أفكار وآراء

الدبلوماسية العمانية.. وأدوارها الاقتصادية الجديدة

10 مارس 2021
10 مارس 2021

د. عبدالله باحجاج -

أمام وزارة الخارجية العمانية استحقاقات غير تقليدية، وغير اعتيادية، الآن أكثر من أي وقت مضى، وبالذات في مجالين أساسيين هما، جذب الاستثمارات الأجنبية واستقطاب السياح، أي تعظيم الدور الاقتصادي في العمل الدبلوماسي أسوة بالدور السياسي، بحيث لا يمكن الفصل بينهما- السياسة والاقتصاد - في الممارسة الدبلوماسية، وسيكون الرابط بينهما عضويا، لن يتجزآ ولن ينفصلا، وإذا ما غلبنا البراجماتية في الطرح، فإنه في حالات.. ينبغي أن يكون للاقتصاد السبق على السياسة، وهذا من أهم التحولات التي نستقرئها من مسارات راهنة، وأخرى مقبلة.

وهذه مرحلة غير مسبوقة في تاريخ الدبلوماسية العمانية يمليها منطلقان أساسيان هما، تخفيف الضغوطات الاجتماعية على خطة التوازن المالي الممتدة حتى عام 2024، وشروط نجاح رؤية عمان 2040 في مجالي جذب الاستثمارات الأجنبية والسياح، أي أن مهمتها الحديثة تكمن في الترويج لجاذبية السلطنة الاستثمارية والسياحية على وجه الخصوص إلى جانب مهامها التقليدية المعروفة.

وتنفتح وزارة الخارجية العمانية الآن عبر سفارات عمانية على الجانب الاستثماري في تحول لدور السفراء والسفارات، وهذا ما نلاحظه في نشاطات بعض السفراء في عواصم خليجية وآسيوية مركزية، كتركيا والسعودية، وقد عبر عن هذا التوجه الجديد، اللقاء المرئي لسفراء السلطنة في قارة آسيا، نظمته وزارة التجارة والصناعة وترويج الاستثمار بالتعاون مع وزارة الخارجية، مما يمنح وزارة الخارجية مركزية متعاظمة في مستقبل البلاد الجديد، وهذا مستحق من عدة اعتبارات ملحة هي:

- إخفاق الأساليب القديمة في التسويق للجذب الاستثماري والسياحي، واستنزافها أموالا طائلة.

- الحاجة الماسة إلى وسائل غير تقليدية للتسويق، وهذا يقتضي الاستفادة من نجاح الدبلوماسية العمانية المتراكم.

- اعتماد رؤية عمان 2040 على أكثر من «80 %» من الاستثمارات الخاصة المحلية والأجنبية.

- مستقبل النمو الاقتصادي في بلادنا، وتنويع مصادر الدخل، وإيجاد فرص عمل جديدة لمخرجات الآلاف من الطلبة سنويا، تتوقف كلها على جهود جذب الاستثمارات المحلية والأجنبية وانتعاش قطاع السياحة الذي يعد أهم مصادر تنويع الدخل في رؤية 2040.

- التوجه العالمي الجديد لترسيخ البعد الاقتصادي في العمل الدبلوماسي. من هنا، يحتاج هذا التوجه إلى إثراء النقاش فيه، لضخ أفكار مختلفة لتعزيزه وتوسيعه ومن ثم ترسيخه في الدبلوماسية العمانية في العهد السياسي الجديد، ولدواعي هذا الإثراء، نطرح التساؤل التالي:

س: كيف يمكن ترسيخ مفهوم الدبلوماسية الاقتصادية في العمل الدبلوماسي العماني كنهج ثابت وقيادي لجذب الاستثمارات والسياح وفق الاعتبارات التي أوضحناها سابقا ؟ وهنا، يكمن القول إن طابع التعاون الاقتصادي الدولي لوزارة الخارجية، يتعاظم الآن إلى جانب أدوارها التقليدية، ويعلوه بصورة لافتة، مما يفتح المجال لتطوير المسمى حتى يتناغم مع محتواها الجديد ؟ وهذا نقدمه كرؤية لإعلاء شأن التعاون الاقتصادي الدولي «شكلا ومضمونا» على مسماه الجديد «دلالة وتوجها وقيادة».

