أمل السعيدية
أمل السعيدية
أعمدة

مم نخاف؟

30 مارس 2021
30 مارس 2021

أمل السعيدي

قرأت الكثير من المقالات التي تتحدث عن علاقتنا بالأخبار السلبية بجائحة كورونا، وكيف أننا نحرص على متابعتها لأسباب عديدة منها محاولة السيطرة على واقع نشعر أنه منفلت وعبثي. حتى وإن كان هذا الشعور واهماً. ومع ذلك فلنلقِ نظرة فاحصة على أكثر ما يخيفنا خصوصاً، وأننا نعيش هذه الأيام فرض قرار "منع الحركة"، فمع تقييد الحركة والتنقل، أكثر ما يسبب لنا الذعر هو مجهولية المستقبل. يحاول الإنسان استبدال هذا الشعور المفزع، بفعاليات كثيرة، يمكن أن يشاهد فيلماً لا يحتاج للتركيز، أو يبتاع أشياء عبر الإنترنت ليحصل عليها في وقت محدد في المستقبل، هكذا نتوهم أننا سنحصل على مستقبل موثوق وآمن ومتوقع. نخاف كبشر من الخوف نفسه، أن نستسلم له، يعني بالنسبة لنا أن ننجرف مع الحياة دون إرادة منا. ثمة فيلم أعده من أكثر الأفلام تفضيلاً بالنسبة لي وهو "الخوف من الخوف" أخرجه الألماني راينر فرينر فاسبندر والذي تم إنتاجه عام ١٩٧٥، مارغو الشخصية الرئيسية في الفيلم تخشى أن تخاف، فتنهار جراء ذلك. كم أحببتُ وتأثرت بهذا الفيلم عند مشاهدته لأول مرة قبل نحو ست سنوات. ربما علينا أن نخاف، أن نستسلم لحداد منضبط على كل ما يحصل اليوم في العالم، ربما يكون الخوف ناجعاً، يجعلنا أكثر حذراً وحساسية تجاه ما حولنا، يمكن أن لا يجدي الهرب في شيء. أفكر معك صديقي القارئ فيما يمكن أن تفعله لتهدئ خوفك لا أن تهرب منه، إن قراءة الروايات، قد تساعد كثيراً في موقف كهذا، فهنالك عالم مشيد دخل جسم مادي ملموس، تتغير فيه الأشياء وتمضي، لكنها تنتهي في آخر الأمر أو تتوقف.

فلنخف من شيء محدد، واضح، إننا نقاوم عدونا بتسميته أولاً وقبل كل شيء، فإذا قرأنا الجريمة والعقاب لديستوفيسكي، تابعنا مع راسكلينكوف هلاوسه بشأن ارتكاب جريمته، نواياه، وحساسيته الشديدة تجاه مواقف الآخرين عنه، وقدرتهم على فضح أمره، إننا نتقدم في قصة تشبهنا، لكنها ليست هلامية، بل أشبه بدب ضخم نراه جيداً. قد أقترحُ عليك أيضاً أن تقرأ حلقات زحل للألماني العظيم زيبالد، فهذا العمل تحديداً أشبه بأدب الرحلات، في كل مرة نقف على ساحل جديد، بداية من مخلفات الحروب، وحتى عمل وتكاثر دودة القز، إن شبح الكآبة الذي يخيم على هذه الكتابة، له فعل عكسي، إذ يمكن أن يهدئك، ناقلا اياك لمساحات جديدة من كشف الحزن البشري والتعامل معه، إنه حزن يطمئنك في محنتك الحالية، فلست وحدك، وربما سيمضي هذا كله ذات يوم.

الكثير من أصدقائي عبروا لي باستمرار عن خوفهم مما يحدث. هل سيعود العالم كما كان، والظروف الاقتصادية التي مازالت الجائحة تخلفها كل يوم، زعزعت أماننا الاقتصادي، لقد أصبحنا مهددين في كل شيء، لكننا لو تأملنا الواقع قليلاً لأدركنا أنه ما من وقت لم نكن مهددين فيه، عالمنا المتسارع، وما بعد الحداثة، التي جعلتنا نستهلك كل شيء حتى ذواتنا، لطالما كنا تحت وقع مصير متذبذب، هنالك القنابل النووية وغيرها، هذه المرة يمكن معاً أن نفعل شيئاً على الأقل، أن نحاول. لا بأس إن هذا طبيعي، سيكون الأمر مخيفاً لو أننا لم نكن خائفين، إنها استجابة غرائزية لما يحدث، إننا نريد أن نبقى، تحدث مع الآخرين، قل بأنك خائف، قلها لنفسك، اجعل من حياتك رواية عوالمها الغامضة وتأني أحداثها ستتوقف في آخر الأمر مهما بلغت تراجيديتها.