oman-logo-new
oman-logo-new
كلمة عمان

نعم لكونية اللقاح.. لا لقوميته

20 فبراير 2021
20 فبراير 2021

مرّ أكثر من عام منذ أن بدأ أخطر وباء عرفته البشرية خلال قرن من الزمان، وغادر الحياة جراءه حتى الآن قرابة 2.5 مليون شخص وفق الإحصائيات الرسمية، فيما أصيب بالفيروس «كوفيد19» أكثر من 110 ملايين إنسان في كل بقاع الأرض. وسجلت الدول خسائر بالتريليونات وأفلست آلاف الشركات في دول العالم الغنية قبل الفقيرة، ودخل العالم في أخطر أزمة اقتصادية منذ الكساد الكبير مطلع القرن الماضي. وأثر كل ذلك على الناس سلبا حيث خسروا أعمالهم وفقدوا تجارتهم. كل ذلك حدث في عام واحد فقط. ورغم أن الوباء كوني ويدعو العالم إلى التعامل معه ومع آثاره بشكل كوني من الجميع إلا أن النزعة القومية حضرت خلال هذا الوباء بشكل كبير، وهي تحضر الآن خلال مرحلة توزيع اللقاح بشكل أكبر.

قومية اللقاح نزعة خطيرة جدا من شأنها أن تطيل بقاء الوباء ليس فقط في الدول الفقيرة التي لا تستطيع شراء اللقاحات ولكن في العالم أجمع، ولن يكون ثمة حل أمام الدول الغنية إلا أن تغلق على نفسها للأبد حتى لا يتسلل لها الوباء من الدول الفقيرة التي لن تستطيع تأمين ثمن اللقاح وإن استطاعت فلن تستطيع الدخول في منافسة الحصول عليه.

يقول علماء الأوبئة والفيروسات إنه ما لم توزع اللقاحات بشكل عادل على الجميع في مختلف القارات فإن العالم لن يستطيع السيطرة على الوباء، وسيمكن نفسه من البقاء طويلا جدا. وهناك معادلة يعرفها علماء الأوبئة مفادها أنه كلما انتشر الفيروس بشكل كبير في بؤرة من بؤره كلما زادت معدلات تكاثره وتحوره وظهور سلالات جديدة منه قد تكون أكثر فتكا وأكثر قدرة على العدوى، وقد يخرج الفيروس عن أي سيطرة بشرية وحينها ستذهب البشرية إلى الفناء. وعلى هذا الفهم وهذه المعادلة ظهرت مبادرة «كوفاكس» التي تهدف إلى إيصال اللقاح إلى بلدان العالم متوسطة الدخل والفقيرة والتي لا تستطيع الدخول في منافسة مع الدول الغنية في الحصول على اللقاح ولو بكميات قليلة جدا لكبار السن.

وتقول إحصائيات منشورة إن كوفاكس تحتاج إلى قرابة 6.8 مليار دولار من أجل تأمين احتياجات الدول الفقيرة من اللقاح. وهذا مبلغ ضخم لكن يمكن لو اتحد العالم وفكر بشكل منطقي تأمينه.

وتشير نفس الإحصائيات أن 16% من سكان العالم الغني حصلوا على 70% من كميات اللقاح المنتجة، وأن أفقر 50 دولة في العالم لم تحصل حتى الآن إلا على 0.1% من اللقاحات المتاحة. ولا تملك الدول الفقيرة خاصة في أفريقيا وبعض دول أمريكا اللاتينية على أموال لشراء اللقاح كما أنها تفتقر إلى أي بنية أساسية لنقله وتخزينه. وهذه مشكلة سينعكس أثرها على العالم أجمع، لأن بقاء الوباء في أي مكان في العالم من شأنه أن يطيل عمره ويسمح بانتشاره في جميع القارات ويعطيه فرصة أكبر للتحور وتوليد سلالات جديدة مقاومة للقاحات الحالية.

كما أن بقاء الفيروس في أي مكان من شأنه أن يضعف فرص الانتعاش الاقتصادي، واستمرار الركود الاقتصادي يزيد عدد الدول التي لا تستطيع شراء اللقاح أيضا. وهي حلقة مرتبطة ببعضها كما نرى.

الحل الوحيد أن تتخلى الدول عن فكرة قومية اللقاح ليوزع بالعدل بين دول العالم، وعلى الدول الغنية دعم مبادرة كوفاكس لتوزيع اللقاح بشكل عادل.

كما يمكن تعليق حقوق الملكية الفكرية للقاحات حتى تستطيع مصانع الأدوية في العالم إنتاجه لتوفير كميات تفي حاجة البشرية منه. ويمكن أن يكون تعليق الملكية الفكرية نظير مبالغ معقولة تتحملها الدول الغنية. وعلينا أن نعي أن الوباء يغرق العالم أجمع بغض النظر هل هو بين الدول الغنية أم الفقيرة.