وكذلك، لو تمعنا في المضامين الجديدة لوزارة الخارجية، فإن استحداث منصب وكيل جديد لوزارة الخارجية تحت مسمى «وكيل وزارة الخارجية للدبلوماسية الاقتصادية» سيصب في الجانب التعزيزي المتخصص للبعد الاقتصادي في العمل الدبلوماسي، وهذا يفتح باب التخصص في العمل الدبلوماسي من جهة، وتشجيع توظيف المؤهلات الاقتصادية، وحضور الجانب الاقتصادي خاصة بشقيه الاستثماري والسياحي في البرامج التدريبية المكثفة للعاملين في السلكين الدبلوماسي والقنصلي، وكذلك شروط العمل الجديدة، وفي مرحلة ما.. قد نجد الحاجة تقتضي منح بعض السفارات أدوارا أساسية في استقطاب جذب الاستثمار واستقطاب السياح كالحق في منح تأشيرات للمستثمرين وأخرى سياحية وفق ضوابط محددة وخاصة - كما هو معمول به حديثا في دول أخرى - لكسر الروتين والبيروقراطية.

ويمكن للدبلوماسية الاقتصادية أن تستفيد كذلك من حالة تصفير أعداء السلطنة في العلاقات الدولية والإقليمية، واختيار دول اقتصادية ذات ثقة سياسية أو السعي إلى تعزيز الثقة مع أخرى سواء كانت خليجية أو أجنبية، وإقامة معها تحالفات اقتصادية ورقمية، وهذا المسار ينبغي الرهان عليه كثيرا لإحداث نقلة استثمارية تاريخية يعتد بها في مسار تأسيس مستقبلنا الجديد في ضوء ما يتجه إليه العصر من ثورة تكنولوجية غير مسبوقة.

وقد بدأ هذا التوجه يتبلور داخل منطقتنا العربية، فمن خلال زيارة رئيس دولة عربية لدولة أجنبية كبرى، تمت إقامة أكثر من ثلاثين شركة جديدة بين البلدين، والشيء نفسه، تحتاجه تنميتنا الوطنية في مجالات محددة، كالاستثمار في الأمن الغذائي وفي القطاع السياحي وفي التكنولوجيا وتوطينها والطاقة، ومثل هذه المجالات والقطاعات واعدة للسيولة المالية وللتوظيف وتأمين مستقبل البلاد.

ونعتقد أن أفضل ساحات الدبلوماسية الاقتصادية العمانية، هي أولا، مع الدول التي تربطنا بها اتفاقيات تعاون اقتصادية وعسكرية، ولها مصالح كبرى متعددة مع بلادنا بسبب موقعها اللوجستي وجيواستراتيجيتها المميزة، فالاستثمارات الجديدة معها ينبغي أن يشمل الاستثمار في تلكم القطاعات الاقتصادية وليست حصريا على القطاعات الاقتصادية القديمة والعسكرية فحسب.

فالربط، والترابط بينها، يحتم جهدا دبلوماسيا استثنائيا، وهنا نتساءل، هل زيارة وزير الدفاع البريطاني بن والاس الأخيرة للسلطنة، وقبلها زيارة وزير منطقة الشرق الأوسط البريطاني جيمس كليفرلي، قد تم بحث ملف رفع مستوى الاستثمارات البريطانية في السلطنة ومن منظور خدمة القطاعات الاقتصادية سالفة الذكر ؟

وثانيا، منطقة المنظومة الخليجية، وثالثا، الانفتاح على الاستثمارات الأخرى كتركيا، فخليجيا، فما أفرزته الأزمة الخليجية الخليجية الأخيرة من تداعيات كبرى، تدفع بالدول الست إلى العمل وفق مفهوم التكامل الاقتصادي والاعتماد المتبادل بعيدا كل البعد عن التنافس والحروب اللوجستية، ولو نفذت مشاريع التكامل المخطط لها بين الدول الست، فمن المؤكد سنرى الخليج في ثوب جديد، وسنرى التنمية الشاملة تنعكس على كل المجتمعات الخليجية. وقد رصدنا ممارسات دبلوماسية عمانية غير مسبوقة خاصة في عاصمتين مركزيتين، هما، الرياض وأنقرة، وقد قام بها سفيرا السلطنة فيهما، ولم تظهر نتائجهما سوى الكشف من قبل سفيرنا في تركيا عن إقامة منطقة صناعية تركية في الدقم خلال عام واحد، والطموحات كبيرة في توسيع التعاون الأجنبي سواء مع تركيا أو غيرها من منظور التحالف أو الشراكة الاقتصادية مع الشركاء القدامى والجدد ذات الثقة السياسية.

