أفكار وآراء

شبكة أمان ما بعد الجائحة

06 أبريل 2021
06 أبريل 2021

خورخي ج. كاستانيدا -

تعاني الولايات المتحدة حاليا من جائحة (كوفيد -19) وركود اقتصادي عميق وتصاعد التوترات العرقية مما جعل العديد من المراقبين يتوقعون- البعض كان يحدوه الأمل وآخرون باستسلام - أن انتخابات 2020 سوف تؤدي إلى تغيير كبير في العقد الاجتماعي للبلاد ولحسن الحظ يبدو أنهم كانوا على حق، فالمقترحات بتعزيز دولة الرعاية وشبكات الأمان الاجتماعي قد أصبحت جزءا من التيار الرئيسي السائد وهذا لا ينطبق على الولايات المتحدة الأمريكية فقط.

لقد جادلت في مايو 2019 أن أمريكا كانت مستعدة لدولة رعاية أكثر قوة علما انه قبل الجائحة بوقت طويل فإن المنصات والوعود للعديد من المرشحين الرئاسيين الديمقراطيين - بما في ذلك اليزابيث وارن وبيرني ساندرز على يسار الحزب ووسطيين مثل جو بايدن واندرو يونغ بالإضافة إلى مايكل بلومبيرغ على يمين الحزب- كانت توحي بتحول ملحوظ لليسار في العديد من القضايا. لقد أيد هؤلاء المرشحون الرعاية الصحية الشاملة ورعاية الأطفال وتعليما عاليا عاما مجانيا ورواتب تقاعدية أعلى ودفعات بطالة.

لقد كانت قضايا الحد الأدنى للأجور والبالغ 15 دولارا أمريكيا بالساعة وضرائب الثروة غير العقارية والدخل الأساسي الشامل وعلاوة الطفل على جدول الأعمال أيضا كما تعهد عدة مرشحين أيضا بالتصدي للعنصرية الممنهجة في قطاع الإسكان والنظام القضائي وتقديم برنامج جديد صديق للبيئة وحتى ضمان وظيفة حكومية فيدرالية لأي شخص يسعى إليها.

لقد كان لدى معظم المعلقين شكوك بأن أيا من تلك المقترحات سيحظى بالقبول في حملة الانتخابات الرئاسية أو حتى تحت حكم إدارة ديمقراطية وعلى الرغم أن العديد من الناس كانوا يريدون دولة رعاية أمريكية جديدة، كانت لدى الجميع تقريبا شكوك بإمكانية حدوث ذلك.

لكن الجائحة أدت إلى ولادة جديدة للنظرية الكينزية ودولة الرعاية في أوروبا الغربية واليابان وكندا وأجزاء من أمريكا اللاتينية وغيرت شروط الجدل الأمريكي بطرق كانت تبدو في السابق غير واردة في معظمها. لقد أنفقت الحكومات ما يقدر بمبلغ 13.8 تريليون دولار أمريكي أو 13.5 % من الناتج المحلي الإجمالي العالمي من أجل التصدي لتأثيرات الجائحة بما في ذلك مبالغ ضخمة للصحة والإجازة المدفوعة والأنشطة التجارية الصغيرة والنساء والأطفال.

في البداية، كان صناع السياسات يتعاملون مع غالبية ذلك الإنفاق على انه ضرورة مؤقتة حتى تصبح لقاحات (كوفيد-19) متوفرة ولكن بينما طال أمد الأزمات الصحية والاقتصادية، صار من الواضح بشكل متزايد أن العديد من تلك الإجراءات المؤقتة، إما أن تصبح دائمة أو أن تشعل جدلا عالميا رئيسيا يتعلق بالحاجة إلى نوع جديد من دولة الرعاية.

إن هناك ثلاثة أمثلة تظهر أن هناك تغييرا في الطرح. أولا، خطة الإنقاذ الأمريكية للرئيس بايدن والتي تكلف مبلغ 1.9 تريليون دولار أمريكي والتي صادق عليها الكونغرس في مارس وكما يوحي الاسم فإن هذه الخطة ليست عبارة عن حزمة استراتيجية طويلة الأمد تستهدف إعادة بناء الولايات المتحدة الأمريكية وشبكة الأمان الاجتماعي المتهالكة والمختلة فيها ولكنها تتضمن عدة مكونات محتملة لشبكة الأمان الاجتماعي.

إن من أكثر تلك المكونات أهمية التغييرات التي أجراها بايدن على الائتمان الضريبي للأطفال والذي يمكن أن يصبح النسخة الأمريكية لمخصصات الأسر في فرنسا أو مخصصات الأطفال في كندا وبينما توفر خطة بايدن التمويل لسنة واحدة فقط بالنسبة للمخصصات الجديدة، يسعى بايدن والديمقراطيون في الكونغرس لجعلها دائمة. على النقيض من الخطط الفرنسية والكندية الشاملة، فإن الائتمان الضريبي للأطفال هو عبارة عن مخصصات تعتمد على مقدار الدخل ولكن مهما يكن من أمر فإن الإجراء الجديد يرفع من الحد الأقصى للمخصصات التي سوف تتلقاها معظم الأسر الأمريكية بما لا يزيد عن 80% لكل طفل ويوسع نطاقها لتشمل ملايين الأسر والذين لا يكسبون ما يكفي من الأموال لجعلهم مؤهلين للاستفادة بموجب القانون الحالي.

