النادي الثقافي يناقش نجاح الوحدة الوطنية بقيادة الإمام ناصر بن مرشد (2)

حملت الجلسة الثانية من ندوة "الإمام ناصر بن مرشد.. نجاح الوحدة الوطنية" التي ينظمها النادي الثقافي، أهم عهود الإمام ناصر بن مرشد للمناطق، وأدوار الوالي، والفتن التي واجهت حكمه، بالإضافة إلى الدور الريادي في التصدي للأخطار كما ذكرتها المصادر، بمشاركة عدد من الباحثين والأكاديميين، وأدار الجلسة الثانية الإعلامي نصر البوسعيدي. وفي الورقة الأولى التي قدمها الدكتور ناصر السعدي أوضح أن العهد هو الكتاب الذي يعطيه الإمام أو السلطان للوالي حين يعهد له بالولاية على منطقة من المناطق، ووصلت إلينا أربعة عهود للإمام ناصر بن مرشد وهي: لوالي الصير التي عرفت بجلفار، وعهد والي الباطنة وضم البريمي، وعهد والي صور وإبراء، وعهد والي سمد الشأن، مبينا أنه من حيث الصياغة والمضامين السياسية والإدارية، لا يوجد هناك فارق كبير بين هذه العهود، الفارق الوحيد في تباين بعض المهام التي أعطى الإمام ناصر بن مرشد بها تفويضا لهذا الوالي أو ذاك. وأوضح السعدي أن أهمية العهود ترجع إلى زاويتين، كونها جزءا من التقاليد والهياكل السياسية في عمان تاريخيا، وبنية العهود الداخلية ومضامينها السياسية والإدارية، موضحا أن نظام الوالي هو جزء من الهيكل السياسي في عمان، وقد اعتنى فقه السياسة الشرعية بهذا التقليد الإداري، ولم يترك الفقهاء شاردة ولا واردة إلا تطرقوا إليها في باب الولاة، بل إن في تقسيمات الفقهاء لأبواب السياسة الشرعية نجد بعضا منها يضع الوالي مباشرة بعد الإمام، ووضعت للولاة أسسا وقواعد بدءا من لحظة تعيينه حتى عزله أو وفاته أو انعزال الإمام. ومن مظاهر اهتمام الفقهاء بفقه الوالي تضمين الشيخ خميس بن سعيد الشقصي كتابه "منهج الطالبين وبلاغ الراغبين" بابا في فقه الوالي، أما الشيخ محمد بن عبدالله الخراسيني فقد أدرج في كتابه "فواتح العلوم" بابا بعنوان الحدود الأكيدة والقوانين الشديدة للملكة السعيدة والسلطنة الرشيدة المنتخبة قواعدها من نصوص الشريعة وألفاظها البديعة. وللوالي محمد المعمري سيرة لعماله تضمنت نصائح وقواعد للولاة، هذه النصوص تهدف إلى وضع أطر سياسية وأخلاقية لوظيفة الوالي. وتابع السعدي: إن هناك الكثير من القضايا التي اعتنى بها فقه السياسة الشرعية أولها، شرعية الوالي، وإذا عزل الوالي ينعزل معه أعوانه وعماله، وفي حالة وفاة الإمام يبقى الوالي في ولايته إلى أن يأتي إمام جديد يتمم له العهد، وفي حالة سقوط الدولة لأي سبب كان، أو في حالة وقوع الإمام في الأسر فالوالي يحق له الاعتزال عن الولاية بشرط أن يحافظ على بيت المال في يده، وفي حالة عزل الإمام تكون شرعية الوالي على المحك بعضهم قال ينعزل الوالي والبعض قال يبقى على ولايته، ولا ينبغي للإمام إقامة واليا مطلق الصلاحيات والتفويض إلا أن يكون عالما بأحكام الولاية والبراءة، وحدود صلاحية الولاة عادة تكون في المناطق التي عين فيها ولا يتعداها، ولا يحق للوالي أو عماله وعسكره ممارسة التجارة، ولا يحق للوالي قبول الهدية من الرعايا وأصحاب الدعاوي. . . بنية عهود الولاة . . بعد ذلك فصّل الدكتور ناصر السعدي أن العهد يتكون عادة من ديباجة تكون حمدا لله وشكرا له، واسم الوالي والمنطقة المعين فيها، وحدها الجغرافي وصلاحياته، وتتضمن مصادر التشريع التي يعتمد عليها الوالي في القرآن والسنة وآثار الأئمة المهتدين، وسيرة القادة المخلصين، أما الجزء الثاني من مكونات العهود الأقاليم الإدارية وهي أربعة، وهذه العهود والمناطق التي عين فيها هؤلاء الولاة نستطيع من خلالها أن نتفهم تقسيم الأقاليم الإدارية في ذلك الوقت، مستشهدا بالعهد الأول على سبيل المثال للوالي علي بن أحمد بن عمر بن عثمان النزوي، ولي هذا الرجل على قرية لوى من الباطنة وما حولها وما اشتمل عليها من بلدان الباطنة وديار الحدان والجوى ونجران ودما، وهي منطقة واسعة لوالي واحد. ويضيف أن من بنود العهد صلاحيات الوالي ومهامه وتنقسم إلى قسمين أولها الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وإصلاح الولاية والأفلاج وعمارة المساجد وقبض الزكاة وجعلها في أهلها من الفقراء وحق تعيين العمال، وهناك مهام لا يقوم عليها الوالي إلا بناء