أفكار وآراء

سباق عالمي على اللقاحات وعزوف محلي عن التطعيم

10 مارس 2021
10 مارس 2021

علي بن راشد المطاعني -

على الرغم مما تبذله وزارة الصحة من جهود كبيرة في توفير اللقاحات المضادة لفيروس كورونا «كوفيد 19»، إلا أنه وللأسف هناك عزوف عن الاستفادة من اللقاحات المستخدمة رغم تأكيدات وزارة الصحة على مأمونيتها وسلامتها، بل التأكيد أن الوزارة لن تستخدم أو تستورد اي لقاح ما لم يتم تجريبه والتأكد من سلامته، الأمر الذي يبعث على الاستغراب لهذا العزوف غير المبرر، وذلك يتطلب بالطبع اتخاذ إجراءات مغايرة بفرض المزيد من الحزم في التطعيم كغيره من الإجراءات التي أُتبعت في تطبيق الاحترازات وضبط المخالفين كآخر الحلول لمواجهة تفشي الوباء.

إن التعاطي غير الإيجابي سواء بعدم الأخذ بالاحترازات الصحية والاحتياطات المعلن عنها بشكل كاف، أو بالعزوف عن التطعيم وهو أمر لا يجب الاستهانة به، فتجريم من لا يستجيب للتطعيم ممن هم في السن العمري المعلن عنه يتعين أن يغدو واضحا باعتباره يعرض نفسه وغيره لمرض معد، وبالتالي يكون كمن ارتكب جريمة لا تطوله فقط بقدر ما تطول غيره وبتسببه في مشكلة اجتماعية صحية خطيرة.

وبالقطع فإن مثل هذه الممارسات أو التصرفات تذهب بجهود الدولة سدى، فلا هو التزم بالاشتراطات الصحية، ولا هو تقبل التطعيم، ومع هذا نسمع تفسيرات وتأويلات ما أنزل الله بها من سلطان، وليت أنها كانت دقيقة وصادقة، العكس هو الصحيح، وفي ظل هذا الجدل العقيم لنسأل أنفسنا لماذا الإغلاق والإجراءات المتخذة في هذا الشأن، أليست لعدم التزامنا وللاستهتار الذي يمارسه البعض في مقابل أمر خطير بكل المقاييس.

وزارة الصحة تسعى حثيثا للحصول على مليون و940 ألف جرعة وسط تنافس دول العالم في الحصول على أكبر حصة من اللقاحات على اختلافها وتأمينها لفائدة شعوبها في سوق تنعدم فيه الأخلاقيات الطبية وعدم الالتزام بالمواثيق والاتفاقيات في شأن هو حياة أو موت، من هنا جاء الهلع والضرب بالعهود والعقود عرض الحائط، فالذي يدفع أكثر هو الأولى بالرعاية والاهتمام، وفي المقابل وعلى الصعيد المحلي نجد التشكيك في فعالية التطعيمات قائما على قدم وساق من قبل شرائح واسعة في المجتمع وما يلي ذلك من عزوف مع سبق الإصرار والترصد عن التطعيم، في حين أن دول العالم الأخرى تلهث للحصول عليه.

في الحقيقة أن ما تقوم به وزارة الصحة من جهود كبيرة ومقدرة لتأمين الحصول على اللقاحات يقابل بعزوف واضح من قبل البعض، لهذا طالبنا باتخاذ الإجراءات الكفيلة بضبط إيقاع هذه التصرفات غير المسؤولة وبما يكفل سلامة الجميع.

وعبر المفارقات اللامنطقية، فإن الوزارة وإذا ما تأخرت في الحصول على اللقاحات ألقينا عليها اللوم بوضوح وجلاء وانطلقنا لتعديد الدول التي حصلت عليه لنقارنه مع التقاعس المزعوم للوزارة، ومع توفره نجد العزوف عنه بينا فما الذي يتعين على الجهات المختصة فعله غير هذا الذي أشرنا إليه وباعتبار أن آخر العلاج الكي.

إن عدم الالتزام بالاحترازات الصحية والنأي عن التطعيم يعكس حقيقة واحدة هي أن الاستجابة للتوعية في البلاد لا تأخذ مجراها الصحيح، وأن الوعي الصحي في المجتمع لا يزال دون المستوى المطلوب، أو أن الأمر يحتاج إلى إظهار الوجه الآخر الذي ما كنا نرغب في أن نعلن عن وجوده أصلا.

حتى اللحظة لا يزال الكثير من الناس خاضعا كليا للإشاعات والمزاعم التي تُبث عبر وسائل التواصل الاجتماعي حول التطعيم بدون إبراز أي أدلة علمية على صحة ما يزعمون، فقد تكون هناك أعراض تختلف من شخص لآخر، ولا يمكن أن نبني عليها دليلا حاسما على أنها ناتجة عن التطعيم.

بالطبع هناك من هو راشد صحيا ويستفيد مما توفره الدولة ويصغي بإيمان للاحترازات والإرشادات، إلا أن هناك فئات عنيدة ما زالت لا تلقي بالا بكل الذي يقال وبعد أن بح صوت المسؤولين وهم ينادون بالتوعية ويقدمون الشروحات ويوضحون الأخطار، ومع كل هذا لا حياة لمن تنادي !..

نأمل أن نعي تماما حقيقة أن الدولة ماضية في جهودها المضنية لتوفير اللقاحات كغيرها من الدول وتعمل بكل ما تستطيع من جهد في خضم السباق العالمي المحموم للحصول على الترياق العزيز، وكما أكدنا فإن الدولة لا ترغب أصلا في إظهار الوجه الآخر، كل ما ترغب فيه إبداء القدر الكافي من الفهم والاستيعاب لظروف المرحلة، وأن لا يجدف البعض ضد تيار الواقع بكل تجليّاته الواضحة للعيان..