33
33
الثقافة

النادي الثقافي يناقش نجاح الوحدة الوطنية بقيادة الإمام ناصر بن مرشد

16 فبراير 2021
16 فبراير 2021

مستعرضا حياته ومبايعته واستراتيجيته في الحكم -

كتبت: خلود الفزارية -

نظم النادي الثقافي ندوة ناقشت دور الإمام ناصر بن مرشد في الوحدة الوطنية العمانية استضاف فيها عددا من الباحثين والأكاديميين في جلستين، تطرقت أولاهما إلى نشأة الإمام وسيرته وحكمه ومواجهته للبرتغاليين.

وأدار الجلسة الأولى الدكتور سالم الصوافي الذي قدم بالشخصية في ترحيبه بالضيوف وأشار إلى أن الإمام ناصر بن مرشد شخصية لها حضورها في تاريخ عمان، ورجل وحّد عمان تحت راية واحدة بعد حروب داخلية قابلها بعزم وحزم، وجندل دولة البرتغال ودكّ معاقل الاستعمار ودحر فيالقهم وأقضَّ مضاجعهم.

وفي ورقته أوضح الدكتور موسى البراشدي أنه وبمبايعة الإمام ناصر بن مرشد اليعربي تعد عمان قد دخلت في التاريخ الحديث، وأول من كتب عن سيرته هو الشيخ عبدالله بن خلفان الصحاري المعاصر له، وكتابه المرجع الأساسي للحديث عن تاريح هذا الإمام، أما نسبه ونشأته فقد ولد الإمام في وقت كانت فيه الأوضاع سيئة في تلك الفترة، فالسواحل العمانية كانت في قبضة البرتغاليين بينما الداخل كان في حالة يرثى لها من الانقسام والتمزق.

مضيفا أن الإمام نور الدين السالمي أشار في تحفة الأعيان إلى أن الإمام ناصر بن مرشد ضلع بالإمامة وهو ابن عشرين عاما، ويمكن أن نقول لو أن مبايعته كانت في عام 1034 هجريا، فإن ولادته كانت في عام 1014 هجريا، أي أنها في بداية العقد الثاني من القرن الحادي عشر الهجري الموافق للقرن السابع عشر الميلادي، وقد توفي والده وهو صغير، تاركا اثنين من الأبناء وهما ناصر وجاعد، تربوا في بيت والدتهم التي تزوجها الشيخ خميس بن سعيد الشقصي، وعاش في كنف الشيخ خميس وقد أكسبه ذلك نزعة دينية تتسم بالتقوى والورع والصلاح والزهد والرغبة بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وقد تجلت هذه بعد توليه للإمامة، كما كان جده حاكما للرستاق، أما والدته فالمصادر ترجح بأنها توفيت قبل تولي ابنها الإمامة، وله ابن اسمه حسين وابنة اسمها نصراء.

أما حياته العلمية فإن أبرز شيوخه هو الشيخ خميس الشقصي، كما تلقى العلم على يد العلماء الذين بايعوه، وأما إسهاماته العلمية فتوجد على هيئة مجموعة من الفتاوى في بعض المدونات الفقهية، وترك خزانة أو مكتبة في تلك الفترة من الجدير الاهتمام بها لإيجاد بعض المخطوطات، أما دوره العلمي فقد عمد إلى تمكين العلماء من إدارة الدولة، وكان يسمح لولاته باستخدام الأموال العامة لأغراض التعليم، منوّها أن نشأته طبعته بالحزم والقوة باعتباره من سلالة ملوك؛ وتعاضدت المؤهلات الأخرى كالعلم والورع والتقوى والصلاح والتربية الدينية لمبايعته إماما، وقد مرت بيعته بعدة مراحل من التراسل السري بين العلماء ثم التشاور المبدئي بينهم فالبيعة الخاصة وأخيرا البيعة العامة.

وتناول الباحث سيف المسكري في ورقته تنصيب الإمام ناصر بن مرشد إماما لعمان مبينا أن اختياره هذا شكل حدثا مهما، لأن معرفة أهمية الحدث تستوجب الرجوع للخلف لعام 280 هجريا الموافق 893 ميلاديا، حيث كان سقوط الإمامة الثانية بعد دخول الوالي العباسي محمد بن بور وسيطرته على عمان، ومظاهر ذلك كثيرة ابتداء من النزاع الرستاقي النزواني في قضية عزل الصلت بن مالك، وبروز إمامات مختلفة كل إمامة تمثل إحدى هذه المدارس، والتدخل الخارجي منذ أواخر القرن الثالث وحتى منتصف القرن الخامس الهجري، والصراع البويهي والقرمطي على عمان، وفي عصر النباهنة تعرضت عمان لسلسلة من الغزوات، وكذلك الهرامزة في فترات طويلة حتى أصبحوا مسيطرين على جزء كبير من السواحل العمانية حتى مجيء الاحتلال البرتغالي، وبنو جبر وتدخلاتهم في الصراعات الداخلية بين الأطراف المختلفة في عمان.

وتابع أنه كان من الطبيعي أن يؤثر الموقف السياسي على الأوضاع الاجتماعية والاقتصادية، فالوحدة الوطنية مفهوم حديث يرتبط بمعاني ودلالات مختلفة أهمها مفهوم المواطنة، فتوحيد الصف هو الهدف الأسمى من المباحثات التي سبقت تنصيب ابن مرشد، بأن ينصبوا لهم إماما يأمرهم بالمعروف وينهاهم عن المنكر ويكون لهم مقدما، وهذه المطالب لم تكن حكرا على العلماء فالناس أقبلوا يدعونه لإصلاح أحوالهم، أما سير الأحداث التي أعقبت مبايعة الإمام ناصر بن مرشد فتدلُّ على أنه استغرق قرابة عشر سنين في سبيل تحقيق الوحدة الوطنية قبل التصدي للعدو البرتغالي، وهذه المسارات كانت ببُعدين سلمي وحربي.

