أفكار وآراء

هل يوقف اللقاح انتقال الفيروس؟

06 مارس 2021
06 مارس 2021

أنجيلا راسموسين -

ترجمة - أحمد شافعي -

إن الغرض من لقاحات «كوفيد-19» هو منع الوفيات والمضاعفات الصحية الخطيرة التي تجهد نظام الرعاية الصحية المثقل لدينا بالفعل. وجميع اللقاحات المصرح لها بالاستعمال الطارئ تفعل هذا، وأمانها وفعاليتها في التجارب السريرية تجاوزت التوقعات. لكن أغلب الناس -لأسباب مفهومة تماما- يريدون أن يعرفوا شيئًا إضافيًا، وهو: هل التطعيم باللقاح سيوقف انتشار «كوفيد-19» فيتسنى لهم التواصل الاجتماعي خارج فقاقيعهم؟

والإجابة هي نعم، لكن في نهاية المطاف.

يمتنع كثير من العلماء عن القول القاطع بأن اللقاحات تمنع انتقال الفيروس من شخص إلى آخر. وقد يساء تأويل هذا الموقف بوصفه اعترافا بأن اللقاحات غير نافعة. وليس الأمر كذلك. فالبيانات المحدودة المتاحة تشير إلى أن اللقاحات سوف تقلل من الانتقال جزئيا على الأقل، وتجرى حاليا دراسات لتحديد هذا بمزيد من الوضوح. وينتظر أن يتاح مزيد من البيانات خلال الشهرين القادمين. وحتى ذلك الحين، سوف يلزم الالتزام بالإجراءات الوقائية من قبيل ارتداء الكمامات والتباعد الاجتماعي في حضور أشخاص لم يحصلوا على التطعيم.

صحيح أن لقاحي بفيرز بيونتك Pfizer-BioNTech ومودرنا Moderna ـ وفقًا لبيانات التجارب السريرية ـ عاليا الفعالية في منع مرض «كوفيد-19»، لكن ليس معروفًا إلى أي مدى هما جيدان في منع العدوى بفيروس «سارس كوف 2». وبرغم أننا كثيرا ما نستعمل كلا من «كوفيد-19» و«سارس كوف 2» بالتبادل، فهما مختلفان جوهريا، فلا يمكن أن يصاب شخص بالمرض دون الفيروس، لكن يمكن أن يصاب شخص بالفيروس دون المرض، مثلما يعرف بالفعل كثير ممن لم تظهر عليهم الأعراض، ومن المحتمل أن يكون الحاصلون على التطعيم محميين من «كوفيد-19»، ولكنهم ينشرون «سارس كوف 2» بين آخرين لم يتم تطعيمهم.

ما الذي يجعل العلماء يصنعون لقاحات ضد المرض وحده لا ضد الفيروس الذي يتسبب فيه؟ الأمر أنهم لا يقررون عمل ذلك، لكنه يأتي نتيجة جزئية لضرورات التجارب السريرية. فعمليا، يمكن إكمال التجارب السريرية على نحو أسرع إذا كانت غاية التجربة -أي المسألة العلمية الأساسية التي تبحثها التجربة- قابلة للملاحظة بسهولة. ولو أن عدوى «سارس كوف 2» هي الغاية، فلا بد من إجراء تحليل للمشاركين في التجارب السريرية أسبوعيا على الأقل، لكن الأسهل هو تحديد المشاركين الذين تظهر عليهم أعراض «كوفيد-19» وإجراء مسحة لهم للتأكد. وهكذا فإنه طلبا للفعالية، كانت الغاية الأساسية للتجارب السريرية هي تحديد ما إذا كانت اللقاحات تحمي من أعراض «كوفيد-19».

كما أن هذه الدراسة منطقية أيضا من منظور الصحة العامة. لن يموت كثير ممن يصابون بعدوى «سارس كوف 2»، لكن الكثيرين منهم سوف يصيبهم مرض شديد يستوجب الرعاية الطبية. وهو ما سيؤدي إلى امتلاء المستشفيات وفرض ضغط كبير على نظام الرعاية الصحية. واللقاحات القادرة على تحويل المرض الشديد إلى مرض بسيط تخفف هذا العبء وتنقذ الأرواح وتحسن الحالات.

