88988
88988
ولايات

كهف الهوتة.. عالم واسع في باطن الأرض يحتضن الأحياء والمياه !

05 فبراير 2021
05 فبراير 2021

من أبرز كنوز ولاية الحمراء بمحافظة الداخلية -

كتب: عامر بن عبدالله الأنصاري -

تصوير: فيصل البلوشي -

نعود بالسنين إلى الوراء، إلى ستينيات القرن الماضي، لنتخيل ذلك الراعي الذي يسير بماشيته نحو الفضاء الواسع لتأكل دوابه من خيرات أرض ولاية الحمراء بمحافظة الداخلية بجوار قرية «الهوتة»، وذات يوم ضلت إحدى مواشيه داخل فتحة جبلية، ليدخل باحثا عنها، يسير في ظلام دامس، والفتحة تزيد اتساعا إلى درجة المساحة الشاسعة، لا شيء يراه، يتبع مسار صوت الماشية، اعتدال ملحوظ في الأجواء، صدى للصوت، صوت خرير مياه، في وسط تلك المشاعر الغربية انطلقت شرارة نحو هذا اليوم!

من هنا كانت البداية نحو اكتشاف «كهف الهوتة» العملاق، والذي يعد من أشهر كهوف العالم، كما أخبرنا المرشد السياحي عن تلك المعلومة ومعلومات كثيرة أخرى..

مشروع فريد

في تلك الأثناء التي كنا نجول فيها بمحافظة الداخلية، للوقوف على أبرز معالمها ومزاراتها السياحية، كانت من أبرز وجهتنا – أنا والزميل المصور فيصل البلوشي- نحو «كهف الهوتة»، ذلك المشروع السياحي الفريد المعتمد على روعة جيولوجيا السلطنة، بل روعة جيولوجيا الأرض، أحد مشاريع شركة «عمران للتنمية السياحية» الذي يديره إبراهيم بن سعيد الوهيبي، حيث كان في استقبالنا مرحبًا بنا، وبجهودنا نحو تسليط الضوء على المشروع وما يتضمنه من مرافق، وسمح لنا بالتصوير داخل الكهف، مؤمنًا برسالة الإعلام التي تسعى لإبراز مكونات السلطنة الجمالية.

جدول الزيارة

وفي حديث لـ «عمان» قال إبراهيم الوهيبي: «هناك جهود حثيثة ومستمرة للتعريف والترويج لكهف الهوتة كوجهة سياحية ومعلم جيولوجي فريد، حيث إننا نستقبل العديد من طلبة المدارس والكليات والجامعات والمهتمين بهذا الإرث الجيولوجي، كذلك نحن على تواصل مستمر مع الشركات السياحية والتي تعنى بتنسيق الرحلات للمواقع السياحية التي تزخر بها البلاد، أيضا نقوم بالتعاون مع بعض المواقع السياحية لخلق فرص جيدة للسائح لزيارة أكثر من موقع في آن واحد، كما كان لنا بعض التجارب في إشراك القطاع الخاص من خلال عرض منتجاتهم في مواقع محددة تابعة للكهف والتي تهدف إلى تعزيز الروابط مع المجتمع المحلي».

وتابع الوهيبي حديثه قائلًا: «هناك صيانة دورية للكهف والمرافق التابعة له لضمان سلامة الزوار وتقديم أفضل خدمة لهم، كما يفتتح مشروع كهف الهوتة أبوابه للزوار وفق جدول محدد، فمن يوم السبت إلى الخميس يستقبل المشروع الزوار بداية من الساعة 9 صباحاً إلى 5 مساءً، حيث تدخل آخر مجموعة الكهف عند الساعة 4 مساءً، أما يوم الجمعة فيكون المشروع مفتوحا على فترتين، الأولى من الساعة 9 صباحا وحتى 11 صباحا، والفترة الثانية من 1 ظهرا وحتى 5 مساء، ويرافق الزوار داخل الكهف 5 مرشدين سياحيين يتحدثون باللغتين العربية والانجليزية، وتتراوح الجولات ما بين 10 جولات إلى 16 جولة في اليوم الواحد».

