أفكار وآراء

رسائل عربية مبكرة إلى الإدارة الأمريكية الجديدة

06 فبراير 2021
06 فبراير 2021

د. عبدالعاطي محمد -

على غير المعتاد، لم تمض سوى أسابيع قليلة, حتى تسارع صدور الرسائل العربية إلى الإدارة الأمريكية الجديدة بقيادة جو بايدن. ومن تابعها يلحظ بوضوح أنها رسائل تحدد المخاوف والآمال المرتبطة بالدور الأمريكي في القضايا الساخنة بالشرق الأوسط، وتدعو إلى أن يتحرك الجانبان سريعا وبروح إيجابية لتحقيق الثقة فيما بينهما من ناحية، والعمل المشترك للتوصل إلى حلول سياسية سلمية لهذه القضايا وبالأخص القضية الفلسطينية باعتبارها جوهر الصراع في الشرق الأوسط من ناحية أخرى.

في حالات سابقة بدءا من إدارة جورج بوش الإبن ووصولا إلى إدارة دونالد ترامب مرورا بإدارتى بيل كلينتون وباراك أوباما، اعتدنا تقديرات مواقف معينة مع وصول إدارة أمريكية جديدة إلى البيت الأبيض،لا تخرج عن 3 خيارات، إما التوجس والخوف من سياستها تجاه الشرق الأوسط عموما وقضية السلام بين الفلسطينيين والإسرائيليين خصوصا، أو تعليق آمال عريضة عليها بمطالبتها بممارسة ضغوط على الطرف الإسرائيلي, أو الانتظار والترقب. هذه المرة اختلف الأمر سواء من حيث التوقيت أو المضمون. فقد جاء تقدير الموقف سريعا ودون انتظار أو ترقب بما يعني أن خريطة الأحداث وطبيعة المشكلات واضحة جدا في ذهن صانع ومتخذ القرار العربي, لا مبهمة أو غامضة، وتضمن تحديدا لما هو قائم بخصوص هذا الدور باعتباره دورا غير نزيه، ومطالبة صريحة بالتغيير ليكون محايدا. وربما بدت الرؤية العربية غير متسقة مع الموقف الواضح المسبق لإدارة بايدن المتمثل في تبني حل الدولتين وهو الحل الذي يريده الطرف العربي. ولكن برغم التلاقي في المضمون لم تتلاش المخاوف بل تم التأكيد عليها بشدة انطلاقا من خبرة الماضي حيث كان ذلك متوفرا لدى إدارات سابقة لإدارة ترامب ومع ذلك لم يحدث تقدم وانتهت المسيرة إلى حالة الجمود بما يهدد بقوة مصير القضية الفلسطينية. وعليه لم يعد تعليق الآمال أو المطالبة بممارسة الضغوط خيارا مفيدا أو إيجابيا، وإنما أصبح من الواجب والضروري أن يتسم الدور الأمريكي بالحياد والنزاهة, وإلا تعود أية محاولات جديدة إلى نفس نقطة الصفر.

