سالم العبدلي
سالم العبدلي
أعمدة

الاستثمار الأجنبي بين الواقع والطموح

28 مارس 2021
28 مارس 2021

سالم بن سيف العبدلي

من الموضوعات الكثيرة التي طرحناها في هذه الزاوية موضوع تشجيع الاستثمار وقد أفردنا مساحة لا بأس بها للحديث عن قانون الاستثمار الأجنبي وعن بعض القوانين الاقتصادية المهمة التي صدرت في عام 2019 كقانون الشراكة بين القطاعين العام والخاص وقانون الخصخصة وتناولناها بشيء من الشرح والتفصيل نظرًا لأهميتها حيث تهدف إلى توفير بيئة استثمارية جاذبة للاستثمار كما أن لها أهمية كبيرة في اكتمال منظومة التشريعات والأنظمة التي توفر المناخ الاستثماري المناسب في السلطنة وتأتي في إطار استكمال متطلبات دولة القانون والمؤسسات.

ويقال دائما: إن رأس المال الأجنبي جبان بمعنى أنه إذا لم يجد البيئة المناسبة والجاذبة لاحتضانه فإنه بكل سهولة يغادر للبحث عن بيئة أخرى أكثر جذبًا وتمكينًا ولا يمكن التحكم في هذا المورد أو إجبار أي مستثمر كان أن يشغل رأسماله في أي بلد ما لم تكن لديه القناعة التامة بأن أمواله سوف تتضاعف قيمتها وتعود عليه بالنفع والفائدة وفي أسرع وقت ممكن.

وهنا تكمن فرصة اقتناص اللحظة الأولى فهي مهمة للغاية هذه اللحظة تكون بداية جس نبض بالنسبة للمستثمر ومعرفة القوانين والتشريعات والإجراءات المطلوبة، في السابق تحدثنا وتحث عدد كبير من المهتمين بالشأن الاقتصادي المحلي وعبر وسائل الإعلام المختلفة ومن خلال وسائل التواصل الاجتماعي عن حالات بعينها لمستثمرين كانوا مستعدين أن يدخلوا باستثمارات كبيرة إلى السلطنة وفي مجالات مختلفة إلا أنه بسبب البيروقراطية والروتين وتعدد الجهات التي يتطلب موافقتها على إقامة مشروعاتهم ذهبوا بأموالهم إلى أماكن أخرى.

وعندما نتحدث عن القوانين الاقتصادية خاصة التي صدرت مؤخرا نجد أنها مشجعة وجاذبة وتوفر مناخًا مناسبًا للاستثمار فقانون استثمار رأس المال الأجنبي على سبيل المثال يمنح المستثمر الأجنبي العديد من المزايا والإغراءات فهو يحل محل القانون السابق والذي صدر قبل حوالي 26 سنة حيث عالج بعض الثغرات والنواقص في ذلك القانون إلا أنه على أرض الواقع فإن الأمر يختلف كلية، تطبيق هذا القانون وغيره من القوانين يحتاج إلى إرادة وعزيمة.

قامت وزارة التجارة والصناعة وترويج الاستثمار قبل سنوات بإنشاء المحطة الواحدة والتي أطلق عليها فيما بعد «استثمر بسهولة» ورغم أهمية هذه الخطوة في تشجيع الاستثمار وتقليل الإجراءات إلا أنها غير كافية في ظل الوضع الحالي حيث إنه ما زالت هناك عقبات وتحديات كبيرة تواجهها الوزارة المذكورة فعلى سبيل المثال توجد في كل وحدة حكومية دائرة وأحيانا مديرية مستقلة تعنى بالاستثمار وبعض الجهات ما زالت متمسكة بالإبقاء والسيطرة على الأمور المتعلقة بالاستثمار في القطاعات التي تخصها وهذا بلا شك يعيق الاستثمار المحلي ويحد من تدفق رؤوس الأموال الأجنبية إلى السلطنة.

وكنا قد طالبنا في مقال سابق بدمج قطاع ترويج الاستثمار ضمن وزارة التجارة والصناعة وإلغاء الهيئة العامة لترويج الاستثمار وتنمية الصادرات وقد تم ذلك في إطار إعادة هيكلة المؤسسات الحكومية ويأمل الجميع أن يتغير الوضع خلال الفترة القادمة للأفضل بعد هذا الدمج وتطبيق القوانين بشكل صحيح.

ونأمل أن تكون التوجيهاتٍ السامية الأخيرة لحضرة صاحب الجلالة - حفظه الله ورعاه - بتشكيل لجنة إشرافية لبرنامج جلب الاستثمارات الخاصة للسلطنة ومساندة الصادرات العُمانية في الأسواق الخارجية بمثابة المحرك والواعز للمسؤولين من أجل المضي قدما نحو تطبيق القوانين والتشريعات الجاذبة للاستثمارات، وحسب المسؤولين بوزارة التجارة والصناعة وترويج الاستثمار فإن البرنامج يعد أحد مسرعات المرحلة الأولى للخطة التنفيذية لـ«رؤية عُمان 2040»، والمرتبطة بمحور الاقتصاد والتنمية إضافة لبرنامج الاستدامة المالية.

البرنامج يعتبر أحد المحفزات ضمن منظومة دعم الاقتصاد الوطني حيث يركز على تعزيز وتمكين دور القطاع الخاص في قيادة التنمية الاقتصادية، الذي يعتبر من مستهدفات الخطة الخمسية العاشرة (2021-2025)، وستشرف اللجنة المالية والاقتصادية المنبثقة عن مجلس الوزراء على هذا البرنامج حسبما أشار المسؤولون، حيث يعمل البرنامج على تحليل بيئة الاستثمار بالنسبة لرأس المال المحلي ورأس المال الأجنبي، والتحديات التي تواجهها، والآليات المناسبة لتحسينها، مع الاستئناس بالتجارب الدولية المتقدمة.

هناك قطاعات اقتصادية واعدة في السلطنة ركز عليها البرنامج الوطني للتنويع الاقتصادي «تنفيذ» بمختبراته المختلفة إلا أنه لم يتحقق منها على أرض الواقع إلا القليل وفي هذا البرنامج سوف يتم التركيز على القطاعات نفسها وهي السياحة، والثروة السمكية، والصناعات التحويلية، وتقنية المعلومات والاتصالات، والخدمات اللوجستية، إضافة إلى قطاعي الطاقة والتعدين، وسيتم تطوير قائمة بالمبادرات والمشروعات التي يستهدفها البرنامج على مدى السنوات الثلاث القادمة.

وحسب تأكيدات المسؤولين بأنه سوف يتم إدراج حزمة أخرى من القطاعات التنموية المختلفة مثل: التعليم والصحة والرياضة ضمن الحزم المستقبلية للبرنامج من أجل تمكينها من استقطاب الاستثمارات المحلية والأجنبية وهناك جملة من الإجراءات تعتزم اللجنة القيام بها وهي جميعها مشجعة من ضمنها تنمية القدرات الوطنية والتشغيل، وتطوير التشريعات والأنظمة، إضافة لإدارة أداء المؤسسات الحكومية ذات الصلة، والتواصل الإعلامي فهل يا ترى سوف نشهد نتائج ملموسة على أرض الواقع وليس على الورق خلال الفترة القادمة حيث إنه لا وقت للتأخير؟.