أفكار وآراء

قابوس سلطان السلام والحكمة

23 مارس 2021
23 مارس 2021

عوض بن سعيد باقوير -

يظل السلطان قابوس بن سعيد -طيب الله ثراه- من القيادات ذات الطابع الإنساني الذي يتطلع إلى عالم يسوده السلام والتسامح والتعاون بعيدا عن شرور الحروب والصراعات التي يموج بها العالم شرقه وغربه خلال النصف قرن الأخير وفي تصوري ومن خلال معطيات موضوعية فإن السلطان قابوس بن سعيد -طيب الله ثراه- هو حالة قيادية متفردة جمعت كاريزما القيادة والبعد الإنساني لما ينبغي أن يكون عليه عالم اليوم ولا شك أن حصول السلطان الراحل على أعلى جائزة من جمهورية الهند الصديقة وهي جائزة غاندي للسلام هو تعبير من أكبر ديموقراطيات العالم سكانًا بالدور الكبير الذي انتهجه السلطان الراحل في خدمة قضايا السلام العالمي من خلال مبادرات وتحركات في السر والعلن خلال نصف قرن.

ولعل التطرق إلى المحيط المحلي من خلال إيجاد مجتمع عماني متماسك ووحدة وطنية راسخة وانتشال الوطن من الفقر والجهل والمرض إلى آفاق أرحب من التنمية الشاملة والسلم الاجتماعي هي إشارة مبكرة بدأت منذ انطلاق فجر النهضة المباركة عام ١٩٧٠ حيث إن تلك الملامح والرؤية الحضارية للإنسان والأرض معا شكلت نظرته للعالم من خلال إطلاق انتهاج سياسة خارجية فريدة هي الأفضل عمليا في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا خلال نصف قرن دون ضجيج إعلامي ودون حتى الإعلان عن بعض الجهود لصالح الدول الشقيقة والصديقة.

سلطان السلام

السلطان قابوس بن سعيد - طيب الله ثراه- رجل ذو نزعة إنسانية من خلال فكره الإصلاحي ومن خلال عبارته الشهيرة «عفا الله عما سلف» على صعيد المحيط المحلي حيث كان هدفه بناء الوطن والتخلص من آثار الماضي الأليم ومن خلال رؤيته المحلية انطلق نحو تطبيق تلك السمات والقواعد المنظمة للعلاقات الدولية نحو انتهاج فلسفة واضحة تقوم على تطبيق روح السلام والمحبة بين شعوب العالم من خلال جملة من المبادرات على صعيد قضايا التراث والمناخ، وعلى الصعيد الثقافي وإطلاق المؤتلف الإنساني بين الثقافات وخلق حالة من التعايش السلمي والتعاون بين دول العالم من خلال النموذج العماني الذي جعل السلطنة واحة للسلام والاستقرار وأيضا بذل الجهود لإقرار الاستقرار والأمن في منطقة الخليج في مبادرته الأولى عام ١٩٧٦ من خلال اجتماع لوزراء خارجية دول المنطقة الثماني في مسقط. وكان الهدف هو خلق حالة من السلام في منطقة حساسة، شعر ومن خلال فكره ورؤيته العميقة، بأن المنطقة دون وجود رابط قوي من التعاون والأطر الأمنية سوف تنزلق إلى حروب وصراعات وهي رؤية تحققت بعد أربع سنوات فقط، حيث اندلعت الحرب العراقية الإيرانية التي امتدت لثماني سنوات من إهدار الطاقات البشرية والاقتصادية، حيث راح ضحية تلك الحرب القاسية ملايين البشر من الجانبين. ولا شك أن الفكر الذي يقوم على قيم السلام والتعاون هو جزء أصيل من فكر السلطان الراحل -طيب الله ثراه- من خلال شهادات وحوارات صحفية من قيادات العالم ومفكريها.

ومن هنا فإن تلك الاستحقاقات من الجوائز من دول العالم وآخرها من الهند وهي جائزة غاندي الرفيعة تعد مسألة حتمية للإنسان والسلطان الذي كرس حياته لدعم تلك القيم الإنسانية والحضارية الرفيعة، وهي دروس لمن يريد أن يتمعن في تلك التجربة الثرية لرجل أدرك بحسه السياسي بأن انتهاج سياسة محددة وموضوعية هو أمر استراتيجي للحفاظ على أمن وسلامة الوطن لأسباب تتعلق بالجغرافيا أولًا ، فموقع السلطنة الفريد على البحار المفتوحة شمالًا وجنوبًا حيث بحر عمان ومضيق هرمز أهم الممرات البحرية أهمية وهناك بحر العرب والمحيط الهندي جنوبًا حيث الممرات البحرية التجارية مع العالم.

