am13
am13
أعمدة

هوامش ومتون :أجمل الرسائل

17 فبراير 2021
17 فبراير 2021

عبدالرزاق الربيعي -

يتبادل المحبّون رسائل بعضها منقولة، والبعض الآخر من إنشاء مرسليها، ورغم عفويّتها، وبساطتها، تعدّ هي الأجمل وفق المعيار الذي وضعته الكاتبة أحلام مستغانمي بقولها «أجمل رسائل الحبّ كتبها من ليس لهم علاقة بالأدب»، لكنّها، للأسف، تذهب مع الريح، فيما تبقى الرسائل التي تبادلها الأدباء العشّاق، في الحفظ، والصون، بالكتب، وقبل رحيل الإعلامي الأردني سامي حدّاد (80 عامًا) في لندن لم نكن نسمع عن رسائل (حب) تلقّاها من الشاعرة فدوى طوقان التي سبقته إلى دار البقاء في 12 ديسمبر 2003، ويبدو أنّه تردّد طويلا قبل نشر رسائل قديمة تعود لـ 1975، و1976، و1977، وحين شعر بدنوّ الأجل نفض عنها الغبار، سلّمها لشقيق (سمير)، فنقلها بدوره إلى الناقد المغربي عبد اللطيف الوراري، الذي راجعها، وكتب لها مقدّمة، فصدر كتاب «فدوى طوقان.. رسائل حُبّ إلى سامي حدّاد» عن دار أزمنة، عمّان، 2020 وتضمن 24 رسالة بعثتها الشاعرة فدوى طوقان (1917-2003) والغريب أن الكتاب مرّ بهدوء على الأوساط المغرمة بنبش الصفحات العاطفية المخبوءة للأدباء، رغم أنه يختلف عن الكتاب الذي نشرته الكاتبة غادة السمان في عام 1993، وجمعت به الرسائل التي كتبها لها الروائي غسان كنفاني خلال (1966 و1967) وأثارت يومها ضجّة، واعتبرها البعض إساءة للمناضل الذي أظهرته الرسائل مرتديًا جبة العاشق!، وكذلك تختلف عن رسائل الشاعر أنسي الحاج إلى السمّان التي جمعتها بكتاب (رسائل أنسي الحاج إلى غادة السمان)، وكشفت به عن رسائل حب كان قد بعثها لها الحاج في العام 1963، فالوضع يبدو مختلفًا كون كتاب «فدوى طوقان.. رسائل حُبّ إلى سامي حدّاد» ليس من رجل إلى امرأة، بل من امرأة عاشت في مجتمع شرقي محافظ، ولكن هل هي (رسائل حب) حقًا كما جاء في العنوان؟ أم رسائل تشبه التي يجري تبادلها بين الأصدقاء، خصوصًا أنّها كانت تبدأ رسائلها بكلمات مثل: العزيز الصديق، سامي الغالي، العزيز سامي، العزيز الأثير سامي، فلم تخاطبه بمثلما خاطبت الممثلة ماريا كازاريس الكاتب الفرنسي البير كامو بقولها: «حبيبي، أنحني عند قدميك، أيها الغالي. أرجوك أن تغفر لي، ولنا جميعا هذا التقصير. هي حماقتي وحدي. لا أعرف ماذا حلّ بي؟ لم أعد سيدة لساني. كلما حان دوري، أفكر باستمرار فيما يمكن أن أقوله، فأرتعش فجأة.. ويهرب من لساني الكلام»، وحين تشرح له معاناتها في بروفات مسرحيته «العادلون» «حبيبي. لا أدري ما إذا كان التعب هو السبب، أو ثقل البروفات المضافة إلى العروض العديدة المبرمجة التي أصبحت ثقيلة. حتى هذه الجمعة سنحرم من أية راحة. لكن منذ البارحة لم أعد قادرة على تحمّل أي جملة من مسرحية (العادلون) الثوار الأعزاء في تيههم، يغادرونني من مساماتي، ينتابني إرهاق جسدي شديد كلّما تقمّصتُ شخصيّة (دورا) المسكينة التي تجد نفسها فجأة ضائعة، ومرتبكة» وحتى هذه الرسائل لم تمر بسلام، كما يؤكد الكاتب واسيني الأعرج بقوله «إن كاترين كامو ابنة ألبير كامو رفضت في البداية خروجها إلى العلن قبل أن تقبل بالأمر، وتقوم هي بكتابة مقدمتها» لأنّها وجدت في تلك الرسائل كما يقول الأعرج «ذخيرة حقيقية من المراسلات الثقافية، والإنسانية، مع نهايات الحرب العالمية الثانية، وما بعدها (1944-1959) بحيث يصبح الحب ليس فقط حاجةً إنسانيةً، ولكن ضرورة حياتية»، ويضيف الأعرج: «لقد أثارت هذه المراسلات وغيرها جدلا كبيرا بين الصديق الحميم لكامو، أوليفيي تود، الذي كتب عنه واحدة من أجمل وأوفى السير الغيرية «ولكن لو دقّقنا في رسائل كنفاني لوجدناها مكتوبة كأنها نصوص أدبية، وليست رسائل، فقد ورد في رسالة له قوله لغادة «لا تكتبي لي جوابًا، لا تكترثي، لا تقولي شيئًا، إنني أعود إليك مثلما يعود اليتيم إلى ملجئه الوحيد، وسأظلّ أعود: أعطيك رأسي المبلل لتجفيفه بعد أن اختار الشقي أن يسير تحتَ المزاريب» فمادام لا ينتظر ردًا، فهذا يعني انه يكتب قطعة نثرية، ولكن هل لمثل هذه الرسائل قيمة أدبية تجعل دور النشر تخفّ مسرعة لنشر رسائل هي في النهاية تبقى تهويمات أدبية، كتبت في لحظات خاصة؟ عكس رسائل العشاق الذين تفيض رسائلهم صدقًا، لذا فهي أجملها، حسب مستغانمي.