أفكار وآراء

بيتكوين شرودنجر

17 فبراير 2021
17 فبراير 2021

ويليم إتش. بويتر -

في الثامن من فبراير، أعلنت شركة تِـسلا لإنتاج السيارات الكهربائية التي يملكها إيلون ماسك أنها استثمرت 1.5 مليار دولار أمريكي من احتياطياتها النقدية في عملة البيتكوين في يناير. ساعدت هذه الأخبار في تعزيز سعر العملة المشفرة، الذي كان في ارتفاع شديد بالفعل، بنحو 10% إضافية، ليسجل بذلك ارتفاعًا غير مسبوق ويتجاوز 44 ألف دولار. ولكن في حالة البيتكوين بشكل خاص، لا يرتفع شيء بهذه السهولة إلا كما ارتفع سَـقَـط.

اخـتُـرِعَـت عملة البيتكوين في عام 2008 وبدأ تداولها في عام 2009. وفي عام 2010، ارتفعت قيمة البيتكوين الواحد من نحو 0.08 من السنت إلى ثمانية سنتات. وفي إبريل 2011، جرى تداولها بسعر 67 سنتًا، قبل أن يسجل السعر لاحقًا ارتفاعًا شديدًا ليبلغ 327 دولارًا بحلول نوفمبر 2015. ومؤخرًا، في العشرين من مارس من العام الماضي، بلغ سعر تداول البيتكوين الواحد نحو 6200 دولار، لكن سعره ارتفع منذ ذلك الحين بأكثر من سبعة أضعاف.

اليوم، تُـعَـد عملة البيتكوين فقاعة مثالية عمرها 12 عامًا. ذات يوم، وَصَـفـتُ الذهب على أنه «بيتكوين لامع» واعتبرت سعر هذا المعدن فقاعة عمرها 6000 عام. كان ذلك الوصف للذهب ظالما إلى حد ما؛ لأنه كان يتمتع بقيمة جوهرية كسلعة صناعية (أصبح الآن زائدًا عن الحاجة إلى حد كبير)، ولا يزال يتمتع بقيمة جوهرية كسلعة استهلاكية معمرة تستخدم على نطاق واسع في صناعة المجوهرات. على النقيض من هذا، لا تتمتع عُـملة البيتكوين بقيمة جوهرية؛ لم يحدث ذلك قَـط ولن يحدث أبدًا. فهي من أصول المضاربة البحتة ــ عُـملة خاصة بلا غطاء ــ والسوق هي التي تحدد قيمتها على هواها. لكن عملة البيتكوين تُـعَـد أيضا أصل مضاربة مُـخَـرِّب اجتماعيًا؛ لأن إنتاجها باهظ التكلفة. الواقع أن تكلفة «تعدين» كل بيتكوين إضافي ــ المترتبة على حل ألغاز حاسوبية باستخدام معدات رقمية كثيفة الاستهلاك للطاقة ــ تتزايد بمعدل هائل حتى إن إجمالي المخزون من العملة المشفرة بات مقيدًا بما لا يتجاوز 21 مليون وحدة. بطبيعة الحال، حتى لو لم يتغير بروتوكول إصدار عملة البيتكوين للسماح بمدد أكبر منها، فإن هذه الممارسة من الممكن أن تتكرر من خلال إصدار بيتكوين 2، وبيتكوين 3، وهلم جرا. وعلى هذا فإن تكاليف التعدين الحقيقية ستتضاعف هي أيضا. علاوة على ذلك، هناك بالفعل عملات مشفرة راسخة ــ Ether على سبيل المثال ــ تعمل بالتوازي مع البيتكوين.

ولكن كما يوضح نجاح العملات التي تصدرها الحكومات دون غطاء، فإن عالَـم فقاعات المضاربة لا يقتصر بأي حال من الأحوال على العملات المشفرة. ففي عالَـم يتسم بأسعار مرنة، ينشأ دوما توازن حيث يعتقد الجميع أن العملة الورقية الرسمية ليس لها قيمة ــ وفي هذه الحالة فإنها تصبح بالتالي بلا قيمة. وهناك عدد لا نهائي من التوازنات «غير الأساسية» حيث ينفجر مستوى السعر العام ــ المقابل لسعر العملة الورقية ــ فيرتفع إلى ما لا نهاية أو ينهار فيهبط إلى الصِـفر، حتى في حين يظل المخزون النقدي ثابتًا إلى حد ما أو لا يتغير على الإطلاق.