على تفويض من الإمام ويتضح ذلك من خلال العهود، ففي بعض العهود أجاز الإمام للوالي المعاملة على الصوافي والمزارعة والإيجار وقبض الغلة والإنفاق على الشراة وإطعام الضيف النازل وحماية البلاد، أما في عهد والي إبراء فجاء تفويض الإمام للوالي بشكل عام "وجعلت لك أن تتصرف في جميع أمور المسلمين ما يجوز لي أن أتصرف فيه"، كما أن طاعة الولاة ضمنها الإمام ناصر بن مرشد في العهود والرعية ملزمة بطاعة الوالي وقد جاء في العهود كلها بنفس المعنى "وقد ألزمت من في هذه البلدان والفيافي والقفار طاعتك، وحجرت عليهم معصيتك ما استقمت حق الاستقامة في جميع أمورك". . . القضاء على الفتن . . من جهته سلط الدكتور راشد الحارثي الضوء على أهم الفتن التي واجهت الإمام ناصر بن مرشد في فترة حكمه مبينا أن عمان في الفترة السابقة لمبايعة ابن مرشد كانت متفرقة إلى دويلات وإمارات متناحرة والكثير من الفتن تقع بين المدينة وجاراتها، وكان الساحل العماني يخضع للاحتلال البرتغالي لمدة ما يقارب قرنا من الزمان، كما توجد بعض الفتن الفكرية كالرستاقية والنزوانية، وقد قضى عليها الإمام ناصر بن مرشد، فضلا عن التعصبات القبلية والتحالفات المنبنية على ذلك والفتن القبلية الموجودة في عمان، ولم يكن هناك أمن أو سلام بل كانت دولة مقسمة ويكاد الشخص يتنقل بصعوبة من مكان إلى مكان، منوها أن الفتن الفكرية من أهم الفتن التي عانى منها المجتمع العماني، والانحراف الفكري في النظر إلى السلطة وكان الحكام قبل ابن مرشد ينظرون إلى السلطة نظرة التجبر والتسلط على الناس وأخذ خيراتهم، وجاء الإمام المتواضع الذي يمثل الشورى ويستشير الناس ويخضع لهم ويرجع للحق مهما كان، فضلا عن التعصب القبلي الذي كان موجودا في الزمن الذي سبق حكمه، وفي عهده انصهر العمانيون في بوتقة الوحدة الوطنية الدينية التي تحافظ على الإسلام مهما كان مذهبه والتي تحافظ على الجنس الإنساني مهما كان جنسه، سواء كان عربيا أم غير عربي، لذلك ضم جيش الإمام ناصر جنودا من مختلف العرقيات والجنسيات والقبائل لتخليص البلاد والمنطقة من احتلال واستعمار البرتغاليين. ويوضح الحارثي أن الإمام ناصر بن مرشد تعرض للعديد من الانقلابات والمحاولات الانفصالية في عدد من المناطق من الذي يرفضون الوحدة الوطنية، إلا أنه تمكن من إسكاتهم ومسامحتهم بعد إعادة مبايعته، ليتمكن من توحيد عمان، والسير بها لمحاربة المحتل والقضاء عليه. السيرة والأثر وفي الختام قدمت الدكتورة هدى الزدجالية في ورقتها نماذج من السير التي سجلت للإمام ناصر بن مرشد أهمها كتاب ابن قيصر الذي يبدأ بالحديث عن عقد الإمامة وثبتها عام 1034 هجريا الموافق 1624، وأشاد به وقال أنه يتميز بحسن السيرة والأخلاق وأن موطنه قصرى بالرستاق، وتطرق إلى ولاة وعمال وقادة الإمام بن مرشد، كما نجد في الكتاب أنه تطرق إلى مجموعة من المشكلات التي أرقت الإمام في طريقه إلى الوحدة وللتصدي للبرتغاليين، وركز فيها على موضوع مالك بن سنان وعن موضوع الجبور ووجودهم في الظاهرة ولوى وكانت من القلاقل التي أرقت الإمام وكيف تعامل معهم بالكثير من الحلم والصبر، وكان الحل العسكري آخر الحلول التي اتخذها. مشيرة إلى أن الإمام يضطر أحيانا أن يذهب بنفسه على رأس بعض الحملات إلى مناطق تشكل وتصعب على قادته وولاته وعماله، كما حدث في حصن سمائل والمشكلة الكبيرة الموجودة فيها، وكذلك ينقل والظاهرة التي احتاجت لأن يذهب إليها بنفسه، وكذلك الصير التي كانت تعاني في الوقت نفسه من خطر النصارى وهم البرتغاليين وخطر العجم وهي الحملات الفارسية بالإضافة إلى دبا، وكان الإمام دائما يعتمد على السياسة السلمية ليحقن الدماء، وقد تكرر هذا المصطلح في الكتاب في مواضع كثيرة، وتحدث في كتابه بشكل موسع عن صحار ولوى والوحدة الوطنية، كما تميز برثائه للإمام ناصر بن مرشد بشكل كبير في كتابه. كما تطرقت الزدجالية إلى كتاب آخر وهو كتاب الرحيلي الذي ناقش بشكل مفصل معارك ضد البرتغاليين، واتجاه الإمام لفتح خورفكان التي طالت مواجهتها لمدة سنة كاملة حتى استطاع الإمام هزيمة البرتغاليين الموجودين فيها عن طريق والي صحار، كما انفرد الرحيلي ببيعة الإمام ناصر بن مرشد، التي لم تتوفر في المصادر الأخرى بذلك الوصف التفصيلي.