600
600
ولايات

صناعة الفخار عنوان حضاري في ولاية بهلا

19 فبراير 2021
19 فبراير 2021

أفرانها عمرها 400 سنة -

بهلا ـ أحمد بن ثابت المحروقي -

تشتهر ولاية بهلا بمحافظة الداخلية منذ القدم بحرفة صناعة الفخار والخزف ولا يزال أهالي هذه الولاية وشبابها متمسكون بهذه الحرفة ويمارسونها ويبدعون ويتقنون صناعتها ويعملون على المحافظة عليها وتطويرها وتحديثها ويعلمونها الأجيال القادمة ليتواصل العطاء. ولقد أصبحت هذه الحرفة ذات جدوى اقتصادية ومصدر دخل جيد لكثير من الأسر بالولاية.

«عمان» زارت الحرفي سعيد بن عبدالله بن حمدان العدوي في مصنعه الذي يقع بحارة خليفة بولاية بهلا هذا المصنع الذي لم يتوقف ولا يزال متمسكا بهذه الحرفة منذ مئات السنين.

سعيد العدوي: تركت التدريس لأتفرغ لمهنة أجدادي.. و500 ريال دخل المبتدئ -

في بداية الحوار قال العدوي: إن صناعة الفخار في ولاية بهلا تعتبر ركيزة أساسية من ركائز الحضارة العمانية والفخار في السلطنة بشكل عام منذ آلاف السنين ومنذ عرفت البشرية الصناعة، وبالنسبة لصناعة الفخار في عُمان فإن أغلب الولايات بالسلطنة احترفت صناعتها وأدلة ذلك موجود بها حتى الآن، وفي ولاية بهلا فإن اهتمام الأهالي هو الذي مكنها وجعلها تستمر وتحافظ على حرفة صناعة الفخار، وفي الآونة الأخيرة ومع بداية النهضة المباركة كانت في ولاية بهلا 6 مصانع أهلية لصناعة الفخار خمسة منها في حارة خليفة اندثرت ولم يبقَ في هذا الحي سوى هذا المصنع الوحيد حيث تمسكت عائلة سعيد بن ناصر العدوي ونحن أحفاده وعبدالله بن حمدان العدوي وأبناء عمومته بالحفاظ على هذا الموروث وغرسه في أذهان الأبناء من أجل أن تبقى هذه الحرفة وأن لا تضيع . فمصنع العدوي ثبت بداية منذ منتصف السبعينات وهو في تطوير وتحديث مستمر وكان التطوير وفق التوجيه من قبل السلطان قابوس بن سعيد -طيب الله ثراه- لعمل مركز للحرفين وتمت الأوامر بالتوجيه لإنشاء مصنع بالولاية وهذا المصنع لا يزال قائما إلى الآن وهو مركز للتدريب والإنتاج، وهذا المصنع الحكومي له استقلاليته وداعم للحرفين.

التطوير والتحديث

وأشار الحرفي سعيد العدوي بأن مصنع العدوي مستمر وبه تطوير وتحديث مستغلا خامات البيئة الموجودة ومستندا على أكتاف أصحاب هذه الحرفة وعلى أبناء العائلة الذين قاموا بدورهم بنقلها لأبنائهم وغرسها فيهم وجلب معدات ووسائل معينة أكثر تطورا بما يتماشى مع الوقت الحالي ومتطلبات الحرفة لاستمراريتها ومواكبة السوق والتطوير حيث لم تقتصر على صناعة الأواني المنزلية البسيطة كما كانت وإنما أدخلنا فيها شيئا من التطوير كأواني الطبخ وأدوات الزينة والديكور ووضع اللمسات الفنية في بعض القطع وإضافة الأصباغ بأنواعها المختلفة وعملنا على دمج الأصالة والمعاصرة في الكثير من القطع الفخارية حيث لا تقتصر آنية الخرس والتي كانت للتمور والماء ولكنها أصبحت حاليا تستخدم للزينة والديكور وهي تحفة فنية من الزخارف ومن الرسومات البارزة كالقلاع والحصون مع إضافة الإنارة والتصاميم المتنوعة. وعن التقانة الحديثة أشار العدوي بأن التقانة الحديثة بدأت في المصنع منذ 1980 وما زلنا في التطوير بحيث لا نغير معالم الصناعة اليدوية ونحافظ عليها لأنها تعتبر من اللمسات الفنية المطلوبة في حركة اليد إلى جانب ذلك يتم استخدام القوالب والمكابس والأفران الكهربائية الموجودة بجانب الأفران التقليدية التي عمرها أكثر من 400 سنة فنحن نعمل على الجانبين لن نفرط في الموروث اليدوي أبدا لأنه هو الحس الفني المرهف في الإبداع وهو التفكير في التصنيع وهي ما يرتاح لها السائح والزائر حين يزور المصنع ويتابع باهتمام ما تقوم به اليد من تشكيل الطين وتحويله لتحفة فنية وهي الريشة التي ترسم وتبدع كريشة الفنان فصانع الفخار يقوم بالدورنفسه والبشر بطبيعتهم يحبون ما يرونه من إبداع الصانع على طبيعته.