ومن جهة أخرى لم يتوقف تقدير الموقف للسياسات المتوقعة أو المنتظرة من الجانب الأمريكي عند المطلوب أمريكيا فقط, بل ظهر عامل جديد تماما وهو ضرورة العمل على تحقيق وحدة الموقف العربي. ومرة أخرى قد يبدو هذا غريبا لدى البعض حيث المفترض أو المعطى الذي لا جدال على توفره هو أن الموقف العربي يعكس رؤية والتزامات وسياسات واحدة فيما يتعلق بمسيرة السلام بالشرق الأوسط. ولكن ما لا يستطيع أحد تجاهله هو الاعتراف بالافتقاد لوحدة الموقف العربي طوال السنوات الماضية ومنذ أن توقفت المفاوضات بين الجانبين الفلسطيني والإسرائيلي قبل نحو 6 سنوات، وزاد الانقسام في السنوات الأربع الأخيرة. وحقيقة الأمر أن الافتقاد للموقف الموحد لم يقف عند كيفية التعامل مع الملف الفلسطيني، وإنما أصاب كل مجالات العمل العربي المشترك بالعطب حتى ساد الإحباط مناخ العلاقات العربية - العربية، وبالنتيجة أصبح الأمن القومي العربي مهددا من أكثر من زاوية. وجاءت المصالحة الخليجية لتضع حدا لهذا الوضع وتفتح صفحة جديدة للعمل العربي المشترك ليس فقط في اتجاه الدعم للحقوق المشروعة للشعب الفلسطيني والتوصل إلى حل عادل وشامل للصراع العربي الإسرائيلي، وإنما لمواجهة عديد التحديات الأخرى أمنية كانت أم سياسية أم اقتصادية أم إنسانية. لم يكن كافيا أن تصدر فقط الرسالة السياسية الموجهة من صانع ومتخذ القرار العربي إلى الإدارة الأمريكية الجديدة لتصويب موقفها إن كانت صادقة فعلا فيما أعلنته مسبقا باختيارها الحل نفسه الذي يريده الجانب العربي, وإنما كان من الضروري أن تصاحبها وبنفس الأهمية والقوة رسالة أخرى موجهة إليها تقول ما معناه أن المنطقة العربية لديها الآن موقف موحد في الملفات الساخنة التي تتصدر قائمة انشغالاتها اليومية، وفي القلب منها ملف التسوية السياسية للصراع العربي الإسرائيلي وتحقيق الحقوق المشروعة للشعب الفلسطيني. وكان من الضروري البرهنة للإدارة الأمريكية الجديدة على هذا قائم بالفعل لا بالقول فقط. ولنا أن نتذكر عديد الانتقادات التي كثيرا ما صدرت من جهات اتخاذ وصناعة القرار في واشنطن تركز على غياب الطرف الفلسطيني الذي يمكن الاعتماد عليه في المفاوضات، وعلى غياب الموقف العربي الموحد من أسس قيام السلام بين العرب وإسرائيل.

