محمد الرحبي
محمد الرحبي
أعمدة

الوظيفة: أم.. وأب (أيضا)

21 مارس 2021
21 مارس 2021

محمد بن سيف الرحبي

بعيدا عمّا يقال من تحليل وتحريم لتخصيص يوم يسمى "عيد الأم" فإن التسميات تنتشر عالميا، ومثل هذه المناسبات (الفرائحية) فهي حصّتنا من "العولمة" التي أشاعت مناسباتها لدرجة أنها أصابتنا أيضا بمشاعر "فالانتاين"، والورد الأحمر والقلوب الحمراء، وغيرها ممّا حدث في هذه القرية الكونية الصغيرة.

وبعيدا عن تحويل مثل هذه الوقفات الجميلة في سياقات تسارع حياتنا إلى مناسبة استهلاكية وضاغطة على الكثيرين، كما تضغط مخترعات أخرى لم تكن في نسيجنا الاجتماعي المحلي منذ سنوات، وأهمها أعياد الميلاد، حيث تكاثرت الأسماء المحيطة بنا، في محيط الأسرة، الوظيفة، الأصدقاء، وهذا متفشّ أكثر في عالم النساء، كأنهن يطرقن أبواب الفرح قدر المستطاع، وسط الضغوط الأخرى، ولذلك فإن يوم الأب لا يتذكره أحد، كما يتذكرون الحادي والعشرين من مارس، ليكون مخصصا لـ"ست الحبايب".

لماذا المرأة؟ لماذا الأم تحديدا؟!

أكاد أجزم أنه على سطح كرتنا الأرضية لا يوجد من ذاق المرارات كهذا الكائن الجميل / المعذّب، هذه التي نرى فيها الملاك، إن أحببناها، والشيطان إذا قست القلوب، فتعامل معها (البعض) فعلا من فكرة (القارورة) حيث يشرب منها إن احتاج، ويمضي عنها مكسورة، حتى وإن كان المتسبب فيما وصل إليه حال فخّارها، وقد كان الأجمل في عينيه، يوم أن كان يعرف قيمة ما صنعه الله من ضلعه، لا من طين لازب، وفق رؤية الخلق للرجل والمرأة.

كل بيت يلزمه جناحان لتستمر دورة الحياة الطبيعية بين جدرانه، والتي تبقى جدرانا في غياب "المودّة والرحمة" داخله، لكن مغادرة الأم / الزوجة، نهائيا أو لسبب قاهر، لا يتشابه مع رحيل الرجل، بوجودها يستمر البيت قويا مهما بدت الصعوبات والتحديات، مظلته أقوى مما لو فقد رجله، ولكلمة "فقد" أكثر من معنى، قد يكون معنويا، حيث حضور "الرجل" لا يختلف عن غيابه.

بإمكان المرأة/ الأم أن تبقى "رجل البيت" بامتياز، وكأن جناحه الآخر لم يسقط، تربّي أبناءها، يكبرون بتميّز حيث المحبة والإحساس بمسؤوليتها أن تضعهم على طريق الرجال الحقيقيين، كتعويض عمّن/ عمّا فقدوه، فتكون لهم الأب والأم.. وأكثر.

أما لو انعكست المعادلة، وليس من باب المبالغة، فإن الرجل (أو لنقل بعض الرجال من باب وضع خطّ رجعة للتنصّل من التعميم).. هذا الرجل سيفكر، ولو بعد حين من الوقت، متى سيجلس إلى المأذون مرة أخرى؟!

هذا يجعلنا نفكر بجدية: لا تظلموا الأمهات ببقائهن طويلا في خدمة "المكاتب" من خلال وظيفة كالقيد، فالثمن المدفوع أسريا مفجع، وما يحصل عليه المجتمع من تقاعدها، (يكفيها 15 عاما في سجن الوظيفة) أضعاف ما ينفعه بقاؤها "موظفة"، وراتبها التقاعدي تعيل به أسرة، تكبر أمام عينيها، لا عيني "عاملة المنزل"!.