ونراهن هنا كثيرا على الأداء الدبلوماسي في هذه المرحلة الحساسة جدا، وهذا الرهان مبني على انكشاف ذكاء الدبلوماسية العمانية، وانفتاحها على تعزيز الثقة مع دول استراتيجية إقليمية، رصدنا نموذجا له، في تعبير السلطنة السريع عن تضامنها مع الرياض بعيد نشر إدارة الرئيس بايدين تقرير الاستخبارات الأمريكية عن مقتل خاشقجي، وإشادتها في الوقت نفسه، بالقضاء السعودي في محاكمته المتهمين، وهذا التضامن سيعزز مستقبل الثقة بين مسقط والرياض.

كل ما نتمناه، أن تكون الثقة الجديدة بين الدول الست، مبنية على القناعات الجديدة التي تفرزها عقود من الشك والتنافس والتجاذبات والصراع.. فتلك العقود قد ولت، وحلت محلها الآن، مفاهيم جديدة بمعطيات دولية وإقليمية حديثة، ترسم المستقبل لخمسين سنة مقبلة، وهنا دعوة للأنظمة السياسية الست إلى الاستفادة من تجاربها السابقة في صياغة علاقات خليجية ـ خليجية جديدة، وعلاقات خليجية ـ إقليمية وعالمية جديدة.

وسواء انطلقت الدبلوماسية العمانية من محيطها الخليجي أو الإقليمي والدولي في جذب الشراكات والتحالفات الاستثمارية الجديدة، فإنها ينبغي أن تظل محكومة بتحقيق أهداف رؤية عمان 2040، وعلى وجه الخصوص، تنويع مصادر الدخل واستيعاب لقوى وطنية كبيرة، وقدرتها على تعزيز النمو الاقتصادي في آجال زمنية منظورة، ومواكبة البلاد للتحديات التكنولوجية المقبلة.

وهذه النقلة التاريخية الجديدة للعمل الدبلوماسي في شقه الاقتصادي، يضع مختلف الوزارات المعنية بالملف الاقتصادي والسياحي أمام سباق مع الزمن في العمل غير التقليدي وغير الاعتيادي لتهيئة بيئات الجذب المختلفة، لاستقبال الاستثمارات وفق خارطة واضحة وشاملة للمشاريع في كل محافظة من محافظات البلاد حسب أهميتها الاقتصادية النسبية، بحيث تكون عملية تدفق الاستثمارات متوازية ومتوازنة في هذه الاتجاهات الجغرافية، وذلك حتى يشعر المواطن بالمتغيرات والتحولات الجديدة وهو في مسقط رأسه، مما يرفع عنده الآمال في الوظيفة التي طال انتظارها، وفي تحسين مستوى معيشته في ظل عصر الجبايات.

فمثلا، تحديد ماهية وحجم وعدد المشاريع في ظفار ومسندم ومصيرة والأشخرة والجبل الأخضر.. وكذلك في المناطق الاقتصادية الصناعية والتجارية والحرة.. الخ التي تتوفر فيها المزايا والامتيازات التي تحقق أهداف رؤية 2040، وتتوفر فيها فرص عمل كبيرة، وتكون محط تسويق وترويج الدبلوماسية الاقتصادية العمانية، وبهذه التكاملية والشمولية، نتوقع إحداث نقلة نوعية وكمية في الإنجازات المادية والمعنوية للجغرافيا والديموغرافيا وفي آجال زمنية قصيرة ومتوسطة، بدلا من الاعتماد على منظومة الضرائب والرسوم التي لها انعكاسات سلبية متزايدة على المجتمع.