100
100
الملف السياسي

فايزر أم سينوفارم .. دبلوماسية اللقاحات في الشرق الأوسط

28 يناير 2021
28 يناير 2021

القدس - (أ ف ب) - فايزر أم سينوفارم؟ الولايات المتحدة أم الصين؟ في الشرق الأوسط، تتوقف خيارات الحصول على لقاحات ضد فيروس كورونا المستجد على اعتبارات تقنية وكذلك جيوستراتيجية، ما يدلل على نفوذ بكين المتزايد في المنطقة.

في الأيام الأخيرة، أصدرت الحكومة الإسرائيلية وثائق توضح حجم تعاونها الواسع مع شركة فايزر الأمريكية العملاقة - المتحالفة مع شركة بايونتيك الألمانية - كجزء من حملتها لتحصين سكانها، وهي من أكبر الحملات في العالم.نجحت إسرائيل بالفعل في تطعيم ربع سكانها البالغ عددهم تسعة ملايين شخص. ففي مقابل تسلمها الفوري للقاحات، تزود إسرائيل المختبر بمعلومات عن مستوى المناعة والآثار الجانبية المحتملة للقاح بناءً على مؤشرات مثل العمر أو التاريخ الطبي. فهي لديها قواعد بيانات طبية رقمية واسعة.لم يكن هذا التعاون الكبير مفاجئًا نظرًا لأن إسرائيل هي الحليف الاستراتيجي الرئيسي للولايات المتحدة في المنطقة. فقد طلبت إسرائيل كذلك ملايين الجرعات من لقاح شركة موديرنا الأمريكية الذي يحظى بإقبال أقل حاليًا في المنطقة.في الشرق الأوسط، راهنت دول أخرى مثل قطر والكويت والمملكة العربية السعودية وسلطنة عمان على شركة فايزر. أما العراق والأردن والإمارات العربية المتحدة والبحرين، فاختارت التنويع وطلبت كذلك لقاحات من سينوفارم الصينية.

أبو ظبي والبحرين هما حليفتان لواشنطن وقد طبّعتا علاقاتهما مع إسرائيل في نهاية 2020، وشاركتا في المرحلة الثالثة من التجارب السريرية على اللقاح الصيني الذي تعتبره الإمارات الآن «آمنًا تمامًا».

«طريق الحرير الصحي»

يوضح يحيى زبير، المتخصص في العلاقات بين الصين والعالم العربي، أن هذه الخيارات تستند إلى اعتبارات تقنية مثل التكلفة أو متطلبات التخزين. فلقاح فايزر يحتاج لتخزينه في 70 درجة تحت الصفر فيما يحتاج لقاح سينوفارم لدرجتين أو ثماني درجات. ومع ذلك، فإن الجغرافيا السياسية ليست بمنأى عن ذلك.يقول الأستاذ في كلية كيدج لإدارة الأعمال إنه منذ بداية الوباء، «تصرفت الولايات المتحدة على نحو غير سوي. فقد انغلقت إدارة (الرئيس السابق دونالد) ترامب على نفسها في حين اعتمدت الصين دبلوماسية صحية بكامل أوجهها». ويضيف لفرانس برس «كان الصينيون أنشط وأبدوا مزيدًا من التعاون»، مشيرًا إلى إرسالهم الأقنعة وأجهزة التنفس أو حتى عقد ندوات عبر الإنترنت مع الهيئات الطبية في مختلف البلدان.ويشدد على أنه «اليوم، ومع طرق الحرير الجديدة (الصينية للبنية التحتية التي تشمل أكثر من 130 دولة)، هناك أيضًا طريق حرير صحي». ويضيف أن «الصحة صارت عنصرا من عناصر سياسة الصين الخارجية، وهذا يسمح لها بتوسيع دائرة أصدقائها» في منطقة تتنافس فيها جهات عدة على فرض نفوذها، وتحصل منها الصين على نصف وارداتها النفطية. ومع ذلك، يقول جوناثان فولتون، المتخصص في العلاقات بين الصين والشرق الأوسط في جامعة زايد في الإمارات، إن الولايات المتحدة مارست «ضغوطًا شديدة على حلفائها لعدم التعاون مع الصين». ولكن على الرغم من ذلك، وفي ظل هذه الأزمة الصحية التي انطلقت من أراضيها، تمكنت الصين من أن تصبح «جهة فاعلة ذات مصداقية». ولكن فولتون يقول إنه من خلال مشروعها لطرق الحرير الجديدة، تسعى بكين بشكل واضح إلى «زيادة نفوذها» في الشرق الأوسط ولكن ليس لتحل محل الولايات المتحدة.

«انتقاص العلم»

في أماكن أخرى من المنطقة، طلب حلفاء مخلصون آخرون للولايات المتحدة، مثل مصر والمغرب بشكل خاص، لقاح سينوفارم.

ويقول المحللون إن هذه الدول تسعى، من بين أمور أخرى، إلى الاستفادة من هذا التعاون لإنشاء مراكز إنتاج محتملة للقاحات الصينية في الشرق الأوسط وإفريقيا.