من جانبه أوضح سالم البادي في ورقته أن الإمام ناصر بن مرشد كان رجلا استثنائيا، حيث أصبح إماما بغير خلفية حاكمة، وقد أتى في ظرف صعب كانت البلاد فيه مقسمة واستطاع أن يغير كل المفاهيم، فوحّد البلاد وطرد البرتغاليين من عمان باستثناء مسقط، وكان يتيما، لذلك فهو مصدر إلهام لكل شخص منا.

مضيفا أن البرتغال كانت أول من فكر بالكشوفات الجغرافية في العصر الحديث، وكان الموضوع مرتبطا بالتجارة بالرغم من زعمهم أنهم توسعوا للتبشير بالمسيحية، ولكن الحقيقة أنّ همهم هو التجارة وخاصة تجارة التوابل، ومن أهم أنواع البهارات التي يسعون إليها كان الفلفل الأسود، وكانوا يعتبرونه أغلى من الذهب وكانت الكنيسة تتقاضى أموالها بمقدار من الفلفل، وقال أحد المؤرخين الهنود إن السبب الخفي وراء جميع الحروب التي نشبت في بلاد الروم هو الفلفل وحب السيطرة على الأسواق.

وتابع البادي قائلا: إن في تجارة القوافل كانت هناك ثلاثة طرق قبل اكتشاف طريق رأس الرجاء الصالح، طريق الحرير العربي وبلاد الشام، وطريق البحر الأحمر ومصر، وطريق يمر عبر الصين وقد كان صعبا جدا، وحين اكتشف طريق رأس الرجاء الصالح أصبحوا يسافرون من لشبونة عبر البحر إلى أن وصلوا للهند مما سبب دمارا للكثير من الدول ومنها دولة المماليك، وانتقلت التجارة المربحة مباشرة من الهند إلى الدول الأوروبية، لذلك حاول الأوروبيون السيطرة على هذه المناطق لأنهم اكتشفوا منجم الذهب، وأتى البرتغاليون وسيطروا على إفريقيا والهند ثم الخليج العربي وكانت وجهتهم هرمز لأنها كانت الثقل الاقتصادي في تلك الفترة.

مبينا أن البرتغاليين احتلوا المناطق وعاثوا في الأرض الفساد، ولم يهدأ العرب عندما سيطرت البرتغال على أراضيهم فقامت عدة ثورات، فكانت ثورة قلهات عام 1619م وفشلت، وبعد تلك المحاولة استمرت بعدها الثورات، كما أن ثورة عام 1521م قامت بتخطيط من أهل هرمز وكانت ستنجح لولا الخيانة، وثورة أهل البحرين عام 1626م وتوالت الثورات حتى استطاعوا طرد البرتغاليين عام 1602م بعد احتلال دام 40 عاما، من جهتهم قام البرتغاليون ببناء تحصينات دفاعية تحميهم لأنهم لا يمتلكون العدد الكافي من البشر مما سهل القضاء عليهم.

واستطاع ابن مرشد توحيد البلاد ثم طرد الغزاة، وبعد انتهائه من هدفه الأسمى بتوحيد البلاد، اتجه لتحقيق الهدف الثاني باتخاذ عدد من الخطوات بتشكيل جيش وطني مهمته القتال فقط، محاولا إيجاد تمويل لتسليح الجيش، وإيجاد المعلومات الاستخباراتية عن أحوال البرتغاليين ونقاط ضعفهم، ومن خلال ما توفر اتّجه إلى تحرير البلاد، والمنطق يقول: إن أكبر منطقة في عمان كانت تحت حكم البرتغاليين هي مسقط فيفترض بالمنطق أن يذهب لأضعف منطقة، فكان له فكر كبير، فأراد أن يضرب البرتغاليين في أكبر معقل لديهم واختار مسقط، وقام بتوجيه أول ضربة بقيادة مسعود بن رمضان إلى الهجوم على مسقط، وحركوا قطعة من جيوشهم والتقى الجيشان في الدويك، وفوجئ البرتغاليون بقوة وصلابة الجيش العماني بعد أن تعودوا على صد الثورات في السابق، وكان الجيش العماني منظما بفكر وقيادة منظمة في الهجوم، ولم يستطع البرتغاليون الصمود مع الجيش الفتيّ القويّ الذي كان يسعى إلى هدف مقدس، فرجع البرتغاليون إلى تحصيناتهم وطلبوا الصلح مع الإمام ناصر بن مرشد.

وجاء الصلح بالخطوات التالية: أن يرفع البرتغاليون أيديَهم عن أموال وحقوق العمور والشيعة في صحار، وعدم التعرض للمسلمين بسوء ومعاملتهم معاملة حسنة، بعدها تزلزلت قلوب البرتغاليين فتوجه الإمام ناصر بن مرشد لاستثمار هذا النجاح موجها جيشه إلى تحرير مناطق أخرى، وتوالت المناوشات مما أدى إلى مهاجمة مسقط وكانت اتفاقية ببنود جديدة أهمها هدم الحصون ووقف القتال، وضمان حرية التجارة للعمانيين وعدم التعرض لها، وقد قضى على كل المعاقل ما عدا مسقط لأن الجيش كان متعبا وجاءت للبرتغاليين تعزيزات خلال فترة حروب الإمام الأخرى، ولم تتوقف الحروب، وتوفي الإمام ناصر بن مرشد قبل أن يتمكن من أن يفتح كل البلاد ويسيطر عليها باستثناء مسقط في عام 1649م.