أفكار وآراء

حل الأزمة اليمنية .. هي كذلك مصلحة اقتصادية لبلادنا والخليج العربي ؟

24 مارس 2021
24 مارس 2021

د/ عبدالله باحجاج -

أصبح يميز السياسة الخارجية العمانية الآن، أربعة عوامل إضافية جديدة، ومهمة جدا، وبعضها غير مسبوقة، وهي، التنسيق المسبق مع كل الفاعلين الإقليميين والدوليين لصناعة أحداث وتطورات إقليمية جديدة، والتفاعل الديناميكي الزمني مع ولادتها، والوقوف موقف المؤيد المعلن لها، والكشف تزامنا معها، عن خطوات تالية لضمانة نجاحها، مما يجعل من هذه السياسة مسقط في موقع القيادة الإقليمية المنتجة للسلام والاستقرار في المنطقة.

وهذا ليس تنظيرا تمجيديا للسياسة الخارجية لبلادنا، وإنما هو توصيف دقيق لواقعها الجديد ، ويمكننا تقديم مجموعة استدلالات عليها، ولن نذهب بعيدا في عملية بحثنا عن الاستدلالات ، فقد تجلت لنا مساء أمس الأول، فبعد أن أعلنت مسقط ترحيبها بالمبادرة السعودية لحل الأزمة اليمنية سياسيا، كشفت في الوقت ذاته، أنها تعمل مع أطراف إقليمية ودولية على صناعة تسوية تعيد لليمن أمنه واستقراره.

وهذان «الترحيب والكشف عن تسوية» لم يأتيا وليد اللحظة، أو ردة فعل، وإنما هما ضمن سياق تفاعلات السياسة الخارجية العمانية السرية والعلنية، ومبادراتها التي كانت تحدث وراء الكواليس، فقد كانت مسقط خلال الأشهر الأخيرة محطة لزيارات كل الأطراف الفاعلة ليس في الأزمة اليمنية فحسب، بل وفي أزمات إقليمية أخرى، مما قد نشهد توالي الأحداث والتطورات الإيجابية قريبا.

هذا يعني أن استعادة الأمن الإقليمي، كان يحتل قمة أولويات السياسية الخارجية العمانية خلال الأشهر الماضية، مما يترتب عليه الآن نتائج كبيرة تصب في مصلحة التفاؤل الكبير لحل الأزمة اليمنية، بدليل؟ أنه بمجرد كشف مسقط عن قيادتها لتسوية مع أطراف إقليمية ودولية، من بينها الرياض والولايات المتحدة الأمريكية، تعزز فرص الأمل في المبادرة السعودية، وتعاظم التأييد الإقليمي والدولي لها، فلمسنا موقفا إيرانيا يدعم المبادرة السعودية ويضيف عليها شرط رفع الحصار، ومن ثم موقف آخر إيراني، يؤيد فيه أي حل سياسي يؤدي إلى تشكيل حكومة دون تدخلات أجنبية.

وبروز مسقط الآن في مركزية القيادة الإقليمية لحل أزمات المنطقة عبر أدوات جديدة، مثل التنسيق المسبق مع الأطراف الفاعلة، ومن ثم إنتاج مشاريع سلام من رحمها، ليس قفزا على الديناميات أو سحبها من الآخرين، وإنما هو تحديث وتطوير لدينامية فاعليتها التاريخية، فهي الفاعلية الإقليمية المؤهلة لذلك، بخبرات سياستها ودبلوماسيتها التاريخية من جهة وعلاقاتها مع الدول والأطراف المتنازعة كذلك، كإيران وجماعة أنصار الله مثلا من جهة ثانية، وعامل القرب الجغرافي الملاصق والمتداخل مع الجغرافية اليمنية من جهة ثالثة.

