محمد الرحبي
محمد الرحبي
أعمدة

نوافذ : صورة ملونة في الصفحة الأخيرة!!

07 مارس 2021
07 مارس 2021

محمد بن سيف الرحبي

ضمن أعراض "الإصابة بالحنين" الإقامة في برج المقارنة، ووصف ما مضى على أنه "مثير" وما جرى بعده "من الصعب توقعه"..

في عام 1987م حملني فضولي، أو لأقل طموحي، لاستكشاف ما في الطابق الأعلى لمبنى دار الجريدة في منطقة روي، حيث أن هناك تلك الأسماء التي أقرأها في الصحيفة فأنظر إلى وجوه حامليها حقيقة، تمنّيت لو كنت معهم "فأفوز فوزا" ربما سيكون عظيما ذات حين من العمر، أمام الاستقبال يمينا السلم إلى الأعلى، يبدأ يسارا بمكتب الأستاذ حمود السيابي، وكان مدير التحرير، ثم المنسق، وهناك ممر طويل تتوزع عليه الأقسام التحريرية، والأغرب مما رأيت قسمين: في سكرتارية التحرير شاهدت الأجهزة المستقبلة لبث الأخبار وأصوات طرقاتها المستمرة ليل نهار، وهي تتجاور مع بعضها: العمانية ورويترز والفرنسية والألمانية والشرق الأوسط وغيرها، يهدأ بعضها حينا، وتشتعل أحيانا كلها بدفق واحد يحيل المكان إلى ورشة، القسم الثاني "التصوير"، حيث تحميض الصور وطباعتها، وجميعها أفلام بالأبيض والأسود، وأغلب من عملوا فيه خلال تلك المرحلة انتقلوا إلى رحمة الله..

أمام كل محرر أكداس من الورق، مقالات تنتظر النشر، أو صفحات تترقب تسويدها بالكتابة، وكانت خطوط الصحفيين والكتّاب تستحق تأليف كتاب عنها، هناك من يكتب خمس كلمات في السطر، وهناك من يكتب أكثر من 20 كلمة، وهناك من يضع ستة أسطر في الصفحة الواحدة، ومن يملأها أسطرا فتملأ خمس صفحات منها صفحة كاملة في الجريدة..

ولمواظبتي على الكتابة شبه يوميا في صفحة بريد القراء محققا حلمي بالنشر فيها كما نشرت في الملحق الثقافي، وقبل أن أكمل عاما، نقلت من "فني مونتاج" تابع لإدارة المطابع، إلى "سكرتير تحرير فني" أي مخرج صحفي تابع لإدارة التحرير، ومن تنفيذ "ماكيت" الصفحة إلى رسمه.. وكانت العدّة هذه المرة مختلفة قليلا، وأساسها: قلم رصاص، ومسطرة، و"محّاية" و"مبراة"، أليست هذه العدة تشبه ما يحمله تلميذ في صفوفه الأولى؟!

أصبحت في الطابق الأعلى، يجلس إليّ المحررون بصفحاتهم لرسم معالمها، حساب كلمات مقالاتهم لأعرف المساحة المتوافقة مع ذلك على الصفحة، ما أتذكره أكثر حينما تأخر علي المرحوم الشاعر ربيع العلوي، وكان متعاونا مع الجريدة لتقديم صفحة الشعر الشعبي، وعدني أنه لن يتأخر الأسبوع التالي، وفيما كنت أقرأ الجريدة نهاية الأسبوع فوجئت بخبر نعيه، رحمة الله عليه.

ذات يوم دار الحديث عن حدث فني مهم، الجريدة ستنشر في الصفحة الأخيرة صورة ملونة، من تلك التي تصل عن طريق وكالات الأنباء!!

اقتنت الجريدة جهاز استقبال صور جديد من وكالات الأنباء، والتعامل كان مع رويترز والفرنسية، يعمل الجهاز على طباعة أربع نسخ من كل صورة مرغوبة بها للنشر ملونة، وتبدو جميعها باللون الأسود، لكن حين وضعها في ماكينة الطباعة حسب ألوانها الثلاثة الأصلية، يضاف إليها الأسود، فتخرج في خاتمة المطاف ملونة، هذه التقنية استحقت الإشارة إليها بكتابة خبر في الصفحة الأولى، حسبما أتذكر.