oman-logo-new
oman-logo-new
كلمة عمان

الإصلاح وجدلية التطور المستمر

31 يناير 2021
31 يناير 2021

يطالب الناس دائمًا بالإصلاح، ويسعون إليه، سواء على المستوى الشخصي أو على مستوى هياكل الدولة وأنظمتها وبنيتها الداخلية. وبعد كل مرحلة تثبت عملية التجريب فيها الحاجة إلى المراجعة والبحث عن تطور أكبر يحضر مصطلح «الإصلاح» بقوة من منطلق وعي جمعي مفاده أن الثبات في المتغيرات وفي الأمور التي يسعها التطور هو نوع من الجمود، وبعد الجمود يأتي التراجع.

والإصلاح في هذه الحالة هو الوسيلة للخروج من حالة الجمود وانسداد الأفق، إلا أن الإصلاح لا يمكن أن يأتي بضغطة زر على «ريموت كنترول» تتحول فيه الشاشة أمامنا مما كانت عليه إلى ما نريده. عملية الإصلاح عملية معقدة جدًا، إذا لم تتم بالصورة المدروسة فإن من شأنها أن تخلخل الأسس التي قام عليها البناء.

وما يحدث في عُمان اليوم عملية إصلاح كبيرة، وعميقة تقوم على منهج سليم، لكنه منهج شامل ومتسع من شأنه أن يحقق طموحات العمانيين وتطلعاتهم للمستقبل، ويعالج الكثير من القضايا الشائكة التي ظهرت خلال المرحلة الماضية من عمر مسيرة النهضة العمانية، لكن حتى ندرك صورة هذا الإصلاح لا بد أن ننظر إليه نظرة تكاملية من خارج المشهد الداخلي، فالإنسان المنغمس في المشهد بشكل يومي لا يستطيع أن يدرك، دون وعي نقدي، أن ثمة ما يتغير حوله.

ولا يمكن تصنيف العملية الكبيرة التي يقوم بها حضرة صاحب الجلالة السلطان هيثم بن طارق المعظم - أعزّ الله سلطانه - في عُمان منذ الأيام الأولى لتسلمه زمام عرش البلاد إلا بعملية الإصلاح التاريخي الذي ينبئ بميلاد جديد لعُمان المتجددة، لكن عملية الإصلاح تحتاج إلى صبر وتفانٍ وتضحيات عظيمة، وتغليب المصلحة الوطنية على المصلحة الشخصية. ولا يمكن أن يقاس نجاح الإصلاح بمقياس شخصي، فإن هو عاد على الشخص بعائد حكم عليه بالنجاح وإلا فهو ليس من الإصلاح في شيء.

القادة العظام ينظرون إلى النتائج على المستوى الوطني والجمعي لأنها الأبقى والأعم نفعًا. رغم ذلك فإن جلالة السلطان في السياق الإصلاحي خلال العام الماضي كان يراعي الجوانب الاجتماعية حتى لا يقع على المواطن تأثير بأكبر مما يحتمل، ويصر باستمرار على جانب الأمان الاجتماعي الذي يشعر الجميع بوصفهم أفرادًا أنهم داخل السياق وليسوا على هامشه.

إن الانتقال بعمان إلى مستوى طموحات العمانيين وآمالهم يحتاج إلى وقفة كبيرة من الجميع، وإلى جهد مضاعف، وإلى عمل نوعي يرتقي عن المستوى الشخصي إلى الجمعي والوطني. والنقد مطلب صحي جدًا، ورفيق أساسي لأي عملية إصلاح، إلا أن النقد شيء والخطابات المتعجلة التي تزعزع الثقة أحيانًا شيء آخر. والشخصية العمانية على مر التاريخ شخصية إيجابية قادرة على العطاء وعلى استيعاب المتغيرات والاندماج فيها من أجل بناء المستقبل. والحق يقال إن عُمان خلال عام واحد فقط حققت قفزات نوعية في سياق وضع بنية أساسية لمرحلة إصلاحية تستوعب طموحات «رؤية عمان 2040» والجهد الجمعي الذي صيغت به وهذا الجهد الجبار الذي سيحتاج وقتًا حتى نستوعبه بشكل جيد لم يحدث في مرحلة خلت من التحديات، إنما في مرحلة تحديات استثنائية في ظل جائحة فيروس كورونا التي عطّلت حركة التقدم في العالم، وتسببت في «جائحة» اقتصادية مصاحبة إن جازت العبارة بسبب تراجع اسعار النفط؛ ولذلك فإن في المرحلة القادمة التي يمكن أن يتعافى فيها العالم من الجائحة وتنزاح غمامتها سنرى الإصلاح الذي تحقق بشكل أوضح وسنجني ثماره قريبًا. وكلنا ثقة بسلطان عمان المفدى جلالة السلطان هيثم بن طارق المعظم.