محمد الرحبي
محمد الرحبي
أعمدة

نوافذ: بندول ساعة التفاؤل

11 أبريل 2021
11 أبريل 2021

لم يكن أشد المتشائمين يتوقع أن نستقبل شهر رمضان الفضيل في الظروف ذاتها التي عشنا بها أجواء أواخر شهر شعبان العام الماضي..

والفارق كبير بين الزمنين، رغم أن السنة أصبح مرورها كالشهر، ما أن نعتاد كتابة رقمها حتى نجد أنفسنا قد شارفنا على وداعها.

لكن الفارق في الزمن «الكوروني» هائل، فبين نقطتي التاريخ هناك أضرحة فتحت مصاريعها بشراهة، وطوابير من اليتامى والثكالى يتوزعون على أغلب الحارات في بلادنا، كما هو شأن الوضع العالمي، غنيه وفقيره.

قالها رئيس الوزراء البريطاني جونسون، ذات يوم يبدو بعيدا: إنه علينا توقع توديع المزيد من الأحبة، لكننا سرعان ما استعدنا رباط التفاؤل، وقلنا إنها معركة كسبناها، رغم كل خسائرنا، ففي مرحلة ما كنا نترقّب المؤشر البياني ينخفض بسلاسة، حتى لم يعد في المستشفيات إلا بضع وخمسون حالة، وفي العناية المركزة قلنا إن نهاية الشهر لن تأتي إلا وقد فرغت هذه الأسرة المحفوفة بالأنابيب والأجهزة، لتستقبل المرضى الآخرين المؤجّلة عملياتهم على وقع النفير في ساعة كوفيد التاسع عشر.

قائمة طويلة من الأحبة الذين فقدناهم على مدار هذه الرحلة البشرية المعذبّة، جعلت من التسمية تعيش في تفاصيل يومياتنا، نفتح الصحف على أخباره، ونغلق نشرة الأخبار المسائية على إحصائيات ما خلّفه زحفه..

يتأرجح بندول ساعات يومنا، ما أن نصاب ببعض التفاؤل على وقع انتشار تلك الزجاجات الصغيرة التي تبدو «الحصن الحصين» فنكتسب المناعة ضد أجنحة كوفيد الخفيّة حتى يعود التشاؤم بكآباته، العالم يخسر رهاناته، والإشاعات تحاصر لقاحاته، وما لا يعدّ من أحجار يأس تضعنا في المربع الأول من جديد.. مع فارق تلك الخسائر الموجعة.

يا له من فيروس مراوغ، كلما قلنا إنه بدأ بالتلاشي عاد إلينا بموجة أشد، يتحوّر ويتخفّى، ولعل التفاؤل الإنساني لا مناص منه مع وجود العلم الذي بدا في لحظات كثيرة أنه خسر رهانه مع هذا الفيروس لكنه الخالق عز وجل «علّم الإنسان ما لم يعلم»، والحمد لله أنه علّم الشرق والغرب ذلك، لأن محيطنا متخصص في إنتاج اللقاحات ضد الحياة، وليس من أجلها!

هل فعلًا سنبدأ رمضان تاليا بالأجواء ذاتها التي كنّا عليها قبل عام من الآن؟!

وهل نملك من التفاؤل ما يجعلنا نتوقّع أننا في الشوط الأخير من هذا السباق، وسيتم تحصين الكرة الأرضية من هذا الوباء، وستعود دورة الحياة كما كانت، لكن.. حتى وإن انسحب «كوفيد-19» من حياتنا، سيظل حافرًا اسمه في ذاكراتنا، كما لم يحدث لمرض من قبل، حتى مع علاقتنا المؤلمة مع سائر الأمراض الخبيئة، فلم نخف من مرض كخوفنا من هذا وقد أجبرنا على تغطية وجوهنا خشية من فيروساتها المتطايرة، وتباعدنا عن الأهل والرفاق، وأغلقنا شوارع مدننا وقرانا، وصرنا نخاف حتى أن نجده يتوسّد معنا ذات الوسادة ونحن في عز النوم.. والغفلة!