يقول ستيفن كوك، المحلل في مجلس العلاقات الدولية، وهو مركز أبحاث في واشنطن، «يبدو من الواضح أن هيبة بكين تزداد يومًا بعد يوم».

ويضيف «في هذه المنطقة، ينظر الناس إلى الولايات المتحدة بصفتها القوة التكنولوجية العالمية .. لكنها كانت، حتى الآن، غائبة تمامًا عن دبلوماسية اللقاح هذه». وهو يعزو جزئيًا هذا «الغياب» إلى ترامب الذي «تجنب التعاون الدولي وانتقص من قيمة العلم».

وصول سبوتنيك

في هذا النزاع على النفوذ من خلال اللقاحات، تعتمد المملكة المتحدة على أسترازينيكا التي طلبت لقاحها ستة بلدان في المنطقة، بينما تروج روسيا للقاحها سبوتنيك-في.

طلبت الجزائر، حليفة موسكو منذ زمن طويل، الحصول على جرعات من اللقاح الصيني وكذلك اللقاح الروسي، وهما أرخص كلفة من اللقاحات المنافسة المنتجة في الغرب، لكن صحفًا محلية شككت في موثوقيتهما. وقالت صحيفة الوطن اليومية إنه لا ينبغي «المراهنة على صحة الجزائريين في لعبة الروليت الروسية». وطلب المغرب والفلسطينيون كذلك اللقاح الروسي. ويتوقع أن تتسلم رام الله، مقر السلطة الفلسطينية التي قطعت الاتصالات مع الولايات المتحدة في عهد ترامب، لقاح سبوتنيك-في فيما تلقى 2,5 مليون إسرائيلي جرعة أولى على الأقل من لقاح فايزر، وهو تفاوت نددت به المنظمات غير الحكومية.

وترفض إيران طلب اللقاحات الغربية وتقول إنها تريد الحصول على لقاحاتها من الهند أو الصين أو روسيا، أو حتى الاعتماد على إنتاجها الخاص.

ولكن إن كانت الصين تبدو -وفقًا للمحللين الفائزة في- «دبلوماسية اللقاح» هذه، فإن الأمور ما زال من الممكن أن تتغير اعتمادًا على وتيرة التسليم وموقف الإدارة الجديدة في واشنطن. ويقول جوناثان فولتون إن «الأمور لم تحسم بعد».

 

عولمة لقاح كوفيد - 

نجوزي أوكونجو إيويالا -

يعد تطوير لقاحات كوفيد-19 الآمنة والفعالة، والتي حظيت بالموافقة بعد أقل من عام من انتشار الوباء إنجازًا رائعًا حقًا، مما يعطي بصيص أمل في أن نهاية هذه الأزمة المدمرة قد تكون وشيكة. وما سيحدث في الأشهر- أو حتى الأسابيع- المقبلة سيكون ملحوظًا بنفس القدر: سيكون لقاح كوفيد-19 متاحا في نفس الوقت تقريبًا في جميع أنحاء العالم- ليس فقط في البلدان الأشد ثراءً.

وستصل اللقاحات إلى غالبية مواطني الدول الغنية في الربع الأول من هذا العام، وسيبدأ مواطنو البلدان المنخفضة الدخل والبلدان ذات الدخل المتوسط الأدنى في الحصول عليها. إن سرعة ونطاق توفير اللقاحات أمران استثنائيان وضروريان لإنهاء الوباء، ولا يمكن تحقيقهما إلا بفضل العرض غير المسبوق للتضامن العالمي، والدعم المتعدد الأطراف لـCOVAX (كوفاكس)، وهو الآلية المركزية في جهود التطعيم العالمية ضد كوفيد-19، التي أطلقتها العام الماضي منظمة الصحة العالمية و«Gavi غافي»، تحالف اللقاحات (حيث كنت أتولى منصب القيادة). وسيسهل برنامج كوفاكس طرح ملياري جرعة لقاح خلال العام المقبل، لإيصالها بذلك إلى الأشخاص في 190 بلد واقتصاد مشارك، بغض النظر عن القدرة على الدفع. وفي الواقع، يجب توفير ما يكفي من الجرعات لحماية جميع العاملين في مجال الرعاية الصحية والاجتماعية في جميع أنحاء العالم بحلول منتصف عام 2021. وعلى الرغم من أن البرنامج له نصيبه من الرافضين، استمر في جذب المزيد من الحكومات، وصانعي السياسات الاقتصادية، والشركات المنتجة للقاحات. وبدأت تلك الجهات المشاركة في الانضمام إلى البرنامج لأنها تدرك أن كوفاكس هو الحل العالمي الوحيد الناجع لأزمة كوفيد-19. الآن وقد وصلنا إلى هذا المنعطف الحرج، يجب أن تتوقف التكهنات حول ما إذا كان كوفاكس سيفشل. لقد حان الوقت للبدء في تقديم الدعم اللازم لضمان نجاحه في القيام بما تم تصميمه من أجله. إن تطوير اللقاحات والموافقة عليها مجرد خطوة أولى. إذ طالما أن فيروس كورونا يمكن أن ينتقل بين الناس، فستستمر العدوى بينهم، وسيموت عدد منهم. وسيظل الأمل في العودة إلى التجارة الطبيعية والسفر بعيد المنال. وحتى نخرج من الدوامة، لا يمكننا تطعيم بعض الأشخاص فقط في بعض البلدان؛ يجب علينا حماية جميع الناس في كل مكان. ومع ذلك، بمجرد طرح اللقاحات، تجاوز الطلب بصورة متوقعة معدل العرض الذي لا يزال محدودًا. وفي ظل هذه الظروف، حتى لو كانت هناك وعود بتقديم جرعات لبقية العالم في المستقبل القريب، فإن تخصيص اللقاحات لمن يدفع أعلى سعر لن يؤدي إلا إلى إطالة أمد الأزمة. إن قومية اللقاحات هي بالضبط المشكلة التي أطلق برنامج كوفاكس لحلها. وفي مواجهة كوفيد-19، يجب أن نتجنب تكرار ما حدث في عام 2009، عندما اشترى عدد صغير من البلدان الغنية معظم الإمدادات العالمية من لقاح إنفلونزا H1N1،(إيتش وان إين وان)، ولم يتبق أي شيء لبقية العالم. ونظرًا لأن كل حكومة وطنية لديها واجب من الدرجة الأولى لحماية مواطنيها، فليس من المستغرب أن تكون حوالي 35 دولة قد أبرمت بالفعل صفقات ثنائية مع شركات تصنيع الأدوية لطرح لقاحات كوفيد-19.

