4 احمد الفلاحي
4 احمد الفلاحي
أعمدة

نوافذ: استقلاليتنا في وعينا

26 مارس 2021
26 مارس 2021

أحمد بن سالم الفلاحي -

[email protected] -

أرى من منظور خاص، أن الوعي مسألة في غاية التعقيد، وأن الوصول إلى الوعي؛ الذي ينظر له، ليس بذلك الأمر الهين على الإطلاق، ولذلك يعاني، الأمرين، كل من ينبري للعمل في هذا الاتجاه، ويمكن قياس هذه المسألة على مستوى الأسرة الواحد، على سبيل المثال، فما بالك على مستوى قطاع كبير من الناس، كالوطن؟ فقناعات الناس ليست يسيرة، واستقبالهم لأمر ما يحتاج إلى فترة زمنية من المراجعة، واتخاذ القرار الذاتي، وقد تصل المسألة إلى ضرورة حدوث تجربة ما، في ذات الاتجاه، حتى تترسخ القناعة لأمر ما هو موضع النقاش، ومثال بسيط في واقعنا اليوم، يمكن النظر في مسألة الإحجام ولو كان نسبيا في أخذ لقاح (كوفيد19) على مستوى المواطنين على وجه الخصوص.

فلماذا الناس يعاندون؟ وقبل ذلك ربما يناقشون، ويجادلون، ومع ذلك قد لا يقتنعون، هل المسألة مزاجية، أم لها عوامل فسيولوجية، وبيولوجية، أم أنها طارئة، وتقاس على حالتها الزمانية والمكانية، والبيئة المحيطة بالأشخاص، ومجموعة الظروف المحيطة بالبيئة موضع التجربة؟ هناك من يربط الوعي الذاتي بالمسؤولية الذاتية، وينظر إلى أن من يملك وعيا معينا، يكون على قدر أكبر بالمسؤولية الذاتية، لأن الوعي يذهب بك إلى كثير من الفهم بحقائق الأشياء، وبالتالي تحتكم خطواتك اللاحقة نحو الأشياء، بحذر أكبر، وبمراعاة الكثير من الجوانب التي قد يفتقدها من هم أقل وعيا بما يدور حولهم، وبهذا يرتقي الوعي مستوى متقدما في تصويب مسارات الإنسان نحو السمو والمعالي، ومن هنا يحتل «قادة الرأي» المكانة التي يستحقونها أكثر من غيرهم، ذلك لأنهم أكثر وعيا من غيرهم، وأكثر إدراكا لكثير من حقائق الأمور، فمن الذي أوصلهم إلى هذا المستوى من التقييم بما يدور حولهم سوى الوعي؟ وهنا أيضا ثمة أسئلة تفرض نفسها في هذا السياق: هل الوعي يكتسب بالمعرفة، أو بخبرة الحياة، أم أن المسألة أغلبها فطرية؟

ينظر إلى كل الممارسات الـ«عشوائية» والنزقة، على أنها صادرة من أناس ليس عندهم الوعي الكافي الذي يؤهلهم لأن يضعوا الحسابات الدقيقة لمجمل تصرفاتهم، ولذلك يعمد المخربون اللجوء إلى «الغوغاء» من الناس، ويزجونهم في متون الأفعال المشينة التي تهدم ولا تبني، وخاصة في حالات المظاهرات والثورات، حيث يقع الجميع في مأزق «عقلية القطيع» التي لا تفرق بين الخطأ والصواب، وبين السار والضار، وبين الحرام والحلال، فتمارس كل الأفعال السيئة انطلاقا من قناعات وقتية، معبأة بكم كبير من الاحتقان والشحن النفسي السالب، ولذلك عندما تهدأ الأمور يدرك من كان أداة في يد غيره، مستوى الخطأ الفادح الذي كان عليه، وحينها لا ينفع الندم.

يحدث أحيانا أن يكون هناك تطاول على الوعي، من قبل نفس الفرد، وذلك عندما تناقض أفعاله أقواله، فهو يدرك أن ما يقوم به من أفعال غير صحيحة ممارستها، ولكنه يعاند نفسه، ويستمر في ممارسات أفعاله المجانبة للصواب، وذلك لإشباع حاجات نفسية في ذاته في أغلب الأحيان وفي بعضها هناك مراعاة لآخرين، ولا بد أن تقابل بقبض ثمن ما، فالمسألة ليست مجانية بالمطلق، وهذه من المصائب الكبيرة لحقيقة النفس، عندما تمارس بما لا تؤمن به، وهي الصورة الواقعة تحت مسمى الـ «انفصام الشخصي» وهذه في العادة لا يكون عليها إلا من فقد جزءا من عقله، وبالتالي فعندما يمارس ذلك من هو في عقله الكامل، فذلك يعد من أكبر المصائب للحقيقة الإنسانية، فالزاني والسارق، والكاذب، والمنافق، وغيرهم ممن يمارسون الأفعال المشينة، هم في أغلب الأحيان يدركون خطأ ما يقومون به، ومع ذلك يعاندون وعيهم الذاتي، ويرتكبون هذه الحماقات في حق أنفسهم أولا وفي حق الآخرين من حولهم ثانيا.