أخيرًا، هناك التوازن «الأساسي» الفريد من نوعه والذي عنده يكون مستوى السعر (وقيمة العملة) موجبًا ولا ينفجر أو ينهار. ويبدو أن معظم العملات الورقية التي تصدرها الحكومات صادفت هذا التوازن الأساسي وبقيت هناك. يتجاهل تلامذة جون ماينارد كينز هذه التوازنات المتعددة، ويرون أن مستوى السعر (وبالتالي سعر النقود) يتحدد بشكل فريد بواسطة التاريخ ويجري تحديثه تدريجيا من خلال آلية مثل منحنى فيليبس، الذي يفترض وجود علاقة مستقرة وعكسية بين التضخم (غير المتوقع) والبطالة. بصرف النظر عن المنظور الذي يتبناه المرء، فإن حالات التضخم المفرط في العالم الحقيقي ــ ولنتأمل هنا حالة فايمار في ألمانيا أو الحالات الأخيرة في فنزويلا وزيمبابوي ــ والتي تعمل فعليًا على تقليص قيمة المال إلى الصِـفر ليست أمثلة لتوازنات غير أساسية، بل لتوازنات ساء مآلها. في هذه الحالات، انفجرت مخزونات المال واستجاب مستوى الأسعار وفقًا لذلك.

تشترك العملات المشفرة الخاصة والعملات الورقية العامة في ذات النطاق اللامتناهي من التوازنات المحتملة. فيشكل السعر صِـفر احتمالًا دائمًا، مثله في ذلك كمثل التوازن الأساسي المهذب الفريد. من الواضح أن عملة البيتكوين لا تعرض أيًا من هذه التوازنات في الوقت الحالي. يبدو أن ما لدينا بدلًا من ذلك هو شكل مختلف من توازنات الأسعار المتفجرة غير الأساسية. وهو شكل مختلف لأنه يجب أن يسمح لعملة البيتكوين بعمل قفزة ممكنة، وإن كانت غير متوقعة، من مسارها السعري المتفجر الحالي إلى التوازن الأساسي اللطيف أو سيناريو سعر الصِـفر غير اللطيف. لا شك أن منظور التوازن المتعدد هذا يجعل الاستثمار في أصول عديمة القيمة جوهريا مثل البيتكوين أو غير ذلك من العملات المشفرة الخاصة يبدو محفوفًا بالمخاطر.

العالم الحقيقي ليس مقيدًا بطبيعة الحال بنطاق التوازن المحتمل المدعوم بالنظرية الاقتصادية السائدة الموضحة هنا. لكن هذا يجعل عملة البيتكوين أكثر خطورة بوصفها نوعا من الاستثمار.

الواقع أن شراء شركة تيسلا مؤخرًا لعملة البيتكوين يُـظـهِـر أن دخول مشتر إضافي كبير إلى السوق من الممكن أن يعزز سعر العملة المشفرة بشكل كبير، سواء بشكل مباشر (عندما تفتقر الأسواق إلى الأصول السائلة) أو غير مباشر من خلال تأثيرات العرض والمحاكاة. لكن خروج لاعب واحد مهم من شأنه أن يخلف في الأرجح تأثيرًا مماثلا في الاتجاه المعاكس. كما ستخلف الآراء الإيجابية أو السلبية التي يعرب عنها صناع السوق تأثيرات كبرى على سعر البيتكوين.

إن تقلب أسعار العملات المشفرة بهذه الدرجة المذهلة ليس مفاجئًا. ويجب أن تذكرنا تقلبات السوق غير المنطقة العميقة كتلك التي دفعت سعر سهم شركة «جيم ستوب» إلى ارتفاعات غير مسبوقة في يناير (التي أعقبها تصحيح كبير) بأن عملة البيتكوين، التي تفتقر إلى أي مرساة أساسية واضحة للقيمة، من المرجح أن تظل مثالًا نموذجيًا للتقلب المفرط. لن يتغير هذا بمرور الوقت. وسوف تظل عملة البيتكوين تشكل أصلا بلا قيمة جوهرية وقد تكون قيمته السوقية أي شيء أو لا شيء. وأولئك الذين يتمتعون بشهية صحية لخوض المجازفة، وقدرة قوية على استيعاب الخسائر، هم فقط من ينبغي لهم أن يفكروا في الاستثمار فيها.

 

** أستاذ زائر للشؤون الدولية والعامة في جامعة كولومبيا.

** خدمة بروجيكت سنديكيت