حمده الشامسية
حمده الشامسية
أعمدة

"عليك بالتدبير ولو كنت على البير"

04 أبريل 2021
04 أبريل 2021

حمدة بنت سعيد الشامسية

[email protected]

سأل عمرو بن العاص معاوية بن أبي سفيان في نهاية حياتهما عما يتمناه من الدنيا وقد صار أميرا لأقوى دولة في عصره وأغناها، فقال: أما الطعام فقد مللت أطيبه، وأما اللباس فقد سئمت ألينه، وحظي الآن في شربة ماء بارد في ظل شجرة في يوم صائف، سأل معاوية بدوره عمرو بن العاص والذي كان تاجرا عبقريا ومن أثرياء المسلمين فأجاب: عين خرارة في أرض خوارة تدر علي في حياتي ولولدي بعد مماتي، بمعنى عين ماء لا ينقطع، وأنعام وزرع مدى الحياة، ويبقى لأولاده من بعده.

هكذا كانت عقلية المؤمنين الأوائل فهم عملوا لآخرتهم لكنهم لم ينسوا نصيبهم من الدنيا، فكونوا ثروات هائلة، كان البعض منهم يستطيع وحده تجهيز جيش كامل بماله، اليوم يكتفي البعض منا بوظيفة ثابتة تدر عليه دخلا مضمونا، وإن لم يشعر في قرارة نفسه أنه يكفيه، ونصرف جل هذا الدخل ودخل المستقبل أيضا على شكل قروض تلازمنا ما حيينا، على متطلبات اليوم، غافلين عن المستقبل، لولا رحمة رب العالمين بنا وظهور صناديق الادخار الإجباري المتمثلة في صناديق التقاعد والتأمينات الاجتماعية.

فقد سادت بيننا ثقافة الاستهلاك بشكل كبير على حساب الادخار، الذي كان سمة هذا المجتمع دوما، فلم يغفل الجيل السابق من ادخار جزء كبير من إنتاجه لوقت الحاجة، وإن أخذ الادخار أشكالا مختلفة وفقا للسلع المنتجة، من تمور، ودبس، وليمون مجفف، أسماك مجففة وما إلى ذلك، كنا نشهد في طفولتنا طقوسها الجميلة التي كانت القرية تجمع عليها في احتفالات جميلة.

المتفحص لكتاب الله يجد حثا على الادخار في كثير من المواقع كهذه الأية {وَلْيَخْشَ ٱلَّذِينَ لَوْ تَرَكُواْ مِنْ خَلْفِهِمْ ذُرِّيَّةً ضِعَافاً

خَافُواْ عَلَيْهِمْ }، ويذكرنا بمبدأ الادخار قصة سيدنا موسى وسيدنا الخضر، الذي أصر على إصلاح جدار يوشك على السقوط في القرية التي رفض أهلها إطعامهم، في نموذج جميل جدا للادخار، فهذا الجدار كان يضم مالا لأيتام ، أراد حفظه حتى يبلغوا الرشد ويستخرجوه.

إذن الله يعلمنا أن نعيش اليوم، لكن لا ننسى الغد.