أفكار وآراء

الملاذات الضريبية تخرّب أهداف التنمية المستدامة

03 مارس 2021
03 مارس 2021

يو يونجدينج*

في الخامس والعشرين من سبتمبر من عام 2015، تبنى رؤساء وحكومات العالم بالإجماع أجندة 2030 للتنمية المستدامة - التي تشكل المخطط العالمي الشامل لبناء عالـم أكثر عدلا واستدامة، ولكن بعد مرور أكثر من 5 سنوات، يظل التقدم نحو تحقيق أهداف أجندة التنمية المستدامة الـ17 قاصرا عن تحقيق الكثير من المرغوب.

بين أكبر القيود التي تواجه البلدان الساعية جاهدة لتحقيق أهداف التنمية المستدامة نقص الموارد المالية. حتى قبل اندلاع جائحة كورونا 2019 «كوفيد-19»، كانت بلدان عديدة منخفضة ومتوسطة الدخل تُـظـهِـر علامات ضائقة الديون، وفي حين تناضل للتغلب على أزمات الصحة العامة والأزمات الاقتصادية المتزامنة، فإن تعبئة الموارد المالية اللازمة للتنمية المستدامة تصبح اقتراحًا أشد صعوبة.

بطبيعة الحال، هناك طرق لجمع الأموال، فبوسع البلدان أن تعمل على زيادة المدخرات المحلية، ومغازلة الاستثمار الأجنبي، وطلب مساعدات التنمية من البلدان الغنية، والمنظمات الدولية، وبنوك التنمية المتعددة الأطراف، لكن القيام بذلك ليس بالأمر السهل أبدا - وخاصة في عالم تزدهر فيه التدفقات المالية غير المشروعة.

وفي عام 2015، قَـدَّرَ جابرييل زوكمان أن ما لا يقل عن 7.6 تريليون دولار من الثروة الخاصة في العالم محفوظ في ملاذات ضريبية آمنة، بما يعادل 8% من الأصول المالية التي تملكها الأسر على مستوى العالم. وقد ازداد هذا الرقم بنحو 25% في السنوات الخمس الأخيرة، وهو ما يشير إلى أنه من المرجح أن يكون أعلى كثيرًا اليوم.

في عام 2017، أصدر المكتب الوطني للبحوث الاقتصادية تقريرا مفاده أن نحو 10% من الناتج المحلي الإجمالي العالمي محفوظ في ملاذات ضريبية خارجية. الواقع أن التدفقات المالية غير المشروعة لا تؤدي إلى استنزاف الموارد المالية في البلدان المنخفضة الدخل وحسب، بل وقد تعمل أيضا على تقويض استعداد البلدان المانحة لتقديم المزيد من مساعدات التنمية.

تستطيع الحكومات أن تستخدم 3 خطوط دفاعية رئيسية ضد التدفقات المالية غير المشروعة، يتمثل الأول في تقليص حجم الأموال غير المشروعة المتداولة، من خلال تضييق الخناق على الفساد، إلى جانب الجرائم الصارخة -مثل التهرب الضريبي، والرشوة، والاختلاس من الأصول العامة- يجب أن يتصدى مثل هذا الجهد للمناورات الأكثر مراوغة، مثل استغلال الشركات المتعددة الجنسيات للثغرات التي تعيب قانون الضرائب. يعمل التهرب الضريبي من قِـبَـل الشركات المتعددة الجنسيات على تقويض قدرة البلدان على تمويل التنمية بالقدر ذاته كمثل الفساد الصريح على الأقل -إن لم يكن أكثر.

ويتمثل خط الدفاع الثاني في الإدارة الحذرة لتدفقات رأس المال عبر الحدود، ذلك أن الإبقاء على الأموال غير المشروعة في بلدها الأصلي يجعل الفساد أقل مكافأة للفاسدين - وبالتالي أقل جاذبية، ولكن مرة أخرى، تشكل الأنشطة غير القانونية الصارخة جزءا فقط من المشكلة. فسواء اتخذ هيئة قانونية أو غير ذلك، يستنزف هروب رؤوس الأموال خزائن الحكومات بل وقد يؤدي إلى إشعال أزمات مالية أو أزمات عُـملة.

أخيرا، يتعين على الحكومات أن تتعقب بقوة الأموال غير المشروعة التي تهربت من ضوابط رأس المال، وتصادرها، وتعيدها إلى موطنها الأصلي.

المشكلة هي أن استرداد مثل هذه الأموال أمر شديد التعقيد، ومكلف، ومثير للنزاع في بعض الأحيان، نظرًا لانعدام الثقة بين البلدان، وعلى هذا فإن أقل القليل من الأموال المسروقة أُعيدَت إلى أصحابها الشرعيين.

في عموم الأمر، على الرغم من إنشاء عدد من المبادرات والبرامج والاتفاقيات والمواثيق والمعاهدات الدولية في السنوات الأخيرة للحد من التدفقات المالية غير المشروعة، فقد أثبتت جميعها كونها غير كافية على الإطلاق، لكن الأمر لا يخلو من سبب يدعو إلى الأمل في أن تتغير هذه الحال قريبا، ففي العام الماضي، عَـقَـدَ فولكان بوزكير، رئيس الجمعية العامة للأمم المتحدة، ومنير أكرم، رئيس المجلس الاقتصادي والاجتماعي في الأمم المتحدة، اللجنة الرفيعة المستوى حول المساءلة المالية، والشفافية، والنزاهة الدولية من أجل تحقيق أجندة 2030.

الآن، أصدرت لجنة المساءلة المالية والشفافية والنزاهة الدولية تقريرا شاملا يتضمن 14 توصية قائمة على الأدلة لتعزيز البنية المالية العالمية لدعم التنمية المستدامة. على سبيل المثال، تحث اللجنة جميع البلدان على استنان تشريعات تنص على إنشاء أوسع نطاق ممكن من الأدوات القانونية لاستخدامها لمحاسبة مرتكبي الجرائم المالية عبر الحدود.

وتزعم اللجنة أن الحكومات يجب أن تنشئ آليات حوكمة قوية ومنسقة لتعزيز النزاهة المالية، كما تدعو اللجنة إلى قدر أكبر من التعاون الدولي، مثل وضع معايير ضريبية عالمية، وخاصة معايير الشفافية، من خلال أداة قانونية «مفتوحة وشاملة»، كما توصي بإنشاء آلية محايدة لحل المنازعات الضريبية الدولية، بموجب اتفاقية الأمم المتحدة الضريبية، وآلية تنسيق عالمية شاملة يديرها المجلس الاقتصادي والاجتماعي في الأمم المتحدة لمعالجة مسألة النزاهة المالية على مستوى جهازي شامل.

لن يكون تنفيذ توصيات لجنة المساءلة المالية والشفافية والنزاهة الدولية بالأمر السهل، لكن الجهود التي تبذلها الأمم المتحدة لإيجاد حلول تشكل دون شك خطوة في الاتجاه الصحيح، وإذا تمكنت من إشراك المجتمع الدولي، فربما تسنح لنا الفرصة لتأمين الموارد اللازمة لتحقيق أهداف التنمية المستدامة.


**الرئيس السابق للجمعية الصينية للاقتصاد العالمي ومدير معهد الاقتصاد العالمي والسياسة في الأكاديمية الصينية للعلوم الاجتماعية، عمل في لجنة السياسة النقدية لبنك الشعب الصيني من 2004 إلى 2006.

** خدمة بروجيكت سنديكيت