مراحل التصنيع

وعن المراحل التي يمر بها تصنيع الأواني والمنتجات الفخارية أوضح الحرفي سعيد العدوي قائلا: يمر تصنيع الأواني الفخارية بعدة مراحل.

المرحلة الأولى: مرحلة تهيئة المادة الخام، والتربة المخصصة لتصنيع أواني الطبخ وأواني الزينة وأواني التبريد ثلاثة أنواع من التربة: حيث يتم احضار تربة التبريد من الولاية نفسها من نفس التربة الزراعية بينما تربة أواني الطبخ نستوردها حاليا من إيطاليا وأسبانيا ومن الدول التي تهتم بهذا الجانب كبريطانيا، أما تربة أواني الزينة والمزهريات الزراعية والخروس فتستخدم التربة الحمراء وهي موجودة بكثرة في جبال ولاية الحمراء ونجلبها منها من أماكن مخصصة لصناعة الفخار والسيراميك وهي أكثر نقاوة عن غيرها.

وفي المرحلة الثانية يتم خلط التربة بالماء عن طريق المعدات ومن ثم يتم تجفيفها وإزالة الشوائب منها في الأحواض وبعد أن تجف توضع في آلات العجن ونزع الهواء لتكون كتلة واحدة متماسكة قبل التشكيل.

المرحلة الثالثة: وهي مرحلة التشكيل حيث يضع الصانع هذه العجينة على دولاب التصنيع ويبدأ في تشكيل هذه الطينة حسب ما يراه الصانع أو حسب متطلبات الزبون، وفي المرحلة التالية وبعد أن ينتهي الحرفي من تشكيل هذه الأواني يتركها لكي تجف حتى (تسنفر) وتنظف وتهذب وتزال الزوائد ويتم التخفيف من وزنها وإعطائها الصقل الخارجي لتكون آنية متكاملة قبل أن يتم حرقها وتختلف فترة جفافها من الصيف إلى الشتاء، ومن ثم تدخل للفرن بدرجة حرارة تبلغ ألف درجة مئوية تختلف باختلاف الساعات ففي الأفران التقليدية القديمة تحتاج من 3 إلى 4 أيام بينما في الأفران الحديثة الكهربائية تستغرق 16 ساعة تقريبا حسب الكمية الموجودة ونوعية الخام والسماكة، ويتم بعد ذلك إخراجها من الفرن حتى تبرد لتأتي مرحلة الصقل الصبغ (التسجيج) للأواني التي تحتاج لها ويتم حرقها مرة ثانية والتي لا تحتاج للصبغ تعرض مباشرة للبيع والتسويق.

التسويق للمنتجات الفخارية

يقول الحرفي سعيد العدوي: يتم التسويق للمنتجات الفخارية عن طريق البيع المباشر من المصنع كما يلبي المصنع طلبات الزبائن المختلفة من أدوات فخارية وبالمواصفات التي يرغب بها وطرق استخدامها، كذلك التسويق يتم من خلال استغلال وسائل التواصل الاجتماعي والبرامج المختلفة والتسويق الإلكتروني، ويتم التسويق داخل وخارج السلطنة للأفراد والتجار كما يتم التعاون مع المصانع الأخرى بالولاية في تكاملية الإنتاج وتغطية أي عجز لدى أي مصنع، ونعمل على توفير المنتجات في أسواق السلطنة، وأشار العدوي بأن الأيدي العاملة بالمصنع في التصنيع هي من الأيدي العمانية فقط وهذا ما يركز عليه المصنع فالعماني له دوره حاضرا ومستقبلا كما كان قبل ذلك والعماني هو من يصنع ومن يسوق هذا المنتج.

إقبال على تعلم الحرفة

أكد العدوي بأن فكرة المصنع تكمن في غرس مبدأ لا عيب في هذه الحرفة ولابد من الجميع أن يتكاتف لإظهار هذه الحرفة على أنها ذات مردود اقتصادي وذات مكانة اجتماعية وذات عائد حضاري للإنسان سابقا وحاضرا ومستقبلا وهذا ما ألمسه من خلال زيارات السائحين ومن لهم الحس الجميل في الخزفيات واقتنائها وبإذن الله الأمور متجهة للأحسن وإن كانت بطيئة إلا أننا نستشرف أملا فإن عودة الأجيال لهذه الحرفة في تنام عما كان عليه سابقا من الركود والتملل وعدم رغبة الشباب على التدريب لتعلم الحرفة إلا أنه في الفترة الأخيرة نجد الإقبال من الشباب لتعلم هذه الحرفة وتقبلها، ونجد هناك خططا لحجز التدريب هنا في المصنع (خوض التجربة) ففي كل يوم جمعة نفتح المجال للشباب العماني وللفرق النسائية لخوض التجربة والتدريب والتعلم عن قرب ولمس الطين وهذا يجعلنا نستمر في تطوير هذه الحرفة وتذليل الصعاب وإدخال كل ما هو جديد بحيث لا يتعارض ولا يؤثر على الموروث القديم.

ترك الوظيفة الحكومية

كان سعيد العدوي يعمل معلما بوزارة التربية والتعليم لكنه ترك الوظيفة وعاد إلى مصنع آبائه وأجداده وحول ذلك قال: لا بد من دفع الضريبة من أجل الحفاظ على حرفة صناعة الفخار، ولكنني هنا انتقلت من التربية إلى التربة وأشعر بانني لا زلت معلما أعلم الآخرين، وأضاف العدوي: لقد رأيت أن عمان محتاجة لأن نضحي من أجلها للمحافظة على هذه الحرفة حيث اندثرت جميع المصانع في عمان فلم أجد عمانيا يهتم بمصنعه وهذا مصنع الوالد أوصانا بهذه الحرفة وأن نحافظ على هذا المصنع وهذا من البر بالوالدين أن نحافظ على حرفة كادت أن تندثر فضحينا بالغالي والنفيس من أجل أن تستمر ويكتب لها البقاء والوجود في السلطنة بإذن الله، وسنعطي كما أعطى وقدم الآباء والأجداد من شبابهم، ومواصلون هذا المشوار وأولادنا بحمد الله أصبحوا يتقنون الحرفة ويمارسونها معنا في المصنع ولذلك نحن على اطمئنان فالجيل الذي بعدنا سيمسك الزمام.

مردود اقتصادي

وعن المردود الاقتصادي قال الحرفي سعيد العدوي: الجدوى الاقتصادية لهذه المهنة لها أهمية كبيرة ومردود وعائد قوي في حالة أن الشخص ذو مصداقية في الصناعة فأي شخص يتعلمها ويتقنها سيكفي نفسه ويتمنى هذه الحرفة له ولغيره لما لهذه الحرفة من عائد مادي جيد للشخص فدخل الشخص المبتدئ يفوق 500 ريال والشخص المتمكن يصل دخله لأكثر من ألف ريال شهريا لمن يرغب في أن يحترف هذه الحرفة كمصدر دخل يغنيه عن وظيفة ويمنحه الإبداع والتطوير وتكون له بصمة فيما يصنع.

مناشدة للجهات

وفي ختام الحوار وجه الحرفي سعيد العدوي دعوة للجهات المعنية لمراقبة الأيدي العاملة الوافد التي تعمل في حرفة صناعة الفخار، حيث نجد هجمة شرسة من قبل الأيدي العاملة الوافدة على حرفة صناعة الفخار واذا استمر الوضع خلال العشر سنوات القادمة ولم تتحرك الجهات المعنية لوقف هذا التوغل فلن نسمع عن عماني يحترف ويمارس هذه الحرفة لأنهم سيملكونها بطاقاتهم البشرية قليلة التكاليف مع العائد الكبير وسيتولى الوافد زمام الأمور والمواطن يخسر هذه الحرفة التي كانت منذ خمسة آلاف عام فنكرر مناشدتنا لتبقى هذه الحرفة للعماني فقط.