أفكار وآراء

سحب من الاحتياطي أم اقتراض من صندوق استثماري؟

15 مارس 2021
15 مارس 2021

د. عبدالملك بن عبدالله الهِنائي*

عند بداية عام 1980 أنشأت السلطنة «صندوق الاحتياطي العام للدولة»، وقد حدد المرسوم السلطاني الصادر آنذاك موارد الصندوق، والتي منها «15% من صافي كل دفعة من دفعات إيرادات النفط»، كما حدد الأوجه التي تستخدم فيها موارد الصندوق وعوائده، حيث نص على أنه «لا يجوز سحب أي أموال من الصندوق إلا لغرض تمويل الميزانية العامة، أو لأداء مصروفات مالية مترتبة على الصندوق في حدود أحكام مرسوم إنشائه».

واضح أن الحكومة حين أنشأت الصندوق في عام 1980 حددته بأنه «صندوق للاحتياطي العام للدولة»، وأن أهم موارده نسبة من إيرادات النفط وأنه «يجوز السحب منه لتمويل الميزانية العامة». ومع أنه قد تم إدخال بعض التعديلات على نظام الصندوق في وقت لاحق فإنه بقي طوال عمره الذي استمر حوالي أربعين عاما، يقوم بالدور نفسه الذي أنشئ من أجله وينسجم مع مسماه.

كذلك بقي الصندوق يستثمر معظم موارده وأصوله خارج السلطنة، وكان معظمها في الاستثمارات ذات العائد الثابت مثل السندات، مبتعدًا إلى حد كبير عن الاستثمارات عالية المخاطر.

في عام 2020 تم إنشاء «جهاز الاستثمار العماني»، وقد نصت المادة الثالثة من مرسوم إنشائه على أن للجهاز نظاما يصدر به مرسوم سلطاني. كذلك نصت المادة الرابعة من المرسوم على أنه تؤول إلى جهاز الاستثمار «كافة المخصصات والاختصاصات والحقوق والالتزامات....التي كانت لصندوق الاحتياطي العام للدولة»، ونصت المادة الخامسة على أن تؤول إليه كذلك ملكية كافة الاستثمارات الحكومية، ما عدا شركة تنمية نفط عمان ومساهمات الحكومة في المؤسسات الدولية وكذلك الشركات التي يصدر بها أمر من جلالة السلطان.

واضح أن مرسوم إنشاء جهاز الاستثمار العماني لم يشر إلى أن الجهاز هو «صندوق احتياطي للدولة»، وبذلك زال اللبس الذي كان موجودًا، حيث إن مصطلح «احتياطي الدولة» غالبا ما يعني احتياطي الدولة من العملات الأجنبية، وهذه كما معروف تقع تحت مسؤولية البنوك المركزية وليس الصناديق السيادية، التي هي في الأساس صناديق استثمار، أما الاحتياطي من العملات الأجنبية فالهدف الأساس منها تقوية العملة الوطنية وضمان قبولها بسعر الصرف المقرر لها، سواء كان سعر صرف ثابتًا أو عائمًا.

في الأيام القليلة الماضية تناقلت وسائل الإعلامي الرسمية ووسائل التواصل الاجتماعي خبرًا قال: إن الحكومة استلمت خلال الفترة المنقضية من العام الجاري قروضا بلغت 1.35 مليار ريال عماني، وأنها سحبت أو ستسحب 600 مليون ريال عماني من الاحتياطي، وذلك لتغطية العجز في الميزانية المقدر بحوالي 2.4 مليار ريال عماني.

ورود الخبر بهذه الصيغة، أي «السحب من الاحتياطي» يدل على أن جهاز الاستثمار العماني ما زال يقوم بالدور نفسه الذي كان يقوم به «صندوق الاحتياطي العام للدولة» وهو العمل كجهاز يتم السحب منه لسد عجز الميزانية العامة عند الحاجة!.

واضح أن نص المادة الرابعة من المرسوم السلطاني الذي صدر بإنشاء «جهاز الاستثمار العماني»، وهي المتعلقة باختصاصات الجهاز هو نص عام، وليس هناك نص صريح ولا ضمني في مرسوم إنشاء الجهاز يجيز سحب أموال منه لتمويل الميزانية العامة، وذلك على خلاف ما نصت عليه ضمنا المادة السادسة من مرسوم إنشاء «صندوق الاحتياطي العام للدولة».