هذه الرسائل هي ما يمكن استنتاجه من قراءة المقال الذي كتبه أحمد أبو الغيط الأمين العام للجامعة العربية في جريدة الشرق الأوسط (28 يناير 2021) تحت عنوان: «بايدن والمنطقة العربية.. الواقع والطموح». وبرغم كونه مقال رأي في نهاية الأمر ويتم النظر إليه على أنه يحمل وجهة نظره الشخصية ولا يعبر بالضرورة رسميا عن الموقف العربي, إلا أنه عندما يصدر عن رجل بهذه المكانة ومن البديهي أنه يحسب كلماته بدقة شديدة لأنه يمثل في النهاية جامعة الدول العربية ومنشور في صحيفة عربية مؤثرة, يتعدى الأمر كونه وجهة نظر شخصية فقط, بل يعد رسالة إلى صانع ومتخذ القرار في الإدارة الأمريكية الجديدة يتعين أن يقف جيدا عند محتواها وهو يتأهب لخوض تجربته مع عملية السلام في الشرق الأوسط. وقياسا على ذلك مثلا أننا نقف دائما باهتمام عندما يصدر كتابة من الشخصيات السياسية التي تحظى بمكانة إقليمية أو دولية, وهو في هذه الحالة شأنه شأن أمين عام الأمم المتحدة أو المنظمة الأفريقية أو منظمة التضامن الإسلامي وغيرهم ممن هم في مواقع مشابهة. ودون الإسهاب في عرض ما جاء بالمقال لأنه متاح للجميع, يمكن التوقف عند بعض الكلمات والمعاني التي تشكل الرسالة الأولى عربيا إلى الإدارة الأمريكية فيما تعلق بالقضية الفلسطينية. لا ينكر الأمين العام أهمية الدور الأمريكي ولا يستبعده بل على العكس يؤكده ويطلب هذا الدور, ولكنه لا يخفي وجود مشكلة لدى صانع ومتخذ القرار العربي من هذا الدور يجب أن يتم حلها من الجانب الأمريكي, ولا يخفي القلق الذي انتاب المنطقة العربية من سياسة الرئيس السابق دونالد ترامب ولا اعتراضه على هذه السياسة, ويطالب بتغييرها. يقول: «القضية الفلسطينية من أكثر الموضوعات التي ستتطلب من إدارة بايدن نهجا مختلفا.. هناك حاجة ماسة لاستعادة ثقة الفلسطينيين بالمسار السياسي السلمي، ولاستعادة الثقة بمنهج حل الدولتين باعتباره أساس التسوية». ولاستعادة الثقة يناشد الأمين العام للجامعة العربية إدارة بايدن بأن تقوم بدورها كوسيط محايد. ويطرح مسارا مختلفا بعض الشيء عما كان متبعا فبدلا من أن تنحصر عملية التفاوض لتجري بشكل مباشر بين السلطة الفلسطينية والحكومة الإسرائيلية، يقترح توسيع دائرة المعنيين بالمفاوضات لتأخذ شكلا جماعيا. فهو يطالب بعملية سياسية سلمية تشارك فيها أطراف دولية وعربية سواء في إطار الرباعية الدولية, وهنا يضيف جديدا هو أن تتوسع لتتضمن أصوات عربية, أو في إطار دولي يضمن حشد جهود كافة الأطراف المعنية بصنع السلام في الشرق الأوسط. ومما يفهم من ذلك أنه يريد بهذا الطرح الجديد لمسار السلام أن يحقق الثقة عند الطرف الفلسطيني بعد أن ضاعت هذه الثقة جراء التسويف الإسرائيلي المستمر وعدم الوفاء بالالتزامات (يكفي أن نتذكر الاستمرار في الاستيطان برغم كل المناشدات الدولية لإسرائيل بالوقف عنه حتى من إدارات أمريكية سابقة)، هذا من جهة، ومن جهة أخرى يريد أن يضمن حياد الطرف الأمريكي لأن واشنطن لن تكون منفردة بالوساطة في ظل إدارة جماعية دولية لمسألة المفاوضات، ومن جهة ثالثة حرص الأمين العام للجامعة العربية على توضيح أن اتفاقيات السلام التي تمت مؤخرا بين دول عربية وإسرائيل تسهم في خلق مناخ إيجابي من الثقة بما يساعد على معالجة القضية الفلسطينية, منبها الطرف الإسرائيلي بأنه يخطئ إذا تصور أن هذه الاتفاقيات بديل عن التسوية وحل الدولتين. وذلك الأمر يعد جانبا من الرسالة السياسية العربية للإدارة الأمريكية الجديدة، بمعنى ألا تفهم أن الطرف العربي قد أسقط مثلا ثوابته لتحقيق السلام وفقا لما جاء في مبادرة السلام العربية 2002. وفي نفس الوقت يمكن النظر لهذا الطرح على أنه علامة من علامات الموقف العربي الموحد الذي بدأ يتشكل بعد قمة العلا الخليجية.

وبنظرة إضافية إلى الجزء العربي من الرسائل الجديدة الموجهة إلى واشنطن، يمكن القول إن الدعوة لعقد مجلس الجامعة العربية على المستوى الوزاري (8 فبراير 2021) لتعزيز التضامن العربي ودعم الحقوق المشروعة للشعب الفلسطيني وفقا لما ورد على لسان حسام زكي الأمين العام المساعد للجامعة العربية، هي خطوة في اتجاه البرهنة على انتقال الوضع العربي من الانقسام إلى الوحدة مجددا وجاءت للبناء على ما تحقق في قمة العلا الخليجية لتكتمل صورة الرسائل السياسية الجديدة الموجهة إلى واشنطن بأن هناك مطلبا عربيا بدور أمريكي محايد فعلا لا قولا ولتحقيقه يمكن توسيع دائرة الوساطة الخارجية في عملية السلام مع الاتفاق على أن حل الدولتين هو الذي يضمن العدالة والسلام الدائم للجميع المعنيين، وهناك موقف عربي موحد يساند الموقف الفلسطيني (خصوصا مع جولة الحوار بين الفصائل بالقاهرة السابقة لانعقاد المجلس الوزاري). ونختم بما قاله الأمين العام للجامعة في مقاله وهو أن منطقتنا ليس مكتوبا عليها كقدر محتوم أن تعيش في اليأس بل متأهبة ومستعدة لحياة جديدة مفعمة بالأمل!.

■ ينشر بالترتيب مع وكالة الأهرام للصحافة