115
115
الاقتصادية

شركات النفط الكبرى .. هل تقودها الخسائر الضخمة إلى الاندماج؟

19 فبراير 2021
19 فبراير 2021

ديريك براور وآخرون - الفاينانشال تايمز -

ترجمة: قاسم مكي -

عندما أبرمت "إكسون" الصفقة الأكبر ضمن موجة من صفقات الإندماجات بقيمة 300 بليون دولار بين شركات النفط في أثناء الانهيار العنيف الذي تعرضت له أسعار النفط أواخر التسعينات من القرن الماضي وجَّه لُو نوتو، الرئيس التنفيذي لشركة موبيل، تحذيرا لصناعة النفط. قال نوتو عند إعلانه الاستحواذ على شركته: "علينا مواجهة بعض الحقائق، العالم تغير، الأشياء السهلة تركناها وراءنا، انتهت سهولة إنتاج النفط وسهولة وفورات التكلفة، لذلك نحن كلنا اليوم نبحث عن سبيل للنجاة". تهديد وجودي الآن تردَّت الموارد والأوضاع المالية التي أوجدتها صفقات شركات النفط الكبرى وأصابها البِلَى والتفتُّت. يتزامن هذا تماما مع فرضِ التحولِ إلى الطاقة النظيفة والشكوكِ بشأن وضع الطلب على النفط في الأجل الطويل على هذه الشركات إجراء مراجعة أخرى لحساباتها واتخاذ إجراءات مصيرية (تتعلق بوجودها)؛ لذلك من المرجح أن نشهد اندماجات كبرى مرة أخرى. يقول جريج ايتكين، رئيس أبحاث الاندماجات والاستحواذات بشركة وود مكنزي الاستشارية: "لدينا انهياران للأسعار في الأعوام الخمسة الأخيرة، وشهدنا أموالا كثيرة تغادر قطاع النفط ومخاوف كثيرة تتعلق بالتحول من الوقود الأحفوري إلى الموارد المتجددة للطاقة وبالقضاء على الطلب في نهاية المطاف، كما شهدنا قدرا كبيرا من عدم اليقين حول مدى سرعة حدوث ذلك، لهذا، الإندماجات والصفقات الإستراتيجية الكبيرة مجدية تماما (بحسابات الاقتصاد) ". خسائر ضخمة سجلت شركات إكسون- موبيل وشيفرون وبريتش بتروليوم (بي بي) وشل خسائرَ تزيد عن 50 بليون دولار فيما بينها في العام الماضي بعد أن أدى الانهيار الذي حدث في الطلب على النفط بسبب جائحة كورونا إلى تدهور أسعار الخام وأجبر هذه الشركات على تقليص خطط إنفاقها. التقارير التي ذكرت هذا الشهر أن إكسون وشيفرون طرحتا على بساط البحث ما يمكن أن يكون أكبر صفقة اندماج صناعي في التاريخ أثناء ذروة انهيار السوق في العام الماضي تشكل مقياسًا لحجم الذعر الذي اجتاح قطاع النفط يقول دانييل يرجين، نائب رئيس مجلس إدارة شركة آي إتش إس ومؤلف كتاب "الخارطة الجديدة" عن النفط، الوضع بدا بالغ الخطورة في الربيع الفائت. ولم يكن واضحا إلى أي حد سيسوء". تبدّد ذلك اليأس الآن. لكنّ المستثمرين يقولون إن الصفقات الكبرى ستكون بمثابة إعادة ترتيب مطلوب ومرغوب لقطاع النفط الذي كان يسجل خسائر قبل انهيار الأسعار. ويرى هذا القطاع الآن الاستثمارَ وهو يستدير متجها نحو منافساته الأنظف (الموارد المتجددة). وقال دارين وودز الرئيس التنفيذي لشركة إكسون-موبيل هذا الشهر أن الشركة "تطارد" صفقات وتبحث عن شركات يمكن أن "تحقق نموا في قيمتها....