لكن، العنصر الجديد هنا في معادلة القيادية المركزية الإقليمية للسلطنة، يكمن في التنسيق والتقارب والتناغم مع الرياض، ونعتقد أن هذا ناجم عن جهود كبيرة سرية بين مسقط والرياض، مما يجعلهما الآن يستعيدان الثقل الإقليمي، كونهما دولتين خليجيتين كبيرتين، وهذا تطور يحسب كإنجاز للعهد الجديد في بلادنا، ومن خلاله ستشهد المنطقة الخليجية بعربها وفرسها مرحلة جديدة بعد أن توفر لها البعد الدولي الذي يتجسد في عودة بريطانيا للمنطقة في ظل مصالحها الاقتصادية الكبيرة مع إيران، وكذلك عودة الديمقراطيين للحكم في أمريكا.

الذي يشغلنا هنا، هو مدى انعكاس انفراج الأحداث السياسية في المنطقة مثل حل الأزمة اليمنية، على اقتصادنا العماني والاقتصاديات الخليجية على وجه الخصوص، ودول المنطقة والعالم عامة ؟ فكيف ينبغي تصور هذا الانعكاسات؟ على التفكير السياسي العماني والخليجي أن يعطي لهذا التساؤل حقه المعتبر في المناقشات السياسية الراهنة، لأن حل الأزمة اليمنية ينبغي أن يفتح الآفاق الاقتصادية للدول الخليجية الست للخروج من أزماتها الاقتصادية والمالية، فالحل السياسي المرتقب للأزمة اليمنية، يحمل الكثير من الفرص الاقتصادية لنجاح الدول الخليجية الست في تنويع مصادر دخلها بعيدا عن النفط والغاز، وتنشيط قطاعاتها الاقتصادية المعرقلة الآن بسبب أزمة النفط وكورونا، ويوفر فرص عمل كبيرة للباحثين عن عمل.

وتتجلى أبرز هذه الآفاق، في إعادة إعمار اليمن، وهنا تظهر بلادنا من جهة ولاية المزيونة ومنطقتها الحرة في محافظة ظفار، وموانئ البلاد الاستراتيجية كالدقم وصلالة، كأهم بوابات إعادة إعمار ما دمرته الخمس سنوات من الحرب في اليمن، وهذا يحمل بلادنا الاستعداد من الآن لهذه المرحلة، فالمليارات من الدولارات ستعبر من خلال بواباتها في مرحلة إعادة إعمار اليمن، فكيف ينبغي أن يكون للشركات العمانية الحصة الكبيرة منها؟ كما أن قرب حل الأزمة اليمنية، تدفع بالدول الخليجية الست من الآن إلى المبادرة العاجلة في تسريع تنفيذ برامجها الاقتصادية المشتركة التي تحقق تكاملها الاقتصادي، لعل أبرزها، مشروع القطار الخليجي، ودوره في مرحلتي إعادة إعمار اليمن، وكذلك في مرحلة ما بعد الإعمار، وإقامة علاقات اقتصادية ضخمة مع اليمن، بهدف صناعة اقتصاد خليجي قائم على التكاملية والنفعية المتبادلة بعيدا عن الاستفراد والأنانية، فالأحداث الجديدة التي تصنع العالم الجديد، تثبت من الآن، أن أي دولة خليجية لن تتمكن من إقامة اقتصاد وطني بمعزل عن شقيقاتها الأخريات.

ودعونا هنا، نغوص قليلا في الماضي، ونربطه بالحاضر والمستقبل حتى ندلل على الحتمية التكاملية للاقتصاديات الخليجية ، ومن رؤية صغيرة على هذا الماضي، نقول الآتي: تعطي تجربة مجلس التعاون الخليجي منذ تأسيسه عام 1981 وحتى الآن، الكثير من القناعات السياسية والاقتصادية الراسخة، وإذا ما غلبت الدول الست العقلانية والبراجماتية المحكومتين بمصالحها العليا، فلن تختلف بشأن هذه القناعات، وما أحوجها الآن إلى العمل بها - أي القناعات - وبلورتها بصورة مشتركة، لأنها أمام تحديات وجودية جديدة، تفرضها كل السياقات الداخلية والخارجية والدولية، والمقلق فيها، تقاطعها جميعا في مرحلة التحولات الاقتصادية والمالية الخليجية، وانعكاساتها الاجتماعية الخطيرة على مجتمعاتها.