وحول عدد الزوار المسموح لهم بالدخول بالمرة الواحدة قال الوهيبي: «يوجد حد أقصى لعدد الزوار في كل جولة، حيث إننا كنا نسمح بدخول عدد 48 شخصًا في الجولة الواحدة، وذلك ما قبل الجائحة، وأما في الوقت الراهن ما بين 15 و 20 شخصًا وذلك لتطبيق التباعد الجسدي اللازم».

وحول إحصائيات الزوار تحدث الوهيبي بقوله: «في عام تجاوز عدد الزوار 54 ألفًا و 500 زائرٍ، أما في عام 2020 فقد انخفض عدد الزوار نظرا لظروف الجائحة، حيث سجل مشروع كهف الهوتة زيارة 12 ألفًا و 767 زائرًا». واختتم الوهيبي حديثه: «ما أود إضافته هو حث الجميع للاستفادة من الظروف الراهنة التي تعيشها المنطقة والعالم أجمع من خلال زيارة المواقع السياحية التي تزخر بها البلاد والتعرف على ما تم إنجازه فيها من تسهيلات لزائري هذه المواقع إثراءً للسياحة الداخلية».

الكهف الشاسع

عند الساعة الواحدة والنصف، انطلقنا من مبنى المشروع نحو مدخل الكهف، المسافة الفاصلة حوالي 500 متر مشيًا على الأقدام، فالقاطرة تخضع لصيانة تضمن سلامة السياح والزوار، وعند مدخل الكهف كانت المفاجأة، فبعد خطوات من مدخل الكهف، تجلت عظمة المكان واتساع الكهف الشاسع، وبرفقة أحد الشباب المرشدين السياحيين اتضحت لنا معلومات كثيرة حول المكان وتاريخه، حيث يعتبر الكهف من أشهر كهوف العالم، ويجذب إليه المكتشفين والباحثين باستمرار، فكنوز الكهف عديدة وتخبئ الكثير من الحقائق التي ما زالت طي المجهول، عوضا عما تم اكتشافه.

وللكهف ثلاثة مداخل رئيسية، واحد منها متاح للزوار، ذو باب حديدي يُغلق في حالات نادرة منها عند غزارة الأمطار وجريان الأودية إلى داخل الكهف، وذلك حفاظًا على أرواح الزوار، وقد شهد الكهف فيضانات للماء على مر التاريخ وآخرها من عام 2018 كما أشار لنا المرشد السياحي.

ويتمتع الكهف بدرجة حرارة تكاد تكون ثابتة طوال العام، إذ تكون ما بين ٢١ إلى ٢٥ درجة مئوية وفي حالات نادرة تصعد الدرجة إلى أعلى من ذلك كلما ارتفعت نسبة الرطوبة داخل الكهف.

430 سلمًا

الكهف الذي افتتح للزوار في عام 2006 شُيِّدت داخله مسارات وسلالم حديدية وإسمنتية تبلغ حوالي 430 سلمًا، تأخذ الزوار في أرجاء الكهف وإلى قاعات طبيعية ضخمة ذات مسميات متعددة، ومنها قاعة الأسد نسبة إلى شكل صخرة على هيئة أسد فاتحا فمه وكأنه يزأر، وللخيال في أذهان الناس من الزوار حكايات أخرى، إذ تتيح التشكيلات للزوار إطلاق العنان لخيالاتهم وتشبيه التشكيلات الصخرية بكائنات وأشياء من واقع الحياة. وللكهف مجاري أودية تفيض بالمياه، إذ يرافق الزوار داخل الكهف صوت خرير المياه العذب، ما يضفي لمسة نحو صفاء الدهن لما يمتلكه الخرير من صوت آسر، وفي ذات مسار يمر الماء من أسفله باتجاه بحرية، إحدى بحيرات الكهف الثلاث، إلا أن ذلك الماء مجلوب باستخدام المضخات الكهربائية بهدف محاكات واقع الحال قديمًا، إذ تدل التكوينات على أن ذاك المكان شلال مياه جوفي ومجرى ماء يدل أثره عليه، كما أن الكهف مجهز بأنابيب للتهوية ولتصريف المياه في حالات دخول المياه إليه بكميات كبيرة.

