أفكار وآراء

محاربة الفقر - دروس من بنجلاديش لأمريكا

11 أبريل 2021
11 أبريل 2021

نيكولاس كريستوف - نيويورك تايمز -

ترجمة - قاسم مكي -

أحد العيوب الأخلاقية الكبيرة التي وَصَمَت الولايات المتحدة أنها رَضِيَت، وهي البلد الأكثر ثراء وقوة في التاريخ، بمستويات مذهلة من فقر الأطفال.

وبالتصديق التشريعي النهائي على خطة الإنقاذ الأمريكية التي تقدم بها الرئيس بايدن بتكلفة 1.9 تريليون دولار يوم الأربعاء 10 مارس، قررت الولايات المتحدة الشروع في محو هذه الوصمة.

البنود التي لها دلالة تاريخية أكثر أهمية في حزمة التحفيز المجازة هي تلك التي يلزَم أن تقلل بشدة من فقر الأطفال. وإذا تحولت هذه البنود إلى إجراءات مستديمة، كما توصي بذلك دراسة من جامعة كولومبيا، يمكن أن يتراجع فقر الأطفال بحوالي النصف، وهذا مثير.

بذلك، سيفعل بايدن للأطفال شيئًا يماثل ما كان قد فعله الرئيس الأمريكي فرانكلين روزفلت للأمريكيين المُسنِّين (كبار السن) ببرنامج الضمان الاجتماعي.

هذه ثورة في السياسات الأمريكية وإقرارٌ متأخر بأن المجتمع كله لديه مصلحة في الاستثمار في الأطفال الفقراء.

ومن أجل أن نفهم العائدات الممكنة لمثل هذا الاستثمار دعونا نلقي نظرة على الدروس المستفادة من بلد يبعد عنَّا بحوالي نصف المسافة حول العالم.

وُلِدت بنجلاديش قبل 50 عامًا في مثل هذا الشهر وسط أوضاع إبادة جماعية وبؤس مُزرٍ ومجاعة. وأُشتهر عن هنري كيسنجر وصفه لها بأنها «حالة ميؤوس منها» (العبارة الإنجليزية التي استخدمها تعني حرفيًا «حالة سَلَّة» وتعود إلى أيام الحرب العالمية الأولى. وكانت تعني في الأصل جنديًا بلا ذراعين ولا قدمين ومحمولا في سلة - المترجم). كما أكدت الصور المرعبة لمجاعة عام 1974 سُمعتها كبلدٍ لا رجاء منه.

في عام 1991 وبعد أن قمت بتغطية الإعصار الذي ضرب بنجلاديش وقتل أكثر من 100 ألف شخص كتبت مقالا مفعما باليأس لصحيفة نيويورك تايمز أشرت فيه إلى أن ذلك البلد غني بالحظوظ السيئة أساسا. كنت محقا في أن بنجلاديش تواجه تحديات ضخمة ليس أقلها التغير المناخي. لكني أخطأت تماما في تشاؤمي. فبنجلاديش منذ ذلك التاريخ تمتعت بثلاثة عقود من التقدم الاستثنائي.

فقد ارتفع معدل النمو الاقتصادي باطِّراد. وعلى مدى أربع سنوات قبل الجائحة الحالية حقق اقتصاد بنجلاديش نموًا بنسبة 7% إلى 8%، حسب البنك الدولي. وكان ذلك أسرع من معدل نمو اقتصاد الصين.

كما يبلغ متوسط العمر في بنجلاديش 72 عامًا. وهو أطول من متوسط العمر في أماكن قليلة بالولايات المتحدة من بينها 10 مقاطعات في المسيسيبي.

ربما كانت بنجلاديش يومًا ما تجسيدًا لانقطاع الرجاء. لكن لديها اليوم الكثير من الدروس التي يمكن أن تقدمها للعالم عن كيفية هندسة التقدم.

ما هو سر بنجلاديش؟ إنه التعليم والفتيات. ففي أوائل الثمانينيات كان أقل من ثلث البنجلاديشيين قد أكملوا المدرسة الابتدائية. والبنات خصوصا كان من النادر أن يحصلن على التعليم. ومساهمتهن في الاقتصاد ليست بذات أهمية تذكر.

لكن الحكومة والمنظمات المجتمعية الطوعية عززت التعليم بما في ذلك تعليم البنات. واليوم يكمل 98% من الأطفال في بنجلاديش التعليم الابتدائي. وما هو أكثر إدهاشا بالنسبة لبلد له تاريخ من الفجوات بين الجنسين أن عدد البنات الملتحقات بالمدارس الثانوية في بنجلاديش يفوق عدد الأولاد.