(لحاملي أسهمها)" وتتكامل مع مكونات محفظتها الاستثمارية. يعني هذا التصريح، فيما ذكر بعض المحللين، إشارة منه بالإيجاب لشفرون. تعزيز التنافسية يرى مسؤول طاقة مصرفي في هيوستون أن الاندماج بين الشركات النفطية الأمريكية الكبرى معقول جدا. فهو يوجد محفظة استثمار نفطي أكثر ربحية من أجل منافسة الشركات الشرق أوسطية والروسية الأقل تكلفة. كما يمكن لمثل هذه الصفقة تحرير رأسمالٍ يُنفق في تقنيات الكربون المنخفض التي يطالب بها المستثمرون. زيادة الإنتاج وخفض التكلفة لكن إنتاج الحجم الكبير يشكل دافعًا مفتاحيًا للاندماج. إنه جزء من استراتيجية "آخر الصامدين" من أجل البقاء حتى في حال تقلّص الطلب على النفط في العقود القادمة. فإذا توحدت شركتا إكسون وشيفرون مثلا يمكن أن تنتجا معا حوالى 6 ملايين برميل في اليوم. وهي كمية تزيد عن تلك التي ينتجها أي بلد عضو في أوبك بخلاف السعودية. نك ستانسبري رئيس حلول المناخ بشركة "ليجال آند جنرال انفيستمنت منجمنت" التي تملك حصصا في عدة شركات نفطية كبرى يقول: "الحجم مسهِّل حقيقي للكفاءة في التكلفة". ويشير إلى أن الصفقات الكبيرة أيضا تساعد بعض الشركات "على الخروج من الانتكاسة المؤقتة" وتسمح للمنتجين بمراجعة وتعديل العمليات الإنتاجية لهذه الشركات حتى "تلعب دورا نشطا في التحول إلى الطاقة المتجددة". وعلى الرغم من الخسائر الضخمة في العام الماضي إلا أن الضغوطات على الشركات العاملة في الأجل القصير خفَّت بفضل التعافي في أسعار النفط التي بلغت 60 دولارا للبرميل أوائل هذا الشهر. وهو أعلى مستوى لها خلال عام كامل. ارتفاع الأسعار يجدِّد الجدل يعتقد بعد المراقبين أن تحسن الأسعار والإجماع المتزايد في صناعة النفط على استمرار ارتفاع الأسعار قللا من الضغوط التي تدفع باتجاه إجراء تصحيح درامي للمسار. وبحسب سام كارجولين، الرئيس التنفيذي لشركة ولف ريسيرش، من المحتمل أن إكسون وشيفرون " تجاوزتا" الحاجة إلى الاندماج. فهو يرى أن أوضاع كلا الشركتين استقرت، وأنهما "لديهما الآن خطة شفافة جدا حتى عام 2025". لكن آخرين يقولون: لا زالت هنالك مخاوف أكبر تحوم حول القطاع وتجبره على التفكير في حلول جذرية. يقول ايتكين في معرض إشارته إلى احتمال عقد هذا النوع من الصفقات أن الاندماجات "لا تتعلق فقط بالأجل القصير ولكنها مرتبطة بالتحول في موارد الطاقة في الأجل الطويل وبالقضاء على الطلب وتقلُّب الأسعار وبسنوات مغيب شمس النفط". وهو يرى أنها تتعلق بانهيارٍ تاريخيِّ لسعر النفط "لم يترك أبقارا مقدسة". وكان المحللون ببنك ستانلي مورجان في العام الماضي طرحوا احتمال شراء إكسون أو شيفرون شركةَ توليد كهرباء أمريكية "كإستراتيجية قد تكون أكثر جاذبية " مقارنة بشراء المزيد من موارد إنتاج النفط. لكن وعلى الرغم من أن شل وتوتال ذكرتا أنهما تريدان التحول من شركات نفطية