4 احمد الفلاحي
4 احمد الفلاحي
أعمدة

نوافذ: الـ «كرسي»

19 مارس 2021
19 مارس 2021

أحمد بن سالم الفلاحي -

[email protected] -

يشكل الـ «كرسي» في الذاكرة الجمعية أهمية خاصة، وهذه الأهمية تذهب به إلى أن يتصدر المشهد في مناخات الحياة الكثيرة، وقد يحتل كل الفراغات المتاحة التي تحتمل أن يكون هناك كرسي ما، يحمل دلالة ما، ومن هنا؛ على ما أتصور؛ جاءت نكبة ممارسة الوظيفة، التي ربطت بـ «الكرسي» على الرغم من المحاولات الجادة، والمميتة؛ ربما؛ لأن تتحرر الوظيفة من مفهوم الـ «الكرسي» ولكن حتى الآن كل المحاولات تبوء بالفشل، كما يعرف ذلك الجميع.

هذه الصورة النمطية للكرسي، غربت الكثير من المفاهيم، سواء المفاهيم الوظيفية، التي هي الأقرب إلى الكرسي، أو المفاهيم القيمية، التي غرقت في متاهات الكرسي، حيث وظفت جل القيم تقريبا لخاطر هذا «الدلوع» الـ «كرسي» وعليه تماهت القيم التي يعول عليها لأن تتسامى على كل التجاذبات الذاتية، أو الجماعية، وتخلق لنفسها مسارا مستقلا، لا يخضع لأي إغراء مادي أو معنوي، لأنها الوحيدة التي يمكن الارتهان على نظافتها وصدقيتها، ولكن للأسف لا يزال الـ «كرسي» يستحوذ على نصيب الأسد في كل المساحات المشرعة أمامه، ويبدو أن لا مفر من الانضمام تحت لوائه المتسيد، ولتذهب كل القناعات إلى ما لا نهاية، فالمهم هو أن يبقى الـ «كرسي» بدلالاته الواسعة.

من ميزة الـ «كرسي» أن له القدرة على أن يفصلك عن واقعك، فالمسافة الفاصلة بين الأرض وجلوسك على مصطبته، أو ظهره، تشعرك بعلو ما، وقد يذهب ذلك إلى الزهو أيضا، وهذا الشعور يذهب بك إلى التفكير أو التخيل في أشياء كثيرة، ومن هنا يحرص البعض أن لا يكتفي بأي كرسي للجلوس عليه، فيحاول قدر الإمكان أن تكون هناك مواصفات معينة للكرسي، وخاصة للمستويات الكبيرة للوظائف، حيث الكراسي «الانتقائية» فليس أي كرسي مقبول، لأن تصميم الكراسي توحي إلى مكانة المسؤول، وأهميته، ومستواه الوظيفي، ومن هنا يأتي تنوع الـ «كراسي».

مشكلة الـ «كرسي» أنه لا يعي لماذا هو على هذا التصميم أو ذاك، يعتقد أنه يؤدي وظيفة روتينية، وهي أن يحمل من يجلس على ظهره، وفقط، لكن عندنا كبشر، فالمسألة تتخذ بعدا اجتماعيا، وآخر وظيفيا، وثالثا؛ وجاهيا، ورابعا مهنيا، وخامسا؛ تنافسيا، وقس على ذلك أمثلة كثيرة، وما بين هذه الوظائف كلها تتسلل المعاني والدلالات الذاهبة إلى كثير من الممارسات السيئة منها والحسنة، وإن كانت الحياة قائمة على هذا التوازن المقبول، إلا أن الكراسي قد يجانب جالسيها الصواب في كثير من الممارسات، فإذا هي أقرب إلى السيئ منها إلى الحسن، ولذلك تكتسب الـ «كراسي» أو تطغى عليها الصورة النمطية حيث تنسب إليها إساءات لا أول لها ولا آخر، كل ذلك من نتاجات أفعال البشر.

يعد مفهوم «كرسي الحلاق» من أكثر المفاهيم المتداولة في علاقة الـ «كرسي» بالوظيفة، حيث تذهب دلالة المفهوم إلى كل ممارسة سيئة يقوم بها الجالس على الـ «كرسي» مع الاحتفاظ بذاكرة الصورة غير المستقرة، ولذلك نسمع كثيرا: «اصبر عليه هذا كرسي حلاق لا يدوم» بما في ذلك من نبز، ولمز، ولؤم، وهذا ما يؤسف له حقا.

من التغريدات التي تم تداولها الأسبوع الماضي؛ وعلى نطاق واسع؛ التغريدة التي نصت على: «الشياطين ثلاثة أنواع: نوع يخاف من آية الكرسي، ونوع يخاف من فقدان الكرسي، ونوع يصفق للجالسين على الكرسي»- انتهى النص - حيث ظل الـ «كرسي» محور الاهتمام، وتم إسقاط رمزية «الشيطان» على العلاقة التي تربط الكراسي بمن حوله، وهي علاقة شديدة الحساسية، وإن كان ربط علاقة الـ «كرسي» بالشيطان، علاقة تحتاج إلى مراجعة، وتقييم أدق، لأن ممارسات الخطيئة التي يمارسها البشر، لا تقتصر على آلة الكرسي المطلقة، ولكن على كثير مما يوظفه الإنسان لخدمة ما يحقق له ما يريد.