إن أكثر من 93% من الأطفال الأمريكيين- 69 مليونا - سوف يتلقون مخصصات وطبقا لبعض التوقعات فإن المخصصات الجديدة يمكن أن تخفض الفقر عند الأطفال في الولايات المتحدة الأمريكية بنسبة إجمالية تصل إلى 45% و50% بين الأطفال من أصول إفريقية. إن خطة بايدن تضاعف تقريبا أيضا من الائتمان الضريبي من أجل رعاية الأطفال بحيث يصل إلى 100 مليار دولار أمريكي سنويا تقريبا. إن المؤشر الثاني الذي يحمل دلالات في هذا الخصوص هو قيام الصحيفة البريطانية الأسبوعية المؤثرة والمؤيدة تقليديا لحرية الأسواق (ذا ايكونومست) مؤخرا بتخصيص غلافها والمقال الرئيسي فيها بالإضافة إلى تقرير طويل عن الولادة الجديدة لدولة الرعاية وعلى الرغم من أن المجلة شككت في حكمة سياسات بعض الدول وتقدمت بسلسلة من الاقتراحات لدول الرعاية الأوروبية ، إلا أنها أقرت بوضوح أن هناك حاجة لإصلاح شامل أو إعادة بناء لمعظم شبكات الأمان الاجتماعي في الدول الغنية وبالإضافة إلى ذلك أقرت ذا ايكونومست بمنطق عجز الإنفاق في وقت تقترب فيه معدلات الفائدة من الصفر تقريبا وتنتشر حالات الركود العميق في كل مكان وحتى أنها لاحظت تزايد شعبية الدخل الأساسي الشامل.

المثال الثالث يأتي من أمريكا اللاتينية، حيث كان من الواضح وبشكل متزايد وحتى قبل الجائحة أن شبكات الأمان الضيقة والضعيفة والمكلفة - والتي ضعفت بشكل كبير بسبب التخفيضات في الميزانية - كانت تشعل الاضطرابات والاستياء. إن الاحتجاجات الواسعة في تشيلي في أكتوبر ونوفمبر 2019 على سبيل المثال عكست الغضب بسبب الرعاية الصحية غير الكافية والأجور والرواتب التقاعدية المنخفضة والتعليم العالي المكلف جدا. بالمثل رفض الناخبون المكسيكيون بأغلبية ساحقة سنة 2018 الحزبين الرئيسيين اللذين حكما البلاد منذ بداية الحكم الديمقراطي وبدلا من ذلك انتخبوا مانويل لوبيز اوبرادور كرئيس وهو شخصية يسارية شعبوية تثير الرعاع وتحظى بالقبول من مواطنين لديهم مشاعر استياء يمكن تفهمها من عدم المساواة الكبير والخدمات الاجتماعية السيئة جدا والمدارس المتواضعة واقتصاد غير رسمي ضخم يقصي نصف السكان من شبكة الأمان الاجتماعي. لقد بدأ برنامج الأمم المتحدة الإنمائي - فرع أمريكا اللاتينية في أغسطس الماضي في رعاية سلسلة من الاجتماعات الافتراضية تتعلق بإعادة بناء دول الرعاية في الأمريكيتين وتأثير الجائحة على شبكة الأمان والأبعاد المالية لإعادة تعريف الحماية الاجتماعية ومن أجل مناقشة تلك القضايا قمت أنا والمدير الإقليمي لبرنامج الأمم المتحدة الإنمائي لويس فيليبي لوبيز- كالفا وعضو مجلس الشيوخ التشيلي السابق كارلوس اومينامي والكاتب المكسيكي هيكتور اغويلار كامين وجاسبارد استرادا من معهد باريس للدراسات السياسية بعقد مناقشات لمجموعة من السياسيين والمفكرين من يسار الوسط ينتمون إلى عدة دول من أمريكا اللاتينية بالإضافة إلى الولايات المتحدة الأمريكية بما في ذلك مسؤوون حكوميون وقادة معارضة .

إن حقيقة حدوث تلك المناقشات بحد ذاتها عن تشكيل دولة رعاية جديدة تعتبر أمرا ذا أهمية كبيرة وشاهدا على بروز هذه القضية على مستوى المنطقة. والطريق إلى دولة رعاية أقوى لا يزال طويلا ومتعرجا وخاصة بالنسبة للولايات المتحدة الأمريكية وأمريكا اللاتينية ولكن الذي يحدث في أمريكا غالبا ما ينتشر سريعا ليصل إلى بقية العالم وسواء كان ذلك إيجابيا أو سلبيا ولكن مما لا شك فيه أن التعزيز الأخير لشبكة الأمان الاجتماعي هو نتيجة مرحب بها.

**وزير خارجية المكسيك الأسبق وأستاذ في جامعة نيويورك.

** خدمة بروجيكت سنديكيت