ومن هنا فإن السلطان قابوس بن سعيد -طيب الله ثراه- سيبقى حالة متفردة في عالم اليوم وخلال نصف قرن، فما يدور الآن من حراك سياسي على صعيد الأزمات الإقليمية خاصة الحرب في اليمن أو من خلال الحوار بين إيران والغرب حول العودة إلى الاتفاق النووي الإيراني، وحتى على صعيد الوضع في سوريا وليبيا تجد بصمات سلطان السلام واضحة وهناك امتنان من العالم للجهود الكبيرة للسلطان الراحل حتى أيامه الأخيرة، وهو يبذل كل مساعي الخير ومنها القضية الفلسطينية التي كان له دور كبير ليس فقط على الصعيد السياسي ولكن على الصعيد الإنساني والتنموي.

جولة مسقط للاتفاق النووي

كشاهد عيان على أحداث الجولة قبل الأخيرة للاتفاق النووي الإيراني التي عقدت في مسقط كان هناك من قيادات العالم من يرى بأن عقد تلك الجولة كان اعترافًا وتكريمًا للجهود الكبيرة التي بذلها السلطان قابوس بن سعيد -طيب الله ثراه- على مدى سنوات سواء مع الجانب الإيراني.

ومن خلال اتصالات وزيارات كللت بالنجاح أو من خلال اتصالات مع قيادات العالم وخاصة قيادة الولايات المتحدة الأمريكية في عهد إدارة أوباما وكان النقاش بأن إنجاز الاتفاق النووي الإيراني هو إنجاز دولي كان للسلطنة ومن خلال جهود سلطان السلام دور محوري جنَّب المنطقة والعالم شرارات حرب مدمرة في منطقة الخليج، ومن هنا فإن هذا المشهد هو أحد مشاهد عديدة في إرساء قيم السلام والتعاون وكانت اليمن الشقيق في وجدان وفكر السلطان قابوس بن سعيد- طيب الله ثراه- ومنذ السنوات الأولى من عقد السبعينيات من القرن الماضي حيث كان يشعر بالأخوة الصادقة والعمق التاريخي مع اليمن الشقيق وأن اليمن هي دولة ذات حضارة وأن الوقوف معها هو جزء أصيل من المسؤولية الأخلاقية والقومية.

وقد بذل السلطان قابوس بن سعيد-طيب الله ثراه- جهودا كبيرا في لم شمل الأشقاء على مدار سنوات وكانت زيارته التاريخية لليمن في بداية عقد التسعينيات من القرن الماضي مثلت حدثًا هامًا كما أن زيارة الرئيس اليمني إبراهيم الحمدي منطلقا نحو تعزيز الأخوة مع الأشقاء ولا تزال العلاقات العمانية اليمنية علاقات نموذجية وها هي السلطنة تواصل دورها الدبلوماسي لإيجاد حل لوقف الحرب الكارثية في اليمن وهناك بوادر حل تلوح في الأفق من خلال مبادرة المملكة العربية السعودية الشقيقة.

السلطان قابوس بن سعيد- طيب الله ثراه- هو شخصية عالمية متفردة حيث أوجد للسلطنة علاقات مع الجميع وجعل للسياسة الخارجية ذات ميزة متفردة تنطلق من خلال سمات هي المصداقية والوضوح والمساعدة على تقريب وجهات النظر والانطلاق نحو ترسيخ قيم السلام. ومن هنا فإن ذلك التكريم الرفيع من جمهورية الهند ومن قبلها من مراكز وجامعات مرموقة ومن خلال ذلك التقدير الكبير من قيادات العالم هو ترجمة حقيقية لرجل صنع السلطان ودافع عن قيمة ذلك السلام حتى أيامه الأخيرة وسوف يظل العالم يتذكر السلطان قابوس بن سعيد -طيب الله ثراه- بكل التقدير والاحترام لما قدمه للإنسانية من جهود في كل المجالات وسوف تظل تلك الجهود حافزا لإقرار قيم السلام بعيدا عن شرور الحروب التي دمرت القيم الإنسانية وتدفع الشعوب ثمنا باهظا كما يحدث الآن في بعض أقاليم العالم وسوف يظل هذا الزعيم العربي والعالمي نموذجا لما ينبغي أن تكون عليها القيادات من تكريس الجهود والفكر لخدمة الأوطان والإنسانية وجعل السلام هدفا كبيرا لانتشال البشرية من أوجاعها . رحم الله السلطان قابوس بن سعيد وسوف يظل العالم يقدر ذلك الفكر وتلك الإرادة الوثابة لخدمة كل ماهو مفيد للإنسان أينما كان.

** صحفي ومحلل سياسي