ذكر لي محمد يونس، الفائز بجائزة نوبل للسلام ورائد الائتمان (التمويل) الأصغر في بنجلاديش وسواها، أن الشيء الأكثر إثارة الذي حدث في بنجلاديش «يتعلق بتغيير وضع المرأة بداية بأفقر النساء».

أسس يونس بنك جرامين (بنك الفقراء) الذي حوِّل النساء إلى رائدات أعمال بطرائق ساعدت على إحداث تحول لهُنَّ ولبلدهن. (ما يقرب من 100 ألف امرأة صرن خلال أربعة أعوام «نساء الهاتف» اللاتي يَبِعنَ خدمات الهاتف الجوال).

مع تعليم وتمكين البنات في بنجلاديش صارت هؤلاء النسوة ركائز لاقتصادها. فمصانع الملبوسات منحت النساء فرصًا أفضل. والقميص الذي ترتديه الآن ربما خاطته إحداهنَّ. فبنجلاديش الآن أكبر بلد يصدِّر الملابس في العالم بعد الصين.

يقينا، المصانع في بنجلاديش تدفع رواتب ضعيفة بالمعايير الغربية. وبها مشاكل تتعلق بإساءة المعاملة والتحرش الجنسي ومخاطر اندلاع الحرائق إلى جانب محاذير السلامة الأخرى. فقد سبق أن أدى انهيار مصنع عام 2013 إلى مقتل 1100 عامل، لكن العاملات أنفسهن يقُلنَ أن مثل هذه الوظائف تظل أفضل من الزواج في سن 14 عاما والعمل في حقول الأرز. كما حققت النقابات ومنظمات المجتمع المدني من خلال الضغوط تحسينات ضخمة، وإن لم تكن كاملة، في تدابير سلامة العمال.

أيضا شغلت النساء المتعلمات وظائفَ المنظمات غير الربحية مثل بنك الفقراء (جارمين) ولجنة تطوير الريف البنجلاديشي، وهذه الأخيرة منظمة تنموية أخرى تحظى بتقدير كبير، فَهُنَّ يعملن على تحصين الأطفال وترقية المراحيض، وهُنَّ يعلِّمن القرويين القراءة، وهنَّ يشرحن طرائق منع الحمل، وهن يشجعن على التخلي عن زواج الأطفال.

بنجلاديش لم يكن لديها قادة سياسيون عظماء، لكن استثمارها في رأس المال البشري أوجد دينامية يمكننا كلنا أن نتعلم منها.

يصف البنك الدولي تجربة بنجلاديش بأنها «حكاية مُلهِمة في خفض الفقر» حيث تم انتشال 25 مليون بنجلاديشي من جُبِّ الفقر خلال 15 عامًا، وهبطت نسبة الأطفال غير مكتملي النمو لسوء التغذية بحوالي النصف في بنجلاديش منذ عام 1991، وهي الآن أقل مقارنة بالهند.

ها أنت أيها القارئ الكريم تهزُّ رأسك وتغمغم قائلًا: إن التزايد المفرط في عدد السكان سيقضي على التقدم الذي تحقق هناك، لكن في الحقيقة انخفض عدد الأطفال لدى البنجلاديشيات الآن في المتوسط من سبعة إلى طفلين فقط لكل أم.

باختصار، استثمرت بنجلاديش في أصولها الأقل توظيفًا في الاقتصاد وهم فقراؤها، وخصوصًا الأكثر تهميشا والأقل إنتاجًا لأنهم مصدر أعلى عائدات ممكنة التحقيق.

الشيء نفسه يمكن أن يكون صحيحا في أمريكا، فنحن لا يمكننا استخلاص المزيد من الإنتاجية من «بليونيراتنا». لكننا كبلد، سنستفيد كثيرًا إذا أمكننا مساعدة الأطفال الأمريكيين الذين لا يكملون حتى تعليمهم الثانوي وتبلغ نسبتهم طفلًا واحدًا بين كل سبعة أطفال.

ربما ذلك ما يمكن أن تفعله حملة بايدن على فقر الأطفال ولماذا يجب جعل عنصرها المركزي، وهو برنامج الائتمان أو الخصم الضريبي للطفل، إجراء مستديما.

تذكرنا بنجلاديش بأن الاستثمار في الأطفال المهمَّشين لا يتعلق فقط بالرحمة ولكن بمساعدة البلد على الارتقاء.