ومن بين أهم ابرز هذه القناعات: - أن أي طرف دولي، لا يمكن الوثوق به، مهما كانت للدول الخليجية معه من معاهدات واتفاقيات دفاع مشتركة طويلة الأجل، فهل الاتفاقيات القديمة مع كبرى الدول العالمية، منعت ابتزازات ترامب أو حصنت أمنها من استهدافها بصواريخ إلى داخل عمقها الوطني؟ - وفي كل عهود الديمقراطيين والجمهوريين، تتحول دول الخليج العربي إلى ما يشبه ساحات لكرة قدم عندما يصل أحدهما للبيت الأبيض.

- انشغال إدارة الرئيس بايدين طوال فترة عهده، بالصين كمنافس لبلاده اقتصاديا وجيواستراتجيا، وروسيا عسكريا وجيواستراتيجيا.

- بروز طرف دولي قديم / جديد يتولى المسؤولية التاريخية في الخليج بالتنسيق والتعاون مع واشنطن، لكن،هل ينبغي أن تكون الدول الست متصالحة فيما بينها أم مختلفة. - انخفاض أسعار النفط، وعدم استقرارها المتوالي، والتوقعات المتشائمة لنضوب النفط، واندلاع جائحة كورونا،ودروسها .. وكذلك البعد الدولي الجديد،تعيد للواجهة مجددا سياسة التكامل الاقتصادي بين الدول الست مع الانفتاح العميق مع اليمن. والنتيجة المترتبة على تلك القناعات في ظل تحدياتها المعاصرة، نحصرها في التساؤل التالي: هل بإمكان كل دولة من الدول الست أن تصنع اقتصادا مستقلا لوحدها دون نفط أو غاز ؟ خاصة إذا أخذنا بعين الاعتبار أن استراتيجية ترامب لمحاصرة بكين، سيكون أهم محاورها ، وقف امتداد بكين وتعاونها الاقتصادي والاستثماري الإقليمي والعالمي «كما يقول خبراء ومسؤولون عرب كبار سابقين» حتى لا تقلب المعادلات الدولية، لذلك ستنشغل واشنطن ببكين وموسكو أكثر من انشغالاتها بالخليج. وهنا، نتساءل، هل العمل الفرداني الخليجي، سيمكن كل دولة خليجية من صناعة اقتصاد وطني مستدام، بمعزل عن محيطها الخليجي؟ علما بأن هذا المحيط تتكامل فيه كل عوامل قيام اقتصاد خليجي مشترك بين الدول الست، التساؤل عميق، وجدير بالمناقشات من قبل العواصم الست، وهذا يحتم عليها إعادة النظر في سياسات التنافس الاقتصادي والحروب الجيواستراتيجية فيما بينها، وبناء ثقة جديدة، تؤمن بالتكامل كأساس وجودي للدول الست. ونقترح تشكيل لجنة رفيعة المستوى من وزارات الخارجية والاقتصاد والتجارة والصناعة وترويج الاستثمار ومن غرفة تجارة وصناعة عمان .. لدراسة مرحلة إعادة إعمار اليمن والفرص الاقتصادي لبلادنا، حتى تكون بلادنا جاهزة لهذه المرحلة من الآن، كما نقترح تشكيل لجنة خليجية عالية المستوى لفتح ملفات التكامل الاقتصادي بين الدول الست، فالحاجة تحتم التكامل عاجلا في المجالات التالية : التجارة البحرية والنقل، والأمن الغذائي والدوائي، والتكامل في الطاقة المتجددة، وتنفيذ مشروع القطاع الخليجي في أسرع وقت ممكن .. الموضوع مفتوح لمقالات أخرى.