آمنة الربيع
آمنة الربيع
أعمدة

كلمة عمان بمناسبة اليوم العالمي للمسرح تكتبها الناقدة المسرحية آمنة الربيع

27 مارس 2021
27 مارس 2021

أيّ حياة يهبها المسرح!

آمنة الربيع

أيها المسرحيون الزملاء...

لقد تشرفت بكتابة هذه الكلمة بمناسبة اليوم العالمي للمسرح.

المسرح طقس ساحر وفن شاعري ووظيفي. إنه مساحة لعرض ما يقع بين الحقيقة والخيال، القبح والجمال. وهو وسيلة تنقلنا على بساط الكلمة والجوقة والموسيقى والتمثيل إلى فضاءات الانعتاق.

منذ أقدم تراجيديات ما قبل الميلاد، مرورا بعصر النهضة والتنوير والحركات الطليعية، ومن الحداثة وما بعد الحداثة، ومن مسرح الدراما إلى مسرح ما بعد الدراما، اهتم المشتغلون بالمسرح بنقل الإنسان من الأسطورة إلى المحاكاة، ومن المحاكاة إلى التجريب، ومن التجريب إلى تحولات جديدة في مفهوم النصّ المسرحي الدرامي وأنواع الإخراج والأداء والتلقي، وهي رحلة شبيهة بمراتب الانتقال من الجهل إلى المعرفة، ومن الكره إلى الحب، ومن الشقاء إلى السعادة، ومن الظلام إلى النور، ومن العبودية إلى الحرية. وكان ذلك الإنسان في مسارات انتقالاته وتعرّفه، كان يتعلّم من الألم، متذوقا حلاوة المعرفة، فالعلم بلغة الفلاسفة فضيلة لأنّ الجهل رذيلة ومرض.

تسعى العقول المدمرة في العالم إلى صناعة الحرب لتفتيت إنسانية الإنسان وبعثرته إلى أشلاء وشظايا. إن الروح متعبة وقلقة. ليس الخوف من الموت هو ما يسكن المسرحيّ؛ فكلنا راحلون، إنما القلق على المكتسبات الحضارية التي أسسها المسرح عبر الامتداد الحضاري الطويل من تقاليد وتجارب ومختبرات ودفاعات لإعلاء اسم الحرية، هي وحدها ما تُسبب الضجر. منذ هوميروس، وأسخليوس، وشكسبير، وبريخت، وبيرانديللو، والطيب الصديقي، وسعدالله ونوس، وفتحية العسال، وعبدالله السعداوي، والمسرحي يؤثث تقاليده وفرجاته الشعبية بروح مشرقة لاكتشاف المستقبل.

ومنذ بدأت جائحة كوفيد 19 بالتصاعد حتى أظهرت الرأسمالية المسلّحة شراستها في الاتجار بالمرض والدواء، وتقسيم العالم إلى نسب في استحقاق حياة كريمة من عدمه. وجد المسرحيون أنفسهم في بيوتهم كالسجناء، لقد تراجعت روح الحياة والمشاركة. ففي غياب روح الجماعة التي يجسدها العرض المسرحي فوق الرُّكْح، وتراجع الأداءات الفرجوية الحية التلقائية، تعرّض المسرح إلى أكبر الخسارات. غاب ضمير الجماعة وعلا ضمير الاجتهاد الفردي. ربما يكون هذا الوضع مؤقتا، لكنه أظهر إلى أي مدى أن المسرح لا يعيش إلا بين الناس.

ماذا يتهدد المسرح اليوم؟ في السابق كانت الحرب النووية والعسكر الذي يجثمون على العالم، لا شك هددوا القضايا العادلة، واليوم التقنية وزبائن السوشيال ميديا يستطيعون في العالم كله تهديد المسرح بإلغاء كتاب أو ندوة أو عرض مسرحي توهم فيه دعاة التشدّد أنه خطاب يُهدد حدود أيديولوجيا السلطات الغاشمة؟!

يُرينا المسرح كيف يصارع الخيرُ الشرَ، وكيف يخطط القتلة لدحر ضحاياهم، كما يُرينا البكاء والضحك، والخلافات والنزاعات. وفي غمار لهفة الفنانين والمبدعين المسرحيين لإنقاذ العالم من الوحل، والذنوب، والآلام، والتدهور، يجب الالتفات إلى جوهر الأشياء، وإذكاء روح جدية المشاركة، والوقوف مع الحق والاعتراف بالآخر وقبول الاختلاف ونبذ الطائفية والعنصرية. إن قوة المسرح في العالم تتمثل في قدرة المسرحيين من مؤلفين وممثلين ومخرجين وسينوغرافيين وفنيين أن ينقلوا اليومي بلحظاته وتفاصيل دقائقه وما يعتمل في النفس البشرية من مخاوف وآمال لتجسيدها على فضاء الرُّكح.

شخّص الموسيقار الروسي ديمتري شوستاكوفتش في مناسبة مستعادة كلماتها للمسرح قائلا: «ومن الواجب تجسيد المبادئ الإنسانية الطابع المتعلقة بالأخلاق الرفيعة والدعوة لإرساء السلام والصداقة بين الشعوب على أسس واقعية فوق جميع خشبات المسارح في أنحاء العالم» فهل نحن فاعلون؟ أيّ قلق يبعثه الموت؟ أيّ حياة يهبها المسرح!