجتماعي من عدة جوانب، إذ توصم تلك الشبكات بأنها تثبط الدافعية إلى العمل ولا تحفز على «التخرج» منها، وتُضْعف العلاقات الاجتماعية، إلى جانب أنها تؤدي إلى أعباء مالية يصعب على الدول تحملها في الأجل الطويل، وأنه بمجرد البدء في تقديمها فإن تقليصها يصبح صعبا. لا شك أن لهذا الرأي وجاهته، وهو يذكر بما جاء في الحديث الشريف عن الشخص الذي جاء إلى الرسول صلى الله عليه وسلم وسأله أن يعطيه مالا، فأمره الرسول أن يشتري فأسا ويذهب ليحتطب به فذلك خير له من السؤال، كما يتفق مع الحكمة الصينية التي تقول لا تعطه سمكة بل علمه أن يصطادها.

وفي عمان تقدم الدولة الرعاية الاجتماعية في عدة صور وبرامج، فإلى جانب أنظمة التقاعد يوجد نظام «الضمان الاجتماعي»، وهو برنامج واسع، سواء من حيث شموله أو من حيث إجمالي المبالغ التي تصرف على المشمولين به، وإن كان ما يحصل عليه كل مستحق منهم ليس بالمبلغ الكبير.

وتشير الإحصاءات المنشورة في عدد عام 2020 من الكتاب الإحصائي السنوي أن عدد حالات الضمان الاجتماعي في عام 2019 قد بلغت أكثر من 74 ألف حالة، وبلغت جملة ما تم صرفه لها من إعانات في نفس العام حوالي 114 مليون ريال عماني، وذلك مقارنة بحوالي 51 ألف حالة في عام 2010 و بلغ إجمالي الإعانات التي تم صرفها عليها في ذلك العام حوالي 38 ألف ريال. ورغم أن عدد حالات الضمان الاجتماعي والمبالغ التي صرفت لها قد تصاعد بين عامي 2010 و 2014 ثم تراجع بشكل عام بين عامي 2015 و 2019، إلا أن ذلك العدد من الحالات يعتبر مرتفعا بالنسبة لعدد سكان السلطنة، وأيضا لكون المجتمع العماني مجتمعا فتيا، حيث أعداد القوى العاملة في تزايد ومستواهم التعليمي في تصاعد. لذلك فإنه لا بد من العمل على تمكين الأسر والأفراد القادرين، ومساعدتهم على «التخرج» من نظام الضمان الاجتماعي عن طريق تأمين مصادر دخل مجزية، ينتج عن نمو اقتصادي مولد لفرص العمل، ويساعد على خروج الفئات من غير المعوقين من حالة الإعالة إلى حالة المشاركة الإيجابية في الإنتاج.

وإضافة إلى ما سبق من أدوات ضمان و رعاية اجتماعية، وفي إطار إعادة هيكلة الاقتصاد، أنشأت السلطنة في العام الماضي «صندوق الأمان الوظيفي»، وهو صندوق يقدم إعانات نقدية للمسرحين من وظائفهم حتى يجدوا وظائف أخرى. كما تم قبل ذلك وفي نفس الإطار إدخال برنامج لإعادة توجيه الدعم الحكومي، يتيح للأفراد الذين تقل رواتبهم الشهرية عن مستوى معين الاستفادة من الدعم الذي تقدمه الحكومة للوقود والكهرباء والماء.

لا تتوفر لدى كاتب هذا المقال إحصاءات عن عدد المستفيدين من نظام الدعم الحكومي للوقود والكهرباء والماء، ولا عن عدد المستفيدين من إعانات صندوق الأمان الوظيفي، لكن المؤكد، من وجهة نظر تنموية، أن زيادة أعداد المستفيدين من الضمان الاجتماعي أو من الدعم الحكومي ليست دليل رفاه، ولا تعني سلامة الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية، بقدر ما تعني حرص الحكومة على التخفيف من معاناة تلك الفئة من المجتمع.

لذلك من المهم العمل على رفع مستويات المعيشة لكافة فئات المجتمع من أجل التقليل من أعداد المعتمدين على الضمان الاجتماعي وعلى الدعم الحكومي. وإذا أمكن ذلك، فإنه سيودي إلى التخفيف من الأعباء المالية على الحكومة وتخصيص جزء من مبالغ الدعم لتحسين خدمات أخرى يحتاج إليها كل المجتمع، وفي مقدمتها خدمات التعليم والصحة.

خلاصة القول، إنه إذا كان البنك الدولي يتبنى ويروج في كثير من البلدان لإنشاء «شبكة أمان اجتماعي»، غايتها تخفيف معاناة الأسر المهمشة والأفراد الذين يعانون من العوز والفقر، فإنه ونظرا لما حققته عمان في السنوات السابقة من إنجازات على صعيد مستوى المعيشة وشمولية الخدمات المقدمة، فإن المطلوب للمستقبل إيجاد «سُلّم أمان اجتماعي» يكون واسعا لتصعد عليه كل فئات المجتمع إلى مستويات معيشية أعلى، ويكون ذلك من خلال تعليم عالي الجودة ونظام صحي متقدم، ونظام اقتصادي تحكمه العدالة الاجتماعية وتكافؤ الفرص، ونظام تقاعد يراعي الحياة الكريمة للمتقاعد وأسرته.

**باحث في الاقتصادي السياسي وقضايا التنمية