وما دام الأمر كذلك، وحيث إنه لم يصدر حتى الآن «نظام الجهاز» المشار إليه في المادة الثالثة من مرسوم إنشائه، فقد يكون من المناسب إبداء الرأي حول دور الجهاز في الاقتصاد، وتحديدا في كيفية مساهمته في دعم الميزانية العامة عند الحاجة. ويمكن تناول هذا الموضوع من زاويتين، كلتاهما له علاقة بحوكمة الجهاز وتحسين كفاءته.

الزاوية الأولى تتصل بعلاقة الجهاز بالأجهزة الحكومية الأخرى، وتحديدا بوزارة المالية.

من الطبيعي أن يرتبط أي جهاز استثمار حكومي بوزارة المالية، وذلك بصفتها الجهة المعنية بأملاك الدولة وبإيراداتها ومصروفاتها، لكنه من المناسب أن يكون هناك شيء من الفصل في اتخاذ السياسات والخطط في كل منهما، أو على الأقل أن يكون بينهما ما تسمى «الجدران الصينية « Chinese walls » ولذلك حتى لا يتخذ جهاز الاستثمار سياساته وخططه تحت ضغط احتياجات الميزانية العامة أو الخزينة، بل يجب أن يضع الجهاز تحسين كفاءة استثماراته وتنويع إيراداته في الصدارة، وأن لا يضطر تحت ضغط عجز الميزانية إلى تسييل بعض أصوله للسحب منها لتمويل ذلك العجز، وهو عجز مزمن وقد يحتاج إلى فترة طويلة لسده، مما قد يتكرر معه تسييل الجهاز لعدد من أصوله، لذلك من المهم أن تكون تشكيلة مجلس إدارة الجهاز منسجمة مع ذلك التوجه، وبما يؤكد على استقلاليته.

الزاوية الثانية تتناول الكيفية التي يمكن أن يرفد بها الجهاز الميزانية العامة، فحيث إن الجهاز لم يعد كما كان «صندوق احتياطي» فمن الأنسب أن يكون رفده للميزانية في صورة إيرادات معلومة يوردها سنويًا وليس في صورة دعم لتغطية العجز فيها، وذلك عن طريق تخصيص نسبة معلومة من أرباح الشركات التي يملكها.

كما أنه من المناسب أن تخضع أرباح الجهاز للضرائب كغيره من الصناديق الاستثمارية، خاصة أن بعض استثمارات الجهاز في الخارج تستفيد من اتفاقيات «منع الازدواج الضريبي» التي وقعتها السلطنة مع عدد كبير من الدول.

وإذا لم تكن إيرادات الجهاز كافية لتغطية متطلبات تغطية العجز في الميزانية فإنه من الأنسب أن يكون إسهامه في تغطية العجز في صورة قروض ذات فوائد منخفضة وتسترد على مدى سنوات معينة، قياسا على الفوائد التي تتقاضاها صناديق التنمية عند إقراضها للدول، أو قد تكون كمنحة غير مستردة، ويمكن أن يقوم الجهاز في وقت لاحق بشطب القرض أو إعادة جدولته، إذا كانت هناك ضرورة.

إن تعامل جهاز الاستثمار مع الميزانية العامة ودعمها لها في صورة أرباح وضرائب يرسخ من سياسة التنويع الاقتصادي وتنويع الموارد المالية التي هي ركن أساسي في سياسة الدولة.

كما أن قيام الجهاز بإقراض الحكومة وفق القواعد المتبعة في القروض، هو في نظرنا أكثر مهنية من الناحية الاقتصادية، حيث إنه سيجعل الحكومة أكثر التزامًا بضبط الإنفاق العام، لأنها ستصبح ملزمة بسداد القرض، وهو في الوقت نفسه يجعل الجهاز أكثر التزامًا بتنمية وتحسين موارده.

أما من الناحية المجتمعية فإن الإعلان أن الحكومة «تسحب من صندوق الاحتياطي» له وقع أكثر سلبية على المجتمع من الإعلان عن أن الحكومة تقترض من جهازها الاستثماري أو أن الجهاز قدم منحة للحكومة لتنفيذ مشروع معين.

** باحث في الاقتصاد السياسي وقضايا التنمية