واقع مختلف

لا بد وأن الداخل إلى الكهف، خاصة إذا زارها لأول مرة، شيعيش واقعًا مختلفًا غير معتاد، ولحظة ستحفر في ذاكرته طويلا، فمهما سمع عن الكهف ومهما رأى من صور، إلا أن لحظة الواقع تختلف كثيرا، وتزيد من الإبهار، إذ للكهف سقف متفاوت الارتفاع، تجده عاليا في مواقع ومنخفضا في أخرى، وتجد العروق الصخرية وكأنها دبابس معلقة على سقف الكهف وموجهة نحو الأسفل، وما تلك الدبابس إلا تكونات كلسية تشكلت عبر مرور السنين، ويشير المرشد السياحي إلى أن التكونات الكلسية تشكلت مع تسربات المياه من سقف الكهف الخارجي، إذ كانت المياه تمر بغطاء نباتي ضخم كان موجودا منذ أكثر من مليون عام، حيث أثبت العلماء ذلك، إلى جانب إثباتهم بأن عمر الكهف يعود إلى أكثر من مليوني عام، فكل سنتيمتر واحد من الكلس يتشكل خلال فترة ما بين 5 إلى 100 سنة. والكهف مزود بالإضاءة الصفراء الخافتة، ما يجعل المكان واضحا بأقل معدل إضاءة، في سبيل الحفاظ على الكائنات الحية داخل الكهف من إزعاج الأضواء والزوار، ومحاكاة ظلمة المكان.

أسماك عمياء

وحينما نتحدث عن الأحياء داخل الكهف، فإننا نتحدث عن عظيم خلق الرحمن، حيث تعيش في الكهف 3 فصائل رئيسية من الحيوانات، الخفافيش، وفصيلة من العناكب، والأسماك التي تعيش في بحيرات الكهف الثلاث والمسماة علميا «الأسماك العمياء» وتلك الأسماك ما حدت بي إلى التأمل لوقت طويل، ففي مبنى المشروع معرض جيولوجي يحوي على حوض لتلك الأسماك التي رأيتها بلا أعين، فخلال تكاثرها داخل الكهف لمئات الآلاف من السنين، يبدو أنها غيرت من جيناتها الوراثية، لتستغني عن أعينها، فهي لا تحتاجها لأنها تعيش في ظلام دامس!

يمر الزائر في كهف الهوتة على ضفاف إحدى البحيرات، وتلك البحريات يبلغ أقصى عمق لها نحو 12 مترا، وتعيش فيها تلك الأسماك العمياء، ويستطيع الزائر رؤية البحيرة الممتدة إلى داخل سقف صخري هابط، إذ يبلغ امتداد البحيرة حوالي 900 متر مخبأة بين التشكيلات الصخرية.

5 كيلومترات

وحين نتحدث عن مساحة الكهف أو طوله، فإن إجماليه يبلغ حوالي 5 كيلومترات، متاح منه للزوار ما نسبته فقط 10 %، وهو ما يساوي حوالي كيلومتر طول المسار المخصص للمشي.

وبعد الإبهار الذي يرافق الزائر داخل الكهف، يمكن له أن يتجول في المعرض الجيولوجي داخل مبنى مشروع «كهف الهوتة»، إذ يحوي المعرض على نماذج من أنواع الصخور، إضافة إلى أدوات تفاعلية ذات شاشات تحاكي تطور الأرض من بداية نشأتها إلى ما هي عليه الآن، إضافة إلى خوض يحوي أنواع الأسماك ومنها الأسماك العمياء، وقفص زجاجي آخر يضم نوع العناكب الذي يعيش داخل الكهف.

ومهما كُتِبَ بهذا الموضوع يبقى للعين نظرة مختلفة على الطبيعة، وأبواب مشروع كهف الهوتة مفتوح للزوار للاستمتاع بهذا الكنز الفريد من كنوز عمان الخير.