وهذه الترتيبات ليست مثالية عندما يتعلق الأمر بجهود التطعيم العالمية. إذ على الرغم من أن كوفاكس مرن بما يكفي للتغلب على هذه المشكلة بالذات، إلا أن ذلك لن يحصل إلا إذا كان المصنعون يوفرون له إمكانية الوصول إلى اللقاحات بقدر ما يوفرونها للحكومات الوطنية. ولسوء الحظ، نشهد بالفعل أن بعض الحكومات تشتري جرعات أكثر بكثير مما تحتاج إليه، مما يزيد الضغط على الإمدادات العالمية خلال هذه المرحلة الأولية الحرجة.

وأشارت بعض هذه البلدان إلى أنها ستتبرع بطلبات الفائض الخاصة بها، وفي هذه الحالة ستحتاج هذه الجرعات الإضافية إلى إعادة توجيهها بسرعة وبإنصاف قدر الإمكان. وأفضل طريقة للتأكد من أنها مناسبة للحكومات المانحة هي أن تمر عبر آلية الالتزامات المسبقة للسوق لكافي/كوفاكس، التي تم خلقها لضمان إتاحة لقاحات كوفيد-19 للأشخاص الذين يعيشون في دول العالم الـ92 المنخفضة والمتوسطة الدخل وحتى الآن، أمّن كوفاكس حوالي مليار جرعة للناس في هذه البلدان، من خلال إبرام صفقات مع الشركات المصنعة للعديد من اللقاحات المرشحة الواعدة. ولكن هناك حاجة إلى جرعات أكثر. ويجب على جميع الشركات المصنعة تكثيف جهودها وإتاحة لقاحاتها بتكلفة مناسبة لبرنامج كوفاكس، حتى يتمكن من طرحها عالميًا في الوقت المناسب. لقد قامت بعض الشركات المصنعة بذلك بالفعل؛ وساهم المانحون الدوليون بالملياري دولار التي تحتاجها آلية الالتزامات المسبقة للسوق لكوفاكس لعام 2020. ولكن البرنامج احتاج إلى 5 مليارات دولار إضافية لعام 2021، وفي ديسمبر، خصصت الولايات المتحدة 4 مليارات دولار لـGavi في حزمة إغاثة كوفيد-19 الثانية. وفي فبراير الماضي، لم يكن أحد يتصور أنه بحلول نهاية العام سيكون لدينا أكثر من لقاح واحد معتمد، وسنكون في وضع يسمح لنا بإيصال الجرعات إلى البلدان المرتفعة والمنخفضة الدخل في وقت واحد. ولكن المجتمع العالمي خصص برنامجا لتنفيذ هذه المهمة؛ وكل ما يحتاجه كوفاكس الآن هو ما يكفي من الدعم الدولي لإتمامها.

■ المدير الإداري السابق للبنك الدولي ووزيرة المالية السابقة لنيجيريا، ورئيس مجلس الإدارة السابقة لتحالف اللقاحات والمبعوث الخاص السابق للاتحاد الأفريقي بشأن كوفيد19، وهي زميلة متميزة في معهد بروكينغز وقائدة عامة عالمية في كلية جون ف. كينيدي للإدارة الحكومية بجامعة هارفارد.

** خدمة بروجيكت سنديكيت.