حمده الشامسية
حمده الشامسية
أعمدة

عاجلا لا آجلا

28 مارس 2021
28 مارس 2021

حمده بنت سعيد الشامسية

[email protected]

نعتقد كبشر أننا عقلانيون عندما يتعلق الأمر بإدارة أموالنا، لكن هذا ليس حقيقيا، فنحن كبشر تحكمنا عواطفنا إلى حد كبير، وهو ما يسميه علماء الاقتصاد السلوكي بنظرية "عدم الاتساق الزمي"، فنحن نفضل المكافآت الصغيرة الآنية على المكافآت المستقبلية التي تكون في غاية الأهمية، وقد تصبح مسألة حياة أو موت عندما نؤجلها، وتصبح مكلفة للغاية للدرجة التي لا نتحمل معها تكلفتها، فاشتراكات التأمينات الاجتماعية الضئيلة التي نساهم بها في النظام من أجل تأمين مستقبل أسرنا، نجد الناس تتحايل بشتى الطرق حتى تتجنب دفعها، والحجة التي نكررها "حد ضامن عمره"، فقط عندما يتعرض أحدنا لإحدى المخاطر المغطاة بالتأمين، ويوشك أن يتقاعد عندها سيبذل المستحيل من أجل الخروج بمنافع لم يدفع تكلفتها، والبعض مستعد أن يشتري مدة بمبالغ كبيرة للغاية دفعة واحدة ليضمن عدم انقطاع الدخل عنه وعن أبنائه.

كثيرا ما يصادفني شخصيا أشخاص انسحبوا من النظام التأميني من خلال صرف مكافأة نهاية الخدمة، أدركوا مدى فداحة هذا القرار الذي أتخذوه، إحدى الحالات صادفتني قبل فترة قصيرة، تتحسر أنها غير قادرة على التقاعد أسوة بصويحباتها، وزميلاتها ممن خرجن للتقاعد هذا العام، في حين عليها هي أن تعمل 20 سنة أخرى لتستحق التقاعد، كونها خسرت المدة السابقة، نتيجة قرار غير صائب بعدم ضم المدة.

المؤسف أن مدخرات العمر هذه تصرف على أمور غير ضرورية على الإطلاق، الأمر ذاته مع عاداتنا المالية الأخرى، فنحن نحبذ شراء زجاجة عطر نريدها ولا نحتاجها، عوضا عن ادخار ثمنها، وشراء أسهم بها للمستقبل، نفضل قطعة حلوى نستمتع بها الآن، حتى لو عنى الأمر أن يدفع المرء كل مدخراته من أجل زرع كلية، أو كبد أتلفها إما بمضاعفات السكر أو أي مرض مزمن آخر، لأننا نقنع أنفسنا أن غيرنا ممكن أن يتعرض للأذى لكن ليس نحن.

كثير من الدول تنبهت لهذا السلوك، وجعلت أنظمة الحماية الاجتماعية إلزامية، لكن ما يؤسف له أننا في السلطنة وإن كنا جعلنا الاشتراك إلزاميا، إلا أننا تركنا الخيار للأفراد للخروج منها متى شاءوا خاصة نظام التقاعد المدني، الأمر الذي أخرج آلاف المواطنين وأسرهم من الحماية الاجتماعية، وضخم فاتورة المساعدات الاجتماعية.

أمر بحاجة إلى مراجعة فورية حتما، خاصة ونحن نعمل على خطة 2040، بحاجة أيضا إلى تعزيز ثقافة الادخار لدى الفرد، حتى لا نقع فيما وقعنا فيه هذا العام، الذي اكتشفنا بأن الكثيرين منا لم يكونوا مهيئين له، ولا لأي طارئ آخر.