عندما يتوصل العلماء إلى لقاح ضد فيروس جديد، يصعب التنبؤ بما إذا كان التطعيم سوف يمنع العدوى تماما، وهو ما يعرف بمناعة التعقيم. فلو أن لقاحات «كوفيد-19» لا توفر مناعة التعقيم، فذلك معناه أن الشخص المطعَّم يمكن أن يستنشق من «سارس كوف 2» ما يكفي للعدوى لكنه يغادر الجسم دون التحول إلى «كوفيد-19»، ويبقى الشخص نفسه مع ذلك قادرا على نقل العدوى إلى شخص آخر.

ثمة لقاحات كثيرة لا توفر مناعة التعقيم لكن لها مع ذلك فوائد جمة للصحة العامة. ففي كل عام ينقذ لقاح الإنفلونزا أرواحا ويقي بشرا من الذهاب إلى المستشفيات برغم أنه لا يوفر الحماية التامة من العدوى.

من واقع كل ما نعرفه حتى الآن، من المستبعد كثيرًا أن اللقاحات الفعالة بنسبة 95% في منع المرض وأعراضه لن يكون لها تأثير من أي نوع على العدوى. فالبيانات المستخلصة من الدراسات على الحيوانات والتجارب السريرية تشير إلى أن التطعيم يقلل العدوى عديمة الأعراض، وكذلك حجم الفيروس الذي يتم إنتاجه في المصابين بالعدوى. في إسرائيل، التي تم تطعيم جزء كبير من السكان، ثمة تراجع واضح في الحالات منذ بداية التطعيم في ديسمبر، مع انخفاض بنسبة 49% في من تتجاوز أعمارهم ستين سنة، بحسب ما أفاد به تقرير أولي. وتجرى حاليا دراسات رامية إلى تحديد أفضل لتأثير اللقاحات على الانتقال، وفي الأثناء نفسها، إذا استمر الالتزام بالاحتياطات من قبيل ارتداء الكمامات مع زيادة التحصين، فينبغي أن نشهد انخفاضا كبيرا في حالات «سارس كوف 2».

إن الأدلة التاريخية تبين أن اللقاحات التي لا تمنع العدوى الفيروسية تبقى قادرة على إيقاف الأوبئة عن مسارها. فلقاح شلل الأطفال ـ الذي توصل إليه الدكتور جوناس سولك وهو لا يوفر مناعة التعقيم ـ أدى إلى قضاء متسارع على شلل الأطفال في الولايات المتحدة منذ خمسينيات القرن الماضي. إذ اصطف الناس في حماس للحصول على اللقاح لتحصين أبنائهم وتحصين أنفسهم. كان لقاح سولك يوفر حماية كبيرة من الأثر المهلك للمرض كما نجح في تقليل انتشار الفيروس بسبب تطعيم الكثير من الناس وإمكانية تخليصهم من العدوى.

إن لقاحات «كوفيد-19» هي بمثابة انتصار للصحة العامة في زمننا هذا بمثل ما كان لقاح سولك انتصارًا لها في زمنه. ويحسن أن نذكر أنفسنا بقدرة اللقاحات على منع المرض دون قدرتها الكاملة على منع العدوى عندما يحصل عدد كافٍ من الناس على اللقاح. وكلما قللنا الانتشار في المجتمع وحمينا أكبر عدد ممكن من الناس من خلال التطعيم، اقتربنا أكثر من الإحساس المرجو بالارتياح.


  • كاتبة المقال عالمة فيروسات في مركز علوم الصحة العالمية والأمن بالمركز الطبي لجامعة جورجتاون. تدرس استجابة العائل للعدوى بالفيروسات المستجدة بما فيها فيروس كورونا.
  • عن نيويورك تايمز