am8
am8
أعمدة

صوف وجلود

16 فبراير 2021
16 فبراير 2021

عادل محمود -

قصر أسعد باشا العظم في دمشق ...أحد المعالم الأثرية المهمة، تاريخًا وعمارة. وفيه جزء كبير من الأحداث السورية في العهد العثماني.

زرت هذا القصر عندما كان عمري 20 عامًا، وكمية من أنواع الفضول المعرفي والبصري. وقبل أسبوع قررت زيارة هذا القصر مرة أخرى. بعد خمسين عامًا.

تركت لنفسي القديمة أن تقودني في هذه الزيارة الجديدة ، مع الفارق أنني الآن أعرف كثيرًا عن المكان، وأستطيع تخيل الباشا أسعد العظم، وهو يقود الإجراءات التي تكفل دوام الولاية على دمشق، من سحق التمردات إلى جباية الأموال.

عند الدخول إلى غرفة الوالي أسعد باشا العظم...توقفت لأتخيل تفاصيل يوم واحد مما جرى في هذه الغرفة:

يجمع الوالي المستشارين ويشرح لهم الوضع الصعب الذي تمر به ولاية دمشق. من الفقر وشح الموارد، وخواء الخزينة، ويطلب إيجاد الحل. وكعادة المستشارين، بلا خيال، يقترحون أقرب الحلول: زيادة الضريبة على كل شيء. وخاصة صنّاع النسيج. وصغار الحرفيين.

فسألهم الباشا: كم تتوقعون أن تجلب لنا هذه الضريبة؟

فقالوا: من خمسين إلى ستين كيسًا من الذهب.

فقال: ولكنهم أناس دخلهم محدود، فمن أين سيأتون بهذه الأموال.

قالوا: يبيعون جواهر وحلي نسائهم.

فأبلغهم أنه سيحصل هذا المبلغ بطريقة أخرى.

في اليوم نفسه... طلب مجيء المفتي لمقابلته. وعندما مثل بين يديه فاجأه الباشا: نما إلى علمنا أنك، ومنذ زمن طويل، تشرب الخمرة، وتخالف الشريعة، وإنني مضطر لإبلاغ «إسلامبول». لكنني فضلت أن أخبرك أولًا. توسل المفتي وعرض ألف قطعة نقدية فرفض الباشا وظل يرفع المبلغ حتى رسى على ستة آلاف قطعة، وبعد الحصول على المبلغ عزله من منصبه.

في اليوم التالي استدعى القاضي وتعامل معه بالطريقة نفسها متهمًا أياه بالرشوة، واستغلال المنصب، فدفع نفس مبلغ المفتي.

كذلك جاء دور المحتسب، والآغا، ونقيب الأشراف... وكل المسؤولين في الولاية، ودفعوا ما طلب منهم ثم عزلهم .

بعد الانتهاء... جمع المستشارين والحاشية وأبلغهم أنه جمع 200 كيس من الذهب. فتساءلوا كيف؟ فأجاب:

«إن جزّ صوف الكباش، خير من سلخ جلود الحملان».

غادرت غرفة هذا الداهية، والجملة تتراقص أمامي في هواء غرفته. وتحوم كالقدرالمعاكس :

فكما هو متوقع ... استدعاه السلطان، ذات يوم، وصادر كل أمواله ، ثم أمر بقتله !