Untitled-5
Untitled-5
الملف السياسي

أمام عجز الفرقاء .. هل تتجه الأزمة اللبنانية للتدويل؟

25 فبراير 2021
25 فبراير 2021

في ظل انهيار اقتصادي، يعيش لبنان سجالات حادة بين الفرقاء السياسيين، انطلق أحدثها إثر دعوة البطريرك الماروني، مار نصر الله الراعي، إلى عقد مؤتمر دولي، برعاية الأمم المتحدة، لمعالجة الوضع المتأزم، وهو ما اعتبره البعض دعوة إلى «تدويل الملف اللبناني».

وجراء خلافات بين القوى السياسية، لم يتمكن لبنان حتى الآن من تشكيل حكومة جديدة، منذ أن استقالت حكومة تصريف الأعمال الراهنة، برئاسة حسان دياب، في 10 أغسطس الماضي، بعد 6 أيام من انفجار كارثي بمرفأ العاصمة بيروت.

وفي 6 فبراير الجاري، دعا الراعي، خلال قداس، إلى «طرح قضية لبنان في مؤتمر دولي خاص، برعاية الأمم المتحدة، يثبت لبنان في أطره الدستورية الحديثة التي ترتكز على وحدة الكيان وتوفير ضمانات دائمة للوجود اللبناني تمنع التعدي عليه والمس بشرعيته وتضع حدا لتعددية السلاح».

وكالعادة، تباينت آراء الفرقاء حيال دعوة الراعي بين مؤيد ومعارض، وبرزت جماعة «حزب الله» كأبرز المعارضين لفكرة «تدويل الأزمة اللبنانية»، وهو ما رآه البعض تعبيرا عن مخاوف ضمنية على سلاح الجماعة.

والجماعة حليفة لإيران والحكومة السورية، وهو محور يتبادل العداء مع إسرائيل والولايات المتحدة.

والثلاثاء، اعتبر أمين عام «حزب الله»، حسن نصر الله، في كلمة متلفزة، أن التهديد بتدويل أزمة لبنان أمميا هي «دعوة للحرب واستدعاء لقوات احتلال (لم يسمها)»، محذرا من أن ذلك «قد يصب في مصلحة إسرائيل».

وتواصلت الأناضول مع النائب عن كتلة «الوفاء للمقاومة»، التابعة لـ«حزب الله»، أمين شري، فاكتفى بالقول: «لا تعليق، كلام أمين عام حزب الله يكفي في هذا الموضوع».

سلاح الحزب

وعلق وزير العمل السابق، سجعان قزي (مقرب من الراعي)، قائلا للأناضول إن «مخاوفنا من سلاح حزب الله أكبر من مخاوف حزب الله من المؤتمر الدولي».

وأوضح أن «البطريرك بدعوته إلى مؤتمر دولي لم يقترح أن يتم الأمر تحت البند السابع أو أي بند آخر (من ميثاق الأمم المتحدة)، وهذا من شأن الأمم المتحدة، ولم يدع لدخول قوات عسكرية أجنبية إلى لبنان، وبالتالي يقترح الفكرة ويترك للأمم المتحدة مسؤولية إعطاء هذا المؤتمر الشكل المناسب في الوقت المناسب».

ويعطي الفصل السابع الإمكانية للتدخل في حالات تهديد السلم والإخلال به ووقوع العدوان في بلد ما، ويتيح اللجوء إلى عمل عسكري أو غير عسكري لحفظ السلم والأمن الدوليين، ويتطلب تطبيقه موافقة أكثرية أعضاء مجلس الأمن، وعدم استخدام أي من الدول الخمسة دائمة العضوية حق النقض (الفيتو).

وتابع قزي: «البطريرك الراعي ليس سلطة سياسية ليتخذ إجراءات تنفيذية، إنه مرجعية وطنية عليا واقترح عقد مؤتمر دولي خاص للبنان وحدد أهدافه لكي لا يذهب البعض في سوء الفهم، أحيانا عن قصد، أو إلى تشويه الطرح».

وأردف: «الراعي توجه إلى أمين عام الأمم المتحدة ليبادر إلى العمل على عقد مؤتمر دولي يؤكد وحدة لبنان ويثبت كيانه وحدوده الدولية ويعيد تأكيد النظام اللبناني الديمقراطي البرلماني من دون الدخول في تفاصيل تعديلات دستورية قد تكون ضرورية، ويعلن حياد لبنان».

وفي 17 أغسطس الماضي، أطلق الراعي وثيقة بعنوان «لبنان الحياد الناشط»، تؤكد ضرورة «تعزيز مفهوم الدولة اللبنانية، من خلال جيش قوي، وقضاء مستقل، ومؤسسات قادرة على تحقيق الأمن والاستقرار الداخلي والدفاع عن الأرض ضد أي اعتداء، سواء من إسرائيل أو غيرها».

وحذر قزي من أنه «إذا لم ينعقد هذا المؤتمر فلا شيء يضمن استمرار وحدة لبنان، لا بل لا شيء يضمن خروج لبنان من حالة التقسيم التي يعيشها منذ سنوات، حيث يوجد أكثر من دولة وأكثر من جيش، لا بل توجد ميزانيات للأحزاب السياسية والعسكرية، ولا توجد ميزانية للدولة اللبنانية».

دعوة الراعي أيدها تصريح من بابا الفاتيكان فرنسيس، الذي عبر عن «ضرورة أن يشهد لبنان التزاما سياسيا وطنيا ودوليا يسهم في تعزيز الاستقرار في بلد يواجه خطر فقدان هويته الوطنية، والانغماس داخل التجاذبات والتوترات الإقليمية».

وشدد قزي على أن «المواقف والمبادرات التي يطلقها الراعي تحظى بتأييد فاتيكاني واسع، والفاتيكان يعمل لإنجاح الطروحات التي أعلنها البطريرك».

اتفاق الطائف

فيما قال النائب السابق، فارس سعيد، إن «البطريرك الراعي يؤكد على مرجعية اتفاق الطائف (1989)، الذي لا يزال يشكل النص الصالح لتنظيم العلاقات اللبنانية اللبنانية، ويطلب دعما عربيا ودوليا، ليصبح هذا الاتفاق قابلا للتنفيذ».

وأنهى هذا الاتفاق الحرب الأهلية (1975 إلى 1990)، وكرّس معادلة اقتسام مناصب السلطة الرئيسية بالمحاصصة بين المكونات الأساسية الثلاثة، المسيحيين والسنة والشيعة، وتتوزع الرئاسات الثلاث بواقع الجمهورية للمسيحيين ورئاسة الحكومة للسُنة ورئاسة البرلمان للشيعة.

وأضاف سعيد للأناضول أن «الراعي لم يخرج يوما عن النصوص الإجماعية التي توافق حولها اللبنانيون عام 1989، وإذا أراد طرف الخروج من اتفاق الطائف ليذهب إلى مؤتمر تأسيسي عليه أن يقول لجميع اللبنانيين ذلك بصراحة».

وزاد: «نحن خلف البطريرك طالما أنه يطالب بمساعدة ومؤازرة المجتمعين العربي والدولي لتنفيذ النصوص المرجعية التي توافق حولها اللبنانيون».

وتعليقا على رفض «حزب الله»، قال سعيد: «حزب الله يعتبر أن اتفاق الطائف أصبح ضيقا على جسده ويريد الإطاحة بالدستور اللبناني وبوثيقة الاتفاق الوطني على قاعدة أنه قادر في هذه اللحظة على فرض شروطه على جميع اللبنانيين، وهذا مشروع انتحاري من الحزب وتدميري لجميع اللبنانيين».

ومنذ أكثر من عام، يعاني لبنان أزمة اقتصادية هي الأسوأ منذ الحرب الأهلية، وزادتها سوءا تداعيات جائحة «كورونا» وانفجار المرفأ.

وأردف: «نؤيد دعوة البطريرك الراعي، بعد أن وصل لبنان إلى هذا الوضع المتردي الاقتصادي والمالي والسياسي والجوع، فلم يعد هناك حلول لإنقاذ الشعب سوى مؤتمر دولي يتولى الموضوع».

إرادة وطنية جامعة

فيما قال إدغارد معلوف، النائب عن كتلة «التيار الوطني الحر» (بزعامة جبران باسيل صهر الرئيس اللبناني ميشال عون وحليف لحزب الله)، للأناضول: «لا تعليق رسميا لنا حتى الآن على الموضوع، ولكن هذا يحتاج إرادة وطنية جامعة، ويفترض أن نكون راشدين كأفرقاء بما فيه الكفاية».

أما سامي فتفت، النائب عن تيار المستقبل (تيار سني يتزعمه رئيس الحكومة المكلف سعد الحريري)، فقال للأناضول إن «البطريرك كان واضحا، التدويل هو أن نذهب إلى طاولة لتطبيق اتفاق الطائف بكل بنوده».

وتابع: «الراعي يقول إن أزمتنا واضحة، وهي أزمة استكمال تطبيق النظام، كلنا نعي أنه يجب أن نجلس على طاولة، ونضع بنود الخلل بالاتفاق (الطائف) لنعالجها».

وختم بالتشديد على أن «الراعي كان واضحا بموقف الحياد سابقا، وواضحا الآن بالذهاب إلى تطبيق اتفاق الطائف دستورنا، ويجب أن نرى الخلل ونصلحه».

يوسف حسين - الأناضول