كبرى إلى شركات طاقة متجددة كبرى إلا أن الصعوبات تكتنف عمليات التحول التي تماثل إعادة تأسيس شركة "دونج إنيرجي النفطية" وتحولها إلى شركة "أورستيد" التي تركز على الطاقة النظيفة (الخالية من انبعاثات الكربون). مع هبوط أسعار أسهم شركات النفط في العام الماضي وتقلص القيمة الرأسمالية لشركة (بي بي) بأكثر من النصف إلى 50 بليون دولار، تحدَّث مسؤولو المصارف والمحللون عن توقعاتهم بتحول الشركة إلى هدفٍ للاستحواذ وأيضا باندماجات أوسع نطاقا في قطاع أوروبا. لكن العراقيل ستقف في طريق موجة أخرى من الاندماجات الكبرى ليس أقلها المراجعات الحكومية لمثل هذه الصفقات. كما أن بيع أصول النفط لجمع أموال تنفيذِ مشروعات التحول إلى الطاقة المتجددة صعب لأن المشترين المحتملين لهذه الأصول يقللون هم أيضا بدورهم من تعاملهم مع موارد الوقود الأحفوري. يقول أحد الصيارفة: " إذا لزمك أن تبيع أصولا (نفطية) إلى أين ستذهب هذه الأصول. ذلك ليس أمرا يسيرا كما في السابق. وحلول محاربة الاحتكار ليست بنفس الوضوح". النفط الصخري- صفقات متوقعة من بين القطاعات التي يُتوقع على نطاق واسع أن تشهد المزيد من الاندماجات والاستحواذات صناعة النفط الصخري الأمريكي التي تضررت بشدة من انخفاض الأسعار. وكانت قد أبرِمت بها صفقات تزيد قيمتها عن 50 بليون دولار في النصف الثاني من العام الماضي، بحسب شركة البيانات "إنفيروس". وراء الاندماجات تكمن حاجة الشركات العاملة إلى تعظيم حجم الإنتاج وخفض نفقات حفر الآبار والتخلص من بعض النفقات العامة والإدارية التي اشتهر عنها تضخمها وانتفاخها في قطاع النفط الصخري. ومن المرجح أن يكون هنالك المزيد من الصفقات خصوصا في حقول النفط الغزيرة الإنتاج في الحقل البيرمي بولايتي تكساس ونيومكسيكو الأمريكيتين وذلك في أعقاب الأوامر التنفيذية التي أصدرها الرئيس جو بايدن بالحدِّ من الحفر في الأراضي التابعة للحكومة الفيدرالية، حسب لي ماجينيس، المسؤول بشركة "ألفاريز آند مارسال" الاستشارية. يقول ماجينيس: " الشركات الحائزة على عدد كبير من المواقع غير الفيدرالية والتي يمكن أن تحفر بها آبار صارت أكثر جاذبية الآن". وهو يرجح عقد صفقة كبيرة أخرى (أو صفقتين) في منطقة الحوض البيرمي مع اتجاه الشركات الأمريكية "المستقلة" الكبيرة إلى الاندماج والاستحواذ. اشترت شيفرون سلفا شركة "نوبل إنيرجي" التي لديها أصول نفط صخري إلى جانب نشاط دولي في قطاع الغاز. ويقول المحللون إن الشركات الكبرى لا تزال تحوم فوق صناعة النفط الصخري بقصد"اقتناص صفقات". وكل الشركات الممتازة التي لديها حقول منتجة وأوضاع مالية وخطط بيئية ومجتمعية وحوكمية متينة تشكل أهدافا كبرى لهذه الصفقات مثل شركات إي أو جي ريسورسيس وبايونير ناتشرال ريسورسيس ودياموندباك وكونوكوفيليبس. يقول يرجين: "نحن في حقبة إندماج واستحواذ. لكن في قطاع النفط الصخري".