1595362_228
1595362_228
العرب والعالم

تحليـل :ناقلة النفط «صافر» ورقة ضغط بيد أطراف الصراع باليمن

26 فبراير 2021
26 فبراير 2021

صنعاء-عمان - جمال مجاهد:-

باتت مشكلة ناقلة النفط «صافر» قبالة سواحل محافظة الحديدة على البحر الأحمر، ورقة ضغط تستخدمها أطراف الصراع في اليمن لتحقيق مكاسب سياسية، لتنضم بذلك إلى بقية القضايا والملفّات الإنسانية كالأسرى والمعتقلين وميناء الحديدة ومطار صنعاء الدولي والبنك المركزي ورواتب موظّفي الدولة وأزمة المشتقّات النفطية.

ويشير تأخّر الأطراف في التوصّل إلى حل عاجل لهذه المشكلة إلى عدم الاكتراث بمخاطر حدوث كارثة بيئية بسبب تسرّب النفط أو الانفجار أو الحريق ستترتّب عليه عواقب إنسانية وخيمة، وكذا محاولة ربط معالجة المشكلة بالتسوية السياسية الشاملة المحتملة للحرب. وتبدّد الأمل في الحل على الأقل في المدى القريب عقب إعلان الأمم المتحدة أن جماعة «أنصارالله» قدّمت مؤخّراً «طلبات إضافية» ركّزت على الترتيبات اللوجستية والأمنية لنشر البعثة الأممية الفنية المكلّفة بتقييم وضع خزّان صافر العائم من خلال تحليل منظوماته وهيكله، وإجراء ما هو ممكن من الإصلاحات الأوّلية التي قد تخفّض من خطر حدوث التسرّب ريثما يطبّق حل دائم، وصياغة خيارات قائمة على الأدلة بشأن الحلول التي يمكن تطبيقها لإنهاء خطر التسرّب النفطي نهائياً.

ويقول المتحدّث باسم الأمين العام للأمم المتحدة ستيفان دوجاريك للصحفيين في نيويورك «نحن نتحدّث معهم الآن لمحاولة حل هذه المشكلات».

ويشير إلى أنه «لهذا السبب، من الصعب الآن تحديد موعد توجّه بعثة الأمم المتحدة للمكان في ضوء هذه التطورات. لسوء الحظ لا يمكننا إتمام استعدادات البعثة حتى يتم حل جميع المشكلات».

ويوضّح أن الأمم المتحدة تدرك أن العديد من الدول الأعضاء، بما في ذلك الجهات المانحة للمشروع، قلقة للغاية من هذه التأخيرات الجديدة.

ويرى دوجاريك أن البعثة «ستمنح التقييم المطلوب لصياغة حل دائم. حتى الآن التأخير موجود منذ عامين ولا يمكن المماطلة أكثر».

ويؤكد أن الأمم المتحدة «لا تزال حريصة على نشر البعثة في أقرب فرصة ممكنة. هذه البعثة هي خطوة أولى مهمة لتجنّب كارثة بيئية وإنسانية».

وتبلغ حمولة الخزّان العائم قرابة 1.1 مليون برميل من النفط، وهي كمية تقارب أربعة أضعاف ما تسرّب من سفينة «إيكسون فالديز» عام 1989.

ويخشى من أنه سيكون لأي تسرّب عواقب بيئية وإنسانية واقتصادية مدمّرة، ليس فقط على سكان اليمن، ولكن أيضاً على منطقة البحر الأحمر بأكملها. في المقابل يؤكد رئيس «اللجنة الإشرافية لتنفيذ اتفاق الصيانة العاجلة والتقييم الشامل لخزّان صافر العائم» إبراهيم السراجي، أن اللجنة «تقوم بمهامها على أكمل وجه، وبتعاون كامل من الجهات ذات العلاقة».

وينفي رئيس اللجنة في بيان نشرته وكالة الأنباء اليمنية (التابعة لأنصار الله) ما ورد على لسان وكيل الأمين العام للأمم المتحدة للشؤون الإنسانية مارك لوكوك، في إحاطته لمجلس الأمن حول وجود إخطار للأمم المتحدة بإيقاف الاستعدادات لتنفيذ اتفاق الصيانة العاجلة والتقييم الشامل للخزّان.

ويوضّح السراجي أن «كل تأجيل لموعد وصول الخبراء الأمميين يتم بشكل أحادي من قبل الأمم المتحدة لأسباب تخصّها هي ولا علاقة لحكومة الإنقاذ الوطني بصنعاء بتلك الأسباب»،

ويشير إلى أنه «بعد توقيع الاتفاق في21 نوفمبر حدّدت الأمم المتحدة 15 فبراير، موعداً لبدء المهمة، ثم أبلغت لاحقاً بتأجيل الموعد إلى 1 مارس، وأرجعت ذلك إلى وجود تأخير في تسليم المواد التي اشترتها من قبل الشركات التي تعاقدت معها». ويذكر رئيس اللجنة أن هناك إطار عمل تم إنجازه والاتفاق عليه. وقال «نحترم هذا الاتفاق ونأمل أن يكون أيضاً محل احترام من قبل الأمم المتحدة».

ولم تجر أي أعمال للصيانة الدورية على الناقلة منذ تصعيد النزاع عام 2015 ما أدّى لتدهور حالة هيكلها ومعدّاتها ومنظومات تشغيلها، وهو ما يجعل الناقلة عرضة لخطر تسرّب النفط أو الانفجار أو الحريق.

وكشفت الأمم المتحدة عن وثيقة مفصّلة تم الاتفاق عليها مع جماعة «أنصار الله» بعد مشاورات دامت لأسابيع تحدّد نطاق العمل المسند إلى البعثة المقترحة.

الحكومة اليمنية (المعترف بها دولياً) أبدت أيضاً من جانبها دعمها الكامل للبعثة الفنية المقترحة، إلا أنها اتهمت «أنصار الله» بـ «المماطلة والتعنّت والتلاعب والمساومة بهذا الملف الخطير».

أسوأ السيناريوهات

وتشير الأبحاث التي أجراها خبراء مستقلّون إلى أن أي تسرّب نفطي كبير سيتسبّب في الكثير من الضرر للمنظومات البيئية في البحر الأحمر التي يعتمد عليها قرابة 30 مليون شخص بمن فيهم ما لا يقل عن 1.6 مليون يمني. وسيطال الأثر مصايد الأسماك على طول الشاطئ اليمني الغربي خلال أيام ما سيؤدّي لانهيار سبل كسب الرزق الخاصة بالمجتمعات المحلية القائمة على الصيد البحري في الوقت الذي يعتمد فيه 90% من سكان تلك المجتمعات على المساعدات الإنسانية بالفعل. وستكون شواطئ الحديدة وحجّة وتعز الأكثر تضرّراً. أما إذا اشتعلت النيران على ناقلة النفط صافر لأي سبب كان، فقد يتعرّض أكثر من 8.4 مليون شخص لمستويات مرتفعة من المواد الملوّثة. وفي أسوأ السيناريوهات الممكنة، قد يؤدّي تسرّب النفط إلى الإغلاق الفوري لميناء الحديدة الحيوي، وهو ما يقدّر تأثيره بالتسبّب في ارتفاع كبير في أسعار الغذاء والوقود وعرقلة وصول المساعدات الإنسانية الحيوية إلى ملايين اليمنيين. وليس بمقدور اليمن، خاصةً في المناطق الشمالية، أن يتحمّل تبعات إغلاق ميناء الحديدة. فاليمن يعتمد على الاستيراد في الحصول على قرابة 90% من المواد الغذائية الأساسية وباقي السلع الأخرى، وتدخل معظم تلك الواردات إلى البلاد من خلال ميناء الحديدة. ولهذا سيكون الضرر كبيراً نظراً لاعتماد غالبية اليمنيين على السلع المستوردة في تلبية احتياجاتهم الأساسية. كما من المتوقّع أن يكون لإغلاق ميناء الحديدة أثر مقلق للغاية خاصةً في وقت يتجدّد فيه خطر تفشّي المجاعة في اليمن وهو ما تؤكده تقييمات الأمن الغذائي الصادرة مؤخّراً.

وإجمالاً، تقدّر تكلفة تسرّب النفط من خزّان صافر العائم إلى مصائد الأسماك في اليمن بمليار ونصف مليون دولار على مدار 25 عاماً. ومن المرجّح أن تتضرّر الدول الأخرى المشاطئة للبحر الأحمر بما فيها جيبوتي وأريتيريا والسعودية. وقد يضرّ التسرّب أيضاً بحركة التجارة البحرية في البحر الأحمر، وهو واحد من أكثر المسارات البحرية نشاطاً في العالم إذ يمثّل قرابة 10% من التجارة العالمية. وخزّان صافر هو سفينة عائمة لتخزين النفط وتفريغه، ترسو على بعد ثمانية كيلومترات (4.8 ميل بحري) إلى الشمال الغربي من شبه جزيرة رأس عيسى على الشاطئ الغربي لليمن، وهو يرسو هناك بشكل دائم منذ أكثر من 30 عاماً دون أن يخضع لأي إصلاحات في الحوض الجاف أو في حوض بناء السفن. وكان الخزّان في البداية ناقلة نفط ذات بدن منفرد تحمل اسم «إيسو جابان» تم تصنيعها في عام 1976 ثم تحوّلت لتصبح خزّاناً عائماً في عام 1986.

وتعود الملكية القانونية للخزّان صافر العائم إلى «شركة صافر لعمليات الإنتاج والاستكشاف». وقبل تصاعد النزاع، كان الخزّان يستخدم لتخزين النفط الوارد من الحقول المجاورة لمأرب وتصديره. وسيطرت سلطات «أنصار الله» في صنعاء على المياه التي يرسو فيها الخزّان صافر منذ عام 2015.