5552
5552
الثقافة

رحلة اكتشاف تفاصيل التكوينات الجيولوجية لـ "كهف صحور"..

25 فبراير 2021
25 فبراير 2021

كتب - أحمد بن عامر المعشني -

كانت الساعة قد تجاوزت العاشرة صباحا، عندما أوقفنا مركبتنا ذات الدفع الرباعي أسفل وادي "نحيز" وشرعنا في التسلق إلى كهف "صحور"، وهو أحد الكهوف الواقعة في وادي "نحيز" ويبعد عن مركز ولاية صلالة حوالي ١٩ كيلومترا باتجاه الشمال ضمن سلسلة جبال ظفار، وقد تكون الكهف في طبقات جيرية تعود إلى حقبة الحياة الحديثة على امتداد تصدعات صخرية عميقة. ورافق "جريدة عمان" الدكتور أحمد بن عيسى الهندون قطن وهو من سكان وادي نحيز ويعرف تفاصيل وتضاريس هذه المنطقة بشكل جيد. وعبدالرحمن العمري ( أبو عوف ) وهو من فريق ظفار للمغامرات وله العديد من المغامرات في كهوف جبال ظفار، وكانت آخر مغامرة له في شلالات كهف "نكبت" في ولاية رخيوت، والإعلامي طارق بن سالم النهدي. وضعنا حقائبنا على ظهورنا وفيها بعض المؤن الغذائية بالإضافة إلى الحبال وصعدنا العقبة الوعرة جدا، والتي تشكل صعودا حادا إلى الكهف، دون أن يكون هناك أي معالم للطريق، والمسار تحفه الصخور والأشجار الكثيفة والشوكية. عندما وصلنا إلى كهف "صحور" بعد مشي استغرق ٥٥ دقيقة كان التعب قد أخذ منا مأخذه. وجدنا مدخل الكهف كبير الحجم يطل على الوادي بقوسه المزين بالعديد من الهوابط والصواعد الجيرية ذات التشكيلات الجيولوجية الرائعة والفريدة. وأرضيته مغطاة بالرمال الناعمة جدا. ويبلغ طول المدخل 60 مترا وعرضه 45 مترا وارتفاعه 20 مترا. وبعد أن أخذنا قسطا من الراحة، ونحن نتأمل مكونات هذا الكهف الذي يتزين بالعديد من الهوابط والسواعد الجيرية. قمنا بالتجهز للتوغل داخله، ولضيق الممر الذي يقع في الجهة الشمالية من مدخل الكهف، زحفا على ظهورنا ولمسافة ٧ أمتار تقريبا إلى أن وصلنا إلى الغرفة. فقمنا بربط حبل قوي في إحدى النتوءات الصخرية على مدخل الممر الذي يؤدي إلى الغرفة الرئيسية، ووجدنا أنفسنا داخل غرفة داخلية كبيرة جدا، بالإضافة إلى غرفة أخرى وكانت الغرفتان مظلمتين. وعندما أضأنا المصابيح اليدوية رأينا العديد من الصخور البيضاء الصافية، وكانت قطرات الماء تنزل من بعض الهوابط داكنة اللون إلى حد ما. تزدان هذه الغرفة بالكثير من التراكيب الكهفية البديعة كالأعمدة والهوابط بأنواعها المختلفة، كما شاهدنا أسرابا كبيرة من الخفافيش، بالإضافة إلى قطرات الماء المتدلية في الكثير من الهوابط التي لا تزال في مراحل تكونها، إلى جانب حوض جاف يبلغ طوله مترين وعرضه 1.5 متر انطبعت عليه آثار لمياه شلالات تبدو كما لو أنها كانت تنساب بالأمس القريب. وبسبب روائح الخفافيش، ونقص الأكسحين لم نستطيع المكوث سوى أربعين دقيقة. وقد اقترح علينا المغامر أبو عوف العمري أن نطفئ جميع المصابيح، ولمدة تتراوح بين 5- 8 دقائق وبالفعل كانت التجربة مخيفه جدا لكثافة الظلام الدامس الذي يستحيل معه حتى أن ترى يدك!!. الدكتور علي بن فرج الكثيري خبير جيولوجي قال لجريدة عمان: يعتبر كهف "صحور" من نوع كهوف الإذابة والتي توجد في العادة في الصخور الحجرية الجيرية. وكهف "صحور" يوجد ضمن التكوينات الجيولوجية التي يطلق عليها في الخرائط الجيولوجية تكوينات أم الرضومة. مؤكدا بأن هذه التكوينات تظهر في أجزاء من سلطنة عمان، والمملكة العربية السعودية، وجمهورية اليمن الشقيقة، وهي غالبا صخور جيرية تنتمي إلى العصر الجيولوجي من الحقبة الثالثة. وأضاف الدكتور علي الكثيري قائلا:" لقد كنت ضمن الفريق المشكل من قبل وزارة النفط والمعادن آنذاك. لزيارة الكهف للاطلاع على التكوينات الجيولوجية ونوعية الرواسب داخله، وهي غنية بالفسفور بسبب احتوائها على روث الخفافيش. مشيرا بأن كهف "صحور" يتكون من غرف داخلية مظلمة جدا يصعب على الحيوانات دخولها بسبب ضيق الممر، لهذا استطاعت الغرفة الداخلية المحافظة على تشكيلاتها الصخرية التي تكونت عن طريق تسرب المياه من الأعلى إلى الداخل، وهى عبارة عن تشكيلات صخرية من الهوابط تتدلى من أعلى السقف، بالإضافة إلى الصواعد التي تنمو من الأسفل إلى الأعلى نتيجة لسقوط قطرات الماء من سقف الكهف والتي تحتوي على كميات قليلة من الرواسب والتي تنمو تدريجيا لتشكل هذه الظاهرة، بالإضافة إلى أحواض مائية تتكون على جدران الكهف نتيجة انسياب المياه خلالها. وأكد الدكتور علي الكثيري بأن هذه التشكيلات الصخرية التي تنمو في الكهوف، يُستفاد منها لتقدير أعمار تكوين هذه الكهوف. بالإضافة إلى استخدام السواعد والهوابط في دراسة المناخ القديم للمنطقة التي وجدت فيها. الجدير بالذكر أن محافظة ظفار تزخر بالعديد من الكهوف ذات المقومات الطبيعية والمعالم السياحية والتي تعد كنوزًا طبيعية تنفرد بخصائص وتكوينات نادرة، وتشكل جزءًا مهمًا من تراث عمان الطبيعي والبيئي والسياحي على امتداد سلسلة جبال ظفار والتي استغرق تكوينها آلاف السنين، حيث كان سكان المناطق الجبلية يستخدمونها كمساكن و مآوى للماشية وللاحتماء من الأمطار والرياح والعواصف، حيث عرفت الكهوف منذ القدم على أنها الملاجئ والأماكن الآمنة للإنسان من تقلبات الطقس والتغيرات الطبيعية.