أفكار وآراء

الدبلوماسية العمانية وملفات المنطقة

09 مارس 2021
09 مارس 2021

عوض بن سعيد باقوير *

تلعب الدبلوماسية العمانية دورا محوريا على صعيد أزمات المنطقة والعالم خلال نصف قرن من النهضة الحديثة للسلطنة من خلال عدد من المحطات الأساسية. ويمكن القول إن أول تحرك دبلوماسي وسياسي اتضح من خلال اجتماع وزراء خارجية دول المنطقة الـ8، وهي دول مجلس التعاون الخليجي والعراق وإيران وقد هدف الاجتماع الذي رعاه السلطان قابوس بن سعيد ـ طيب الله ثراه ـ إلى إيجاد منظومة أمنية تحافظ على الأمن والاستقرار في أهم منطقة حساسة ينطلق منها النفط والغاز إلى الدول الصناعية الكبرى في العالم وقد صدر عن الاجتماع بيان مسقط الذي يشير إلى ضرورة تلك الاستراتيجية الأمنية والتعاون بين دول المنطقة على ضفتي الخليج.

وفي تصوري لو طبق بيان مسقط عام ١٩٧٦ لتجنبت المنطقة أهوال الحروب والصراعات التي اندلعت وكان أكثرها قسوة وفداحة في البشر والاقتصاد هي الحرب بين الجارين العراق وإيران وهما دولتان مسلمتان وعضوتان في منظمة التعاون الإسلامي لتبدأ بعدها معاناة المنطقة وحروبها المختلفة ولا تزال آثارها متواجدة خاصة في العراق لتمتد المشكلات إلى دول عربية بعد أحداث عام ٢٠١١.

ومن هنا فإن الدبلوماسية العمانية كانت لها أدوار حاسمة تتسم بالحكمة والمصداقية طوال نصف قرن.

أزمات المنطقة

هناك حراك سياسي مشهود منذ بداية هذا العام وحتى قبله لتحريك عدد من الملفات المعقدة وقد نجحت دولة الكويت الشقيقة ومعها الجهد السياسي العماني في إيجاد المصالحة الخليجية والتي توجت من خلال قمة العلا بالمملكة العربية السعودية الشقيقة وهذا اختراق سياسي مهم يعيد لمجلس التعاون دوره الإقليمي الحيوي على صعيد التكامل الاقتصادي والتنسيق الأمني والسياسي.

وعلى ضوء ذلك بقيت هناك ملفات من الضرورة الاستراتيجية إيجاد حلول واقعية لها وهي الملف النووي الإيراني والحرب في اليمن ويمكن القول بأن التجربة التراكمية للسلطنة في الملفات المذكورة هي عملية حقيقية من خلال الحراك الدبلوماسي العماني الذي يمكن متابعته في الآونة الأخيرة من خلال استقبال العاصمة مسقط عددا من المسؤولين من الدول الشقيقة والصديقة ومن خلال اتصالات وزارة الخارجية خارجيا. ومن هنا فإن ملفي اليمن وإيران يعدان من الملفات المعقدة حيث إن الحرب في اليمن وصلت إلى مرحلة كارثية وهي تدخل عامها السابع وعلى الأطراف اليمنية بكل أطيافها السياسية أن تدرك أهمية وقف الحرب واعتماد آلية الحوار كخيار بديل عن الحرب التي تدمر مقدرات الشعب اليمني الشقيق.

ومن هنا فإن الدور الدبلوماسي العماني هو دور مقدر إقليميا ودوليا من خلال الشراكة مع دول العالم المختلفة كما أن الملف النووي الإيراني هو من الملفات الخطيرة على الأمن والاستقرار في منطقة الخليج حيث كان للسلطنة وقيادتها دور كبير في التوصل إلي الاتفاق النووي عام ٢٠١٥ وهو الاتفاق الذي جنب المنطقة الحرب والصراع المحتمل.

دور الدبلوماسية

يشهد العالم صراعات وحروبا كانت لها نتائج كارثية كما هو في الحالة اليمنية والسورية والعراقية والليبية علاوة على صراعات أفريقيا التقليدية وأيضا مظاهر التوتر في أكثر من إقليم وكان نهج السلطنة منذ فجر النهضة المباركة عام ١٩٧٠هو اعتماد النهج الدبلوماسي في حل الأزمات وكان هذا النهج ونجاحه يعتمد على ثوابت السياسة الخارجية للسلطنة التي تعتمد على المصداقية والاحترام المتبادل والتعاون وتبادل المصالح والمنافع وعلى ضوء ذلك نجحت الدبلوماسية العمانية باقتدار في كل محطاتها وجهودها خلال نصف قرن.

وما زلنا نتذكر الجهد العماني في الأمم المتحدة حول قرار النفط مقابل الغذاء حيث كان الشعب العراقي المحاصر في أمس الحاجة للدواء والغذاء وهذا دور عماني يشار له بالبنان علاوة على الجهد الإنساني في عدد من الأزمات ، كما هو الحال في اليمن الشقيق الذي يمر بظروف صعبة إنسانيا. ومن هنا فإن الدبلوماسية العمانية لها جوانب إنسانية كبيرة، وهذا يعطيها التميز والمصداقية من قبل المجتمع الدولي وقد رأيت ذلك شخصيا ومهنيا من خلال تغطية عدد من المؤتمرات الإقليمية والدولية واللقاءات الصحفية التي أجريتها مع عدد من السياسيين والدبلوماسيين حول العالم.

داخل السلطنة وخارجها

إن النموذج العماني على صعيد السياسة الخارجية هو نموذج مشرف من خلال محطات أشاد بها العالم شرقه وغربه وهذا النهج السياسي في عصر النهضة المتجددة متواصل كما أكد على ذلك جلالة السلطان هيثم بن طارق المعظم ـ حفظه الله ورعاه ـ في خطابه الأول وهذا يعطي بلا شك زخما متواصلا لهذا النهج الدبلوماسي الحكيم في ظل تخبط سياسي كما أشرنا في أكثر من إقليم حولنا وفي العالم ومن خلال التحركات السياسية الأخيرة فإن السلطنة تؤكد دوما على أن الحوار هو الخيار الاستراتيجي الذي يصل بالعالم إلى مرحلة السلام والتعاون ونبذ العنف والكراهية وإيجاد مقاربات سياسية تجنب الشعوب ويلات الحروب التي تتضرر منها المجتمعات وتهدر المقدرات.

تصريحات عديدة تصدر من كبار القيادات في العالم تشير إلى دور السلطنة وحكمة قيادتها ومن دول كبرى في العالم كالولايات المتحدة الأمريكية والمملكة المتحدة وروسيا والصين وغيرها من دول العالم، كما أن المساهمة العمانية تركز على أهمية دور المنظمات الدولية كالأمم المتحدة والتي ساهمت السلطنة في دعم أرشيف الأمم المتحدة وفي عدد من القضايا الثقافية على صعيد اليونسكو باعتبار السلطنة دولة ذات تاريخ عريق تقدر أهمية الحفاظ على التراث الإنساني ونشر قيم التسامح والحوار وتأكيد قيم السلام والمحبة بين الشعوب، كما أن الدور الإيجابي للدبلوماسية العمانية متواصل من خلال تلك القيم النبيلة وهذا شيء مهم في إطار النظرة الحكيمة للقيادة السياسية في بلادنا بعد نصف قرن من الجهد والصبر لتأصيل تلك المثل العليا على صعيد العلاقات الدولية. كما أن السفارات العمانية في الخارج يتعاظم دورها في مجال جلب الاستثمار وتوصيل تلك القيم والمفردات التي تساعد على إيجاد الحلول وهناك إشارات على الدور النشط لعدد من السفراء العمانيين في الخارج وهذا شيء إيجابي من خلال التركيز على الدبلوماسية الاقتصادية، كما في الحالة السياسية التي حققت من خلالها السلطنة سمعة دولية كبيرة واحتراما واسع النطاق وتبقى الدبلوماسية العمانية هي الوجه المشرق للنهضة الحديثة في السلطنة تزامنا مع النجاح الكبير في بناء الدولة العصرية الحديثة والتي أصبحت واقعا معاشا. ومع تجدد النهضة من خلال رؤية عمان ٢٠٤٠ التي سوف تنقل السلطنة إلى مسارات تنموية أكبر لتبقى السلطنة دولة السلام والاستقرار والتنمية الشاملة.